وقع الجانبان الأردني والأمريكي في تاريخ 31 01 2021 اتفاقية دفاعية تحت مسمى " اتفاقية التعاون الدفاعي بين حكومة المملكة الأردنية الهاشمية وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية "، وقد صادقت الحكومة الأردنية على هذه الاتفاقية في تاريخ 17 02 2021 ثم تم نشرها في الجريدة الرسمية للملكة في عدد 1004، وقد تضمنت هذه الاتفاقية بالإضافة إلى ديباجتها الأولية تسع عشرة مادة، تتضمن كل مادة منها بنوداً تفصيلية تشرح بوضوح المندرجات التوافقية في تلك المادة.
لن نخوض في هذه الاتفاقية مادة مادة ولا بنداً بنداً، فهذا أمر يتطلب أكثر من مقال، ففي كل مادة وبند من هذه الاتفاقية ما يثير الدهشة ويبعث على القلق، وفي هذه المقالة سنتعرض بشكل سريع إلى بعض بنود هذه الاتفاقية التي تعطي تصوراً عن الآليات القانونية التي تبسط من خلالها أمريكا سيطرتها على الدول والممالك، دفاعاً عن مصالحها دون أن تجرد جيوشاً أو تثير زوابع، بل تكتفي كما قال أوباما سابقاً بالقيادة من الخلف وتترك للآخرين تنفيذ ما تريد من سياسات وتوجهات.
في ديباجة هذه الاتفاقية جاء أن هذه الاتفاقية جاءت بناء على إقرار الطرفين أن "... وجود قوات الولايات المتحدة يساهم في تعزيز أمن واستقرار الأردن والمنطقة، وإذ ترغبان في تقاسم مسؤولية دعم قوات الولايات المتحدة التي قد تتواجد في الأرض الأردنية " ما يعنينا في هذه الديباجة مصطلح دعم قوات الولايات المتحدة، الأمر الذي جاء مبهماً حمالاً لأوجه ويمكن أن يفسر بناءً عليه أي تطورٍ أو تجاوزٍ لأحكام هذه الاتفاقية أو خروجٍ عن نصوصها، فإن حصل أي تجاوز لأي مادة أو بند من بنود هذه الاتفاقية؛ يمكن أن يقال أن مصطلح الدعم يمكن أن يفسر هذه التجاوز ويحل اشكالاته.
في المادة الثانية من مواد هذه الاتفاقية وتحت عنوان "التعريفات" وفي البند الثاني تم تعريف " متعاقد الولايات المتحدة " يعني شخص أو كيان، وموظفيه يقوم بتوريد السلع أو الخدمات في الأراضي الأردنية لقوات الولايات المتحدة أو نيابة عنها بموجب عقد أو عقد من الباطن مبرم مع وزارة الدفاع الأمريكية أو دعماً لها "، هذا البند من هذه المادة شرع ويشرع أبواب الأردن على غاربها أمام استقدام مرتزقة من كافة أصقاع الدنيا للقيام بمهام عسكرية وأمنية خدمة لمصالح أمريكا في المنطقة، كما يحول أرض الأردن مرتعاً خصباً للصراعات الأمنية والعسكرية التي تقع بين القوات النظامية التابعة لأمريكا والمتعاقدين معها، نتيجة لتضارب الصلاحيات أو تسجيلاً للإنجازات.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن أمريكا عندما قامت بغزو العراق واحتلال أراضيه؛ كانت تملك ما يربو عن 120 ألف جندي نظامي يتبع للقوات المسلحة الأمريكية بشكل رسمي، مضافاً إلى عشرات آلاف المرتزقة ــ بلغوا في بعض الأحيان ما يقارب من ستين ألف متعاقد ـــ الذين جلبتهم من مختلف جنبات الأرض، قاموا بأعمال أقل ما يقال فيها أنها جرائم حرب، وما جرائم شركة بلاك ووتر في بغداد والرمادي والفلوجة عنا ببعيدة؛ ما نسيناها ولن ننساها.
في المادة الرابعة من الاتفاقية وتحت عنوان "التمركز المسبق وتخزين المعدات والإمدادات " والمواد جاء في البند الأول من هذه المادة ما نصه "...، وتقوم قوات الولايات المتحدة بإخطار القوات المسلحة الأردنية بشكل مسبق فيما يخص الجدول الزمني لوصول تلك المواد المتمركزة مسبقاً، ويكون لقوات الولايات المتحدة سيطرة حصرية على الوصول إلى تلك المواد المتمركزة مسبقاً واستخدامها والتصرف فيها ويكون لها الحق المطلق في إزالة تلك المواد المتمركزة مسبقاً في أي وقت من الأراضي الأردنية " اللافت في هذا البند أنه يتحدث عن إخطار مسبق !! وليس أخذ إذن وطلب سماح لدخول المعدات الدفاعية ومعدات الإمداد القتالية، كما حصرت إمكانية الوصول إلى هذه المواد فقط بالقوات الأمريكية، فإن حدث وشكت أو ارتابت الحكومة الأردنية بأن ما تم جلبه وتخزينه خارج هذه الاتفاقية أو غير مطابق للمواصفات الدفاعية الكلاسيكية أو لا تتطلبه عمليات الدعم والإمداد التقليدية أو مضر بالصحة والبيئة؛ فلن تُمكّن الحكومة الأردنية أو من ينوب عنها من الوصول إلى هذه المواد، ويترك للقوات الأمريكية صلاحية التصرف بها وإزالتها وفي أي وقت شاءت!!
أما في المادة السادسة وتحت عنوان " الأمن " فقد جاء في البند الثاني من هذه المادة " يقر الأردن بالحق والالتزام المتأصلين للقادة العسكريين للولايات المتحدة في ضمان أمن وسلامة الأفراد والمعدات الخاضعين لإشرافهم، كما يتفهم أن للقادة العسكريين للولايات المتحدة حق متأصل في الدفاع عن النفس ويجوز لهم الرد حسب الضرورة على أي تهديد أمني وشيك " بكل بساطة وبدون مواربة؛ منح هذا البند تحت هذه المادة القوات الأمريكية والمتعاقدين معها حق استخدام القوة وتحييد المخاطر بالطريق التي يرونها مناسبة، وبدون وضع أي معايير أو قواعد اشتباك، فبمجرد أن يشعر الجندي أو القائد أنه مهدد أو أن من هم تحت إمرته في خطر؛ يستطيع أن يقوم بالإجراء الذي يراه مناسب حتى لو أفضى إلى قتل أو جرح بشر أو تدمير حجر، في أي مكان وفي أي زمان!
وفي المادة السابعة من هذه الاتفاقية وتحت عنوان " الدخول والخروج " فقد نص البند الثاني من هذه المادة على أنه " يتم السماح لمتعاقدي الولايات المتحدة بالدخول إلى الأراضي الأردنية والخروج منها والتنقل بحرية فيها بحسب متطلبات هذه المادة "، إن هذا البند يمنح القوات الأمريكية ومتعاقديها ( اقرأ مرتزقتها ) حرية عمل وهامش مناورة عملياتية على كافة الأراضي الأردنية بمجرد حملهم قصاصة ورق تقول أن هذه الحركة وهذا التنقل تستدعيه مهمة ما كلفه بها قائده في القاعدة التي انطلق منها، وهو محمي بنصوص هذه الاتفاقية من الملاحقة، كما تخوله حق الدفاع عن نفسه بالطريقة التي يراها مناسبة حال شعوره بالخطر أو التهديد، في استباحة لكل معاني السيادة التي يمكن أن يتخيلها نظام لنفسه على أرضه وبين شعبه !!
وجاء في المادة الثامنة وتحت عنوان " حركة الطائرات والمركبات والسفن " وفي البند الأول ما مضمونه؛ أنه يجوز لهذه الوسائط أن تتحرك متى شاءت وكيف شاءت محترمة!! قواعد السلامة المرعية الإجراء، ولكن ما هو لافت في هذه البند ما نصه "... وتكون تلك الطائرات والمركبات والسفن غير خاضعة لعمليات الصعود والتفتيش بدون موافقة الولايات المتحدة " فلا يمكن لأي هيئة قانونية أو جهة أمنية أردنية أن تقوم بأي إجراء من أجل التحقق من سلامة ما تحمله هذه الوسائل أو معرفة ما يمكن أن تقوم به من أعمال أثناء توقفها أو تواجدها في الأراضي الأردنية، حتى لو كانت تحمل في أقبيتها زنازين تحقيق ومقرات اعتقال أو معدات تجسس ووسائل قتل وقتال، وأي إجراء يجب أن يخضع لموافقة الولايات المتحدة !! وما على المتضرر إلا الرحيل.
وفي المادة العاشرة والتي عنونت بــ " الاستيراد والتصدير والضرائب " فقد أعفت هذه المادة في بندها الأول عمليات الاستيراد والتصدير من أي نوع من أنواع التفتيش والتحقق للتأكد من سلامة المستورد أو المصدر أو من أنه لا يشكل خرقاً لبنود الاتفاقية أو ضرراً على السلامة العامة أو البيئة، وفي حال أرادت الحكومة الأردنية التحقق من هذا الأمر؛ فيجب أن يتم استئذان الحكومة الأمريكية، ولكن للحفاظ على أمن المستورد أو المصدر ورعاية للأصول الأمنية الأمريكية، يتم التحقق في أماكن تحت السيطرة الأمريكية، وليس تحت سيطرة أجهزة إنفاذ القانون الأردنية !!
وفي المادة الحادية عشر وتحت عنوان " التعاقد " فقد نص البند الأول من هذه المادة على ما شرّع و يشرّع التعاقد مع الأشخاص أو الهيئات أو الكيانات حتى لو كانت معادية للدولة الأردنية حيث جاء في البند ما نصه " يجوز لقوات الولايات المتحدة التعاقد على أي مواد ومعدات وخدمات... في الأراضي الأردنية بدون قيود تتعلق باختيار المتعاقد أو المورد أو الشخص أو الجهة الأخرى التي تقوم بتوفير تلك المواد أو الإمدادات أو المعدات او الخدمات... " فهل هناك نص أوضح من هذا و أقوى حجة وقانونية يمكن أن يتسلل منه أعداء الأردن إلى أراضيها وهم محميون ومحصنون من أي ملاحقة أو مساءلة على ما يمكن أن يقوموا به أو يقترفونه في حق الأردن وأهلها ؟
أما في المادة الرابعة عشر من هذه الاتفاقية وتحت عنوان " المرافق البريدية والترفيهية وخدمات الاتصالات " فقد جاء في بندها الثالث أن هذه المواد المرتبطة بتلك الخدمات "... معفاة من التفتيش ومتطلبات الترخيص واللوائح الخاصة بالأردن أو أجهزته أو أي من دوائره الفرعية " في تشريع واضح لجلب وزرع وتشغيل أدوات التجسس والتنصت والمتابعة التي تمكن أجهزة الأمن الأمريكية ووكالتها لجمع المعلومات من جمع ما تريد من معلومات عمن تريد من أشخاص وهيئات، ومن ثم تقاسم هذه المعلومات مع جهات ليس أولها الكيان الإسرائيلي ولن يكون الأخير، فلا حماية ولا حصانة فردية لأردنيّ أو أردنية!
نختم بالمادة الثامنة عشرة وتحت عنوان " التنفيذ والمنازعات " وفي البند الرابع من هذه المادة جاء ما تقشعر له الأبدان في تضييع حقوق المواطنين والأوطان، حيث نص هذا البند الكارثة على " يتم تسوية أي خلاف يتعلق بتنفيذ أو تفسير هذه الاتفاقية أو أي من ترتيبات التنفيذ عند أدنى مستوى ممكن، ويتم عند الضرورة رفعها إلى الوكيلين التنفيذيين للنظر فيها واتخاذ القرار، ويتم احالة المنازعات التي لا يمكن تسويتها بواسطة الوكيلين التنفيذيين إلى الطرفين للتشاور واتخاذ القرار حسبما يكون مناسباً، ولن يتم احالتها إلى أي محكمة وطنية أو أي محكمة أو هيئة قضائية دولية أو كيان مشابه أو أي طرف ثالث آخر للتسوية " !! لن يتم مقاضاة أمريكا أو جنودها أو مرتزقتها على أي جريمة أو انتهاك لحق من حقوق البلاد أو العباد، فهم محصنون من أي ملاحقة أو مطالبة أو مقاضاة؛ محلياً أو دولياً، فإن زاد الضغط الشعبي للملاحقة؛ فقد ترك الباب موارباً للمتابعة أمام الهيئات الأمريكية على الأراضي الأمريكية، بحثاً عن العدالة وا؛ لأنصاف الأمريكي!!
هذا ما اتسع له المقال في هذا المقام، مع الإشارة إلى أن كل بند من بنود هذه الاتفاقية العار، فيه من مصادرة السيادة والاستخفاف وعدم المسؤولية، ما لو خُيل لو أنه اتفاقية استسلام لبلد خسر معركة خسارة كاملة، لظُن أنه صحيح، في أرض ضم ترابها رفات كبار صحابة رسول الله غسلوها وطهروها بدمائهم، أرض هي أرض حشد ورباط إلى يوم القيامة، لن يضرها من خذلها ولا من صادر وباع حق بنيها فيها.
عبد الله أمين
05 04 2021