ماذا لو؟
ترجم موقع الهدهد الالكتروني مقالاً نقلاً عن القناة 12 الإسرائيلية للكاتب كرميل ليبمان تحت عنوان " جيش الاحتلال يرسم سيناريوهات للمعركة المتوقعة في يوم ما مع قطاع غزة والتي ستبدو مختلفة تماماً " وما يستنتجه الكاتب من خلاصات عملياتيه من حواراته مع بضع ضباط مركز نيران القيادة الجنوبية، وعلى رأسهم قائد المركز المشار له بحرف ر وغيره من ضباط يعملون في هذا المركز وطبيعة عملهم وما يقدمونه من خدمات ويقومون به من أدوار قتالية تخدم التشكيل العسكري المتموضع في منطقة العمليات الجنوبية والتي على رأس أهدافها التعامل مع المخاطر المتوقعة من جبهة غزة. لذلك فالهدف من هذا المقال تحليل ما جاء في تلك المقالة لفهم فكرة مناورة العدو الإسرائيلي للتصدي لأعمال المقاومة الفلسطينية المتموضعة في غزة، بحيث نحدد هدف المناورة المعادية والمرتكزات التعبوية التي ترتكز عليها، ثم الحديث عن بعض الأفكار التعبوية التي تساعد في التصدي لهذه المناورة والتي تجيب على عنوان المقالة والذي قلنا فيه: ماذا لو؟ بمعنى ماذا لو تم تفعيل هذه الأفكار والإجراءات؟ هل ستقلل من مخاطر مناورة العدو؟ أو هل ستجبره على تغيير إجراءاته التعبوية؟
نبدأ بتحديد هدف مناورة العدو، حيث يمكن القول إن هدف مناورة العدو من خلال تشغيل القدرات القتالية في مركز النيران المشار له هو: ضرب مركز ثقل العدو ــ إقرأ المقاومة ــ وحرمانه من تشغيل قدراته القتالية التي بناها وراكمها على مدار السنين الفائتة ومن ثم خلق واقع ميداني تعبوي ضاغط على بيئة المقاومة ينتج عنه تقليل هامش مناورة المقاومة وقدرتها على الفعل الميداني في مناطق مسؤولياتها وعملياتها. هذا الهدف ومن خلال مطالعة ما جاء في المقالة يتصور العدو أنه قادر على الوصول له من خلال الإجراءات والتدابير الآتية:
- امتلاك بنك أهداف (دسم) مرتبط بأصول القدرات القتالية للمقاومة: إن أول الإجراءات التي يعتمد عليها نجاح مناورة العدو، هو امتلاكه بنك أهداف فعال ومؤثر في منظومة القتال والإسناد بشقيه الناري والإداري للمقاومة، حيث أن عدم توفر مثل هذا البنك يُخرج مناورة العدو عن أصل الهدف منها والقاضي بتشكيل رافعة ضغط تضغط على المقاومة وبيئتها بحيث تسلبهم إرادة القتال والصمود، تمهيداً لفرض إرادة العدو عليهم ودفعهم للتسليم بما يريد.
- ضربة سريعة بحيث تحرم المقاومة من قدرة تشغيل ما راكمته من قدرات قتالية: تشكل هذه الركيزة أصلاً مهماً من أصول مناورة العدو، ففي حال عدم قدرته على تسديد ضربة سريعة تُخرج قدرات المقاومة عن الخدمة أو تضيق هامش مناورة الجهات المشغلة لها بحيث لا يستطيعون تشغيل ما راكموا على مدار سنين من قدرات، فإن هذا يعني أن المقاومة قد تتلقى الضربة الأولى من العدو، لكن هذه الضربة لن تفقدها توازنها وستعمل على امتصاص أثرها، ثم تقوم بتسديد ضربتها الجوابية، الأمر الذي يعني تمدد زمن المعركة والذي يعد أحد أهم نقاط ضعف العدو، فهو وبيئته غير قادرين على تحمل أكلاف معركة تمتد لأيام، تفرض عليه وعلى مواطنيه حياة في ملاجئ وتعطيلاً للعجلة الاقتصادية، خاصة في ظل ما يشهده الكيان من جائحة كورونا وما تسببه من تعطيل وتضييق وضغوط نفسية.
- التركيز على مركز أو مراكز ثقل المقاومة: كما أن من الأصول التعبوية التي ترتكز عليها مناورة العدو ؛ أصل ضرب مركز أو مراكز ثقل المقاومة وما تملكه من أصول قتالية في شقيها البشري والمادي، إن تحديد مركز الثقل وتوجيه الجهد القتالي باتجاهه بحيث يسقطه أو يخرجه عن الخدمة وتأدية الدور المطلوب منه، يشكل هدفاً رئيسياً لأي ضابط عمليات ناجح، فضرب هذا المركز أو المراكز يعني القضاء على الأرض الصلبة التي تقف عليها القوات وتدار من خلالها المعارك، كما أن النجاح في عمليات الضرب هذه ؛ يوفر من الدماء والأوقات والعذابات ما يجعل القادة وعند توزيع الجهود وتخصيص القدرات يدفعون بأهم قدراتهم لضرب هذه النقاط، وغض الطرف ولو مؤقتاً عن كثير من الأمور في سبيل النجاح في هذه المهمة.
- ضرب منظومة قيادة وسيطرة المقاومة على النار والأفراد: حيث تعد هذه المنظومة والتي تعرف اختصاراً بــ C4I عقل القوات الذي يفكر ويدير، وقلبها النابض الذي يمدها بالدماء والحيوية، وضربها والنجاح في تدميرها أو إخراجها عن الخدمة يعني امتلاك جسد بلا عقل وعضلات بلا أعصاب ترسل وتستقبل الأوامر، إن القوات تصبح غداة ضرب منظومة قيادتها والسيطرة عليها، مشتتة غير موجهة الجهد، مبعثرة يغني كل منها على ليلاه ويعزف كل منها من نوتة لا تشبه ما يعزفه منها الآخرون، إن سقوط هذه المنظومة يعني أن الفعل التعبوي الميداني غير قابل للاستثمار والبناء عليه وتوجيهه بالاتجاه الصحيح.
- جهد عسكري (مؤتمت) بحيث يستطيع التعامل مع كم ضخم من المعلومات والمعطيات ؛ جمعاً وتحليلاً واستثماراً: فالعدو الآن يدير معاركه عبر الشاشات والمسيرات والردارات، ويستقبل كماً هائلاً من المعطيات والمعلومات من شتى المصادر البشرية والفنية ؛ الميدانية منها والركنية، لذلك فإنه يلجأ إلى الوسائل الفنية والقدرات (المؤتمتة ) للسيطرة على عمليات الجمع والتحليل والاستنتاج، ومن ثم تزويد المحتاجين كل حسب حاجته، إنه بهذه الوسيلة يحاول أن يتخلص من حالة التيه التي يسببها الحجم الكبير للمعطيات والمعلومات، وهو ينفق موازنات كبيرة جداً ويخصص موارد بشرية وفنية لتحقيق هذا الهدف ــ عدم الغرق ــ بحيث أضحى كثير من مجنديه وضباطه يرغبون في العمل مع الوحدات التي تؤمن هذه الخدمات من قبيل الوحدة 8200 أو الوحدة 9900، والتي تجند خيرة العقول والطاقات البشرية المستخدمة والمجندة في صفوف جيش العدو.
فإذا كانت هذه هي الركائز والمنطلقات التعبوية لمناورة العدو التي تهدف إلى تحقيق ما سلف من أهداف، فما هي طبيعة ونوع الإجراءات والتدابير التي يمكن أن تقوم بها المقاومة من أجل منع العدو من تحقيق أهدافه وكسر حلقة التفكير والفعل المنطقي له وحشره في مربع رد الفعل الآني وليس الفعل المدبر والمخطط له؟ إن بعض ما يمكن أن يساعد في ضرب فكرة مناورة العدو ومنعه من تحقيق أهدافه منها، يمكن أن يكون على النحو الآتي:
- نشر وتوزيع مراكز ثقل عمل المقاومة وأصولها الثابتة على أوسع نطاق جغرافي: إن أول ما يمكن تصوره من إجراءات لضرب مناورة العدو ومنعه من تحقيق أهدافه منها هو المحافظة على مراكز ثقل المقاومة وأصولها البشرية والمادية، عن طريق تأمين متطلبات السلامة والأمن لهذه المراكز وتلك الأصول.وحيث أن العدو يملك إشرافاً معلوماتياً لا يستهان به على ساحة المعركة، فإن حماية هذه الأصول والمراكز يعتمد في جهده الأصلي على عمليات الدفاع السلبي غير الظاهر للعيان، والذي من أهم إجراءاته توزيع مراكز الثقل ونشرها وتجزئتها بما لا يخل بأصل الهدف من وجودها، بحيث يتعذر على العدو إخراجها عن الخدمة بضربة أو إجراء واحد يسدده لها، كما يمكن حماية الأصول البشرية للمقاومة من خلال عدم حشدهم في مكان واحد، وتوفير متطلبات الاتصال والتواصل الآمن بين هذه الأصول البشرية بحيث لا تفقد فاعليهتا القتالية وكفاءتها الفنية والقيادية نتيجة للنشر والتوزيع.
- جهد استخباري ومعلوماتي استباقي بحيث تكون المقاومة سابقة للعدو بخطوة في هذا المجال: وهنا لا بد أن نذكر بان المعلومة قوة، وأن من يملكها يملك زمام المبادرة وحرية الحركة وفاعلية الإجراءات، وكلما كانت المقاومة قادرة على جمع وتحليل ودراسة المعلومات المعادية ومن ثم إيصالها للمستفيدين منها في كل المستويات والجغرافيات، وبشكل آمن وسريع، كانت ــ المقاومة ــ قادرة على فهم نوايا العدو وتقدير إجراءاته المستقبلية، الأمر الذي يعد من أهم مفاتيح النصر في معركتنا مع العدو.
- ضرب منظومة القيادة والسيطرة وإدارة النار المعادية: وهنا قد لا تستطيع المقاومة الحاق ضرر ذي مصداقية بهذه المنظومة، ولكن مجرد ضربها ومحاولة التشويش عليها واستهدافها، تجعل العدو يفرض على استخدامها من الإجراءات والضوابط والسياسيات ما يحد من كفاءتها ويبطئ من سرعة استجابتها لتحديات الموقف الميداني، وهذا في حد ذاته هدف، لو تم تحقيقه ففيه خير كبير وفائدة متحققه.
- الركون للعمليات التقليدية في القيادة والسيطرة وإدارة المناورات النارية والبشرية: فالعدو يملك زمام وناصية العالم (المؤتمت) فيما يخص القيادة والسيطرة، والركون إلى أدوات القيادة والسيطرة القائمة على التقنيات العالية، يعني اللعب في مربع العدو ووفقاً لشروطه، لذلك فإن الرجوع خطوة إلى الخلف في هذا العالم، لا يمكن إلا أن يكون في صالح المقاومة، وأمراً معيقاً للعدو، مع ما يمكن تصوره من صعوبات واعاقة وبطء في تنفيذ بعض الإجراءات والتدابير.
- توفر جهد عملياتي سيبراني في شقيه الدفاعي والهجومي: فكون العدو قد أدخل هذا البعد إلى ساحة العمل وحوله إلى جبهة من جبهات القتال ؛ كان لا بد للمقاومة أن تلج إلى هذا العالم، وأن تملك ناصية المعرفة والخبرة والتجربة فيه، وأن تراكم القدرات والخبرات والمعارف المرتبطة به، ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، ولكن دون أن تنسى أن هذا مربع فعل العدو الذي يتقن الحركة فيه واستثمار أدواته، وأنه الأجدى والأوفر له، والأكثر تسبباً في الضرر لنا إن تم استخدمه بشكل غير مناسب، لذلك نحن هنا نتحدث عن جهد سيبراني في شقيه الدفاعي والهجومي، ولا يجب أن تبقى حركة المقاومة خارج هذا المسار والمضمار متهيبة من الولوج له أو الاقتراب منه.
- تفعيل عمليات الدفاع السلبي في مختلف مناطق المسؤولية: إن أهم ما يمكن أن تقدمه المقاومة للعدو من خدمات ـــ دون أن تقصد ـــ هو أن تظهر له على شكل قدرات قتالية كلاسيكية معروفة الحجم متصورة الهيكليات مقدرة الفعل والإجراءات، ظاهرة الجسم معروفة المفاصل، الأمر الذي يعني أنه لا يمكن أن تدار هذه القوات أو تحمى خارج النطاق المتصور لأي قوات عسكرية كلاسيكية، الأمر الذي يريح العدو ويسهل عليه إجراءاته وتدابيره، لذلك فإن من أحد متطلبات تفعيل الدفاع السلبي أن لا تكون القوات ذات طابع كلاسيكي من حيث الحشد والتجميع والنشر والتوزيع والمناورة والتشغيل.
- الإغراق المعلوماتي للعدو: كما يمكن أن تشكل عمليات الإغراق المعلوماتي جزءاً مهماً من إبطاء عمليات استثمار ما لدى العدو من أصول بشرية وفنية تعمل في هذا المجال، فعملية الإغراق هذه تزيد من مستوى الضبابية والغموض وعدم الموثوقية فيما يجمع من معلومات عبر مختلف المصادر الفنية والبشرية، الأمر الذي يعود على المقاومة بفائدة متمثلة بتأخير تشغيل قدرات العدو التي يمكن أن تشارك في تحييد الأهداف البشرية والمادية.
كان هذا بعض ما يمكن تصوره واستنتاجه من المقالة المشار لها، على أن يكون ما ورد محفزاً ومشجعاً لأهل الاختصاص على المزيد من المتابعة والتحليل لما يصدر عن العدو من دراسات ومقالات تساعد في المزيد من فهمه وتصور عمله ومعرفة نواياه المستقبلية.
عبد الله أمين
03 05 2021