مسار التحرير... بين الواقع والتنظير
3/3
تحدثنا في الجزئين الأول والثاني عن مسار التحرير وبعض متطلبات بنائه، حيث ذكرنا أن من متطلبات بناء هذا المسار الأمور الآتية التي نذكرها من باب التذكير بها، وربطاً لخاتمة هذه السلسلة ببدايتها، فنقول أن من تلك المتطلبات:
أولاً: تحديد الأهداف.
ثانياً: تعريف العدو أو الأعداء.
ثالثاً: تعريف الحليف أو الحلفاء.
رابعاً: تهيئة البيئة الداخلية والإقليمية.
خامساً: بناء المسار.
سادساً: تحديد الفاعلين الرئيسيين.
سابعاً: تحديد القدرات: تحت هذا العنوان يمكن بسط الحديث بشكل يطول، ولكن المهم في هذا المجال ليس تحديد القدرات الكلية لكل مكون من مكونات هذه الحركات وأولئك الداعمين؛ وإنما تحديد مايمكن تشغيله من هذه القدرات وتلك الإمكانيات عندما تستدعي الحاجة، فالقدرات البشرية والمادية التي تقع تحت سلطة أي فاعل ممن ورد ذكرهم ليست مطلقة ولا يقيدها قيد وممكن التصرف بها بكامل طاقتها متى شاء المالك وكيف شاء، كما أن هذا البحث يتطلب رؤوساً باردة تتعاطى مع الوقائع والمعطيات، وليس مع التمنيات والرغبات، فما تملكه حركات المقاومة في الداخل من قدرات، له سقف فعل لا يمكن تجاوزه، وتقيده قيود قد لا تقيد ما تمتلكه حركات المقاومة خارج فلسطين، كما أن القدرات المملوكة في الخارج يحد فعلها حدود ويقيد تشغيلها قيود، وفي بعض الإجراءات والمناورات قد تكون قدرات الداخل أكثر فاعلية وأثر في مسار التحرير من تلك التي في الخارج، والعكس صحيح بشرط أن يتم تحديد المهمة والهدف لكلا القدرتين ــ في الداخل والخارج ــ بشكل منطقي وعلمي يراعي ويلاحظ ما يقيد كل منها من قيود، سياسية وتعبوية وجغرافية.
ثامناً: تحديد المهمات: أما عن تحديد المهمات، فالأمر يخضع لنقاش تخصصي تفصيليّ، بعد أن تحدد الجهود الكلية لعملية التحرير، بناءً على ما يملكه الفاعلون من قدرات والمهام التي ستسند لهم في عملية التحرير، وجغرافيا الفعل التي ستعمل عليها وفيها هذه القدرات، آخذين بعين الاعتبار أن هؤلاء الفاعلين في مسار التحرير، لديهم من المهام الداخلية المتعلقة ببرامجهم الذاتية، ما يجعلهم غير قادرين على تخصيص كل قدراتهم للمشاركة في عملية التحرير، لذلك يجب أن يسند لك منهم ما يقدر على تنفيذه من مهام، كما يجب التفاهم مع هؤلاء الشركاء على الـــ ( متى؟ ) والــ (كيف؟) والــ (أين؟) والــ (من؟) والــ (لماذا؟) والـ (ماذا؟) لكل مهمة ودور، وهذه أمور تتطلب من أجل رعاية أصل التامين الشامل؛ حديثاً مفصلاً، تبنى لبناته لبنة لبنة وقطعة قطعة، دون حرقٍ للمراحل أو استعجال وعجلة، الأمر الذي يتطلب تهيئة ظروفه ومتطلباته بشكل آمن، ومن لوازم أمنه طول مدته.
تاسعاً: تخصيص القدرات: يظن البعض أن ما يملكه من قدرات قتالية ــ بشري ومادية ـــ قادرٌ على استخدامها وتشغيلها بكل طاقتها ؛ متى شاء وكيف شاء، دافعاً بها على محور الجهد الرئيسي أو الثانوي المنطلق باتجاه مراكز ثقل العدو وقدراته القتالية المنتشرة والمتموضعة أمامه، الأمر الذي نظن أن فيه تحمل لعبء فوق الطاقة ؛ فالقدرات المملوكة يجب أن يتم النظر لها على أنها ستنقسم إلى أقسام وتتوزع على أعمال، تجعل من طاقتها أقل مما يتصور إن ظُن أنها ستجتمع في جغرافيا واحدة وفي زمن واحد، فجزء من هذه القدرات سيدفع به باتجاه تحقيق أصل الهدف من عملية التحرير، وهي ضرب مراكز ثقل العدو وتدميرها، وجزء من هذه القدرات ستقوم بعمليات التثبيت وتأمين ما يتم تحريره وعليه ستجمد هذه القدرات في مكانها لتحقيق هدف المحافظة والتأمين، وجزء من هذه القدرات ستبقى كقوات تؤمن مؤخرة قوات التحرير وتحمي قواعد انطلاقها، وعليه لن تشارك في الجهد الرئيسي الدائر في مناطق المقدمات وخطوط التماس، وجزء من هذه القدرات ستشكل قوات احتياط استراتيجي في يد القيادة، تدفع به حيث تشاء ومتى تشاء، الأمر الذي يتطلب من الآن تحديد شكل وحجم ونوع وطريقة عمل كل من هذه القدرات، وتخصيصها بما يناسب مهمتها من إمكانات، وتعريف طرق وآليات التنسيق بينها وكيف ستدار ويسيطر على حركتها، وأمور تفصيلية أخرى يضيق المكان على سردها والحديث فيها، وإنما ذكرنا بعضاً منها لنقول: أن جهد التحرير ومساره ليس بتلك البساطة أو السهولة التي قد يتصورها البعض، الأمر الذي يتطلب أعمال ركنية وأخرى تعبوية تستهلك أوقات وجهود كبيرة جداً، ما لم تتم في وقت الراحة والطمأنينة ؛ فلن تتم وقت الشدة، وكما يقال في المثل ( العليق يوم الغارة ما بينفع )؛ لذلك وجب تعليق علائق خيلنا قبل أن ينادي المنادي يا خيل الله اركبي.
عاشراً: نظام الإشراف والمتابعة: إن كل ما قيل من أعمال إن لم يتم وضع نظام إشراف ومتابعة على بنائه ونموه وتحركه ؛ فلن يثمر ولن يؤتى أكله، والنظام الذي ندعو له هو نظام يراعي الأعمال التخصصية والأمور الإدارية في كل المجالات السياسية والعسكرية والمالية و الثقافية و...، فما هو أهم من انطلاق عملية التحرير وبناء مسار القوات العاملة في هذه الجهود هو: وضع آليات القيادة والسيطرة الآمنة السلسة التي تمكن قيادة العمل من السيطرة على مجرياته، كما تمكن الأفراد والوحدات التخصصية من الاطمئنان إلى أن هناك من ينظّم جهودهم مع جهود غيرهم ويضم إنجازاتهم إلى إنجازات رفاقهم، وأن هناك من سيؤمن لهم نواقص ما ينقصهم، فيسيرون مطمئنين غير وجلين مضحين غير متخاذلين إلى أن يقضي الله بينهم وبين عدوهم فيمكنهم من رقابهم ويجعل الدائرة لهم، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.
كان هذا ما اتسع له المقال في هذه السلسلة، مذكرين أن العناوين الكلية التي تم إيرادها والحديث عنها بشكل سريع لو وضعت بين أيدي متخصصة فإنها قادرة على تحويلها إلى برامج عمل وإجراءات تنفيذ، لا يمكن الحديث عنها على صفحات الجرائد أو مواقع التواصل الالكترونية.
عبد الله أمين
26 04 2021