بقلم: عبد الله أمين
يتداعى هذا العنوان ــ الذئاب الفردية ــ كلما حصلت عملية في فلسطين المحتلة أو خارجها وكان القائم عليها شخص واحد غير مرتبط ــ في الظاهر ـــ بمجموعات عمل أمنت له الدعم بمختلف أوجهه من مال وسلاح ومأوى، مما جعل البعض يظن أن هذا النمط من العمل من أنجح الطرق في منطقة معادية يسيطر عليها العدو معلوماتياً و ( ينخرها ) بالعملاء والجواسيس، فالقائم على مثل هذه العمليات؛ يقوم بتأمين سلاحه بنفسه، ويرصد هدفه بذاته، ويؤمن طريق التقرب والخروج من منطقة العملية دون طلب المساعدة من أحد، كما أنه يحدد المكان والزمان والهدف الذي يريد أن يضربه دون الرجوع إلى أي طرف للمساعدة أو طلب العون، انطلاقاً من القاعدة الأمنية التي تقول: أنه كلما ضاقت الحلقة المعلوماتية واقتصرت على المنفذ؛ كانت فرص النجاح لمثل هذه الأعمال أكبر، ويساق للتدليل على نجاعة هذا النمط من الأعمال الكثير من الأدلة العقلية وكذا التجارب الناجحة، من تجربة إبراهيم بني عودة الذي استشهد في 23- 11- 2000، حيث قيل عنه أنه كان شديد الحذر يدير عمله دون أن يعرفه أحد عبر النقاط الميتة، وانتهاء بالأسير منتصر الشلبي الذي هاجم حاجز زعترة في 02- 05- 2021 واعتقل في 06- 05- 2021 أي بعد أربعة أيام من المطاردة والتخفي. إن مناقشة هذا الموضوع ــ الذئاب المنفردة ــ وجدوى العمل وفق هذا النمط؛ ساقت الكاتب للبحث حول حياة الذئاب وما هي صفاتها ولماذا يلجأ الذئب للانفصال عن قطيعه لينفرد بحياته الخاصة، وكيف يستطيع أن يحمي نفسه ويكوّن قطيعاً جديداً في بيئات قاسية وظروف مناخية قد تكون في بعض الأحيان قاتلة؟ إن الهدف من هذا المقال هو تلمس الصفات الذاتية والموضوعية التي تمكن الذئب من النجاة والعيش وتكوين قطيعه الخاص والسيطرة على بقعة جغرافية محددة يصول فيها ويجول إلى أن يقضي الله في حقه أمراً كان مفعولاً، وهذا التلمس لتلك الصفات؛ الهدف منه محاولة اسقاط هذه الصفات على من يريدون العمل في الضفة الغربية خصوصاً وفلسطين المحتلة عموماً، بحيث يمكن إيجاد ذئاب منفردة تصول وتجول في ربوع الوطن المحتل، تغير متى شاءت على الهدف الذي تشاء في الوقت الذي تراه مناسباً برأس بارد وبأس شديد، فتشرد بالعدو أيما تشريد. وفي عجالة سريعة وحتى ندخل في أصل عنوان المقال، دعونا نتحدث عن الذئاب وصفاتها، خارج النمط السائد وغير الصحيح عنها من أنها صاحبة غدر ومكر وخيانة !! فما هي من صفاتها ولا فطرت عليها، فالذئاب حيوانات من فصيلة ملوك السباع تعيش في تجمعات وقطعان تراعى فيها التراتبية والقيادة والانضباط، وهي لا تأكل الجيف مطلقاً، وإنما غذاؤها الطازج من الفرائس التي تصطادها بذاتها، ولا يحدث عندها زواج للمحارم كباقي الحيوانات، فلا يتزوج الذئب من أمه أو أخته، والذئب شديد الوفاء لزوجته، فهو يتزوج من ذئبة واحدة مدى الحياة، كما يلقب الذئب بالابن البار حيث يبقي والديه في وكرهما عند كبرهما فيصطاد لهما ويطعمهما دون تجشمهما عناء الصيد والمطاردة، كما تتمع الذئاب ببصر حاد وسمع قوي وحاسة شم تفوق حاسة شم الإنسان بألف مرة، وهو صبور على الجوع، يتخير فريسته بعناية، فلا ينقض على النطيحة والمتردية، يتبع قطعان المواشي والغزلان ليلاً نهاراً، وهو صاحب إغارة، يغير على ما يختار في ليل أو نهار، عزيز النفس شديد الصبر كثير التفاؤل لا يرجع من الطريق التي جاء منها، لا يمارس الانتحار فهو يتخلى عن فريسته إن كانت أقوى منه أو أسرع ــ الجدوى والأكلاف ــ، لا ينفصل عن قطيعه إلا إذا كان لديه خطة ورؤية من أجل بناء قطيعه الخاص، فينفصل لا للعدم وإنما للتكاثر وبناء سلالة جديدة تسيطر على جغرافيا جديدة، وهنا مربط الفرس وفكرة هذه المقالة؛ الانفصال عن القطيع، فلا يمكن أن ينفصل الذئب عن قطيعه لينفرد في جغرافيته الخاصة ما لم يكن متحلٍ بصفات تمكنه من النجاة في بيئة جديدة غريبة شديدة القساوة، قد تقضي عليه مالم يكن ذا معارف وعلوم بفنون العيش في الظروف الصعبة وتجارب تمكنه من تفعيل واستثمار هذه المعارف، فلا تبقى نظريات لا تسمن ولا تغني من جوع، كما أنه أهم عامل من العوامل التي تدفع الذئب للانفصال عن قطيعه هو: قوة الشخصية والثقة بالذات والنفس والعلوم والتجارب والشجاعة التي اكتسبها من قطيعه وممن تربى معهم وكبر بينهم، ولأن النظام الداخلي ( للقطيع ) لا يسمح بالتمرد ولا التجاوز ولا يتساهل مع من يقدم على مثل هذا العمل، وحيث أنه بار بوالديه عارفاً بجميل ( قطيعه ) عليه، ولا يريد أن يقتل طاقته ولا أن يبقى حبيس جدران المكان، فإنه ينفصل بإحسان، بحثاً عن مكان يبدأ فيه من جديد حياة تكون سبباً في حياة لغيره بعد أن يجد شريكة لدربه ورفيقة مخلصة يسير معها وتسير معه في هذه الطبيعة المتوحشة والتضاريس القاسية، فلا يقع فريسة لغيره من الضواري بعد برهة قصيرة من انفصاله وتفرده، فيتمكن من أن يحيا أطول مدة زمنية ممكنة في هذه الغابات الوحشية.
وبعد هذه المقدمة والاستطراد الذي كان لابد منه للتعرف على الذئاب وبيئتها، لنتلمس صفاتها التي يجب أن يتصف بها من يريد أن يقلد مشيها ويتفرد انفرادها، فلا يُلقى المصطلح على عواهنه، ولا يحمل الأفراد فوق طاقتهم، بل تؤمن لهم أفضل الشروط الذاتية والموضوعية، ثم يطلقوا ذئاباً تجوس خلال الديار، معمرين أطول الأعمار ومتبِّرين عدوهم أيما تبار.
ومن خلال ما تقدم من صفات للذئب المنفرد والبيئة التي خرج منها، يمكن أن نقول أن هذا المخلوق حتى ينجو ويثخن في عدوه لابد من أن يتصف هو والبيئة التي خرج منها بمجموعة من الصفات، منها على سيبل المثال لا حصر:
الذئب المنفرد؛ ليس مخلوقاً نزل من السماء منبتّاً لا أصل له، وليس هابطاً بمظلة على بيئة لا يعرفها ولا تعرفه، إنه مخلوقٌ أوجد عن سابق إصرار وترصد، أخرجته بيئةٌ سليمةٌ بنت فيه قوة الشخصية والأنفة والحمية، وزودته بما يحتاجه من معارف وعلوم وتجارب وخبرات، سهرت وتعبت عليه قبل أن يقرر أن ينفصل أو أن تقرر هي ــ بيئته ــ أن تفصله عنها، عرف ثقل المسؤولية التي ستلقى على عاتقه فغذى جسمه وعقله بكل ما هو مفيد، وزُود بما يلزم من أدوات وقدرات تمكنه من السيطرة والإشراف على مكان غاراته وكمائنه، ثم قيل له هذه هي الأهداف العامة التي نريد، وتلك هي بيئة العمل التي ستتحرك فيها، وهذه هي نقاط المثابة التي سترجع لها عند الحاجة، فامض ولا تجزع وتوكل ولا تتواكل، وربّ كما رُبيت ولا تبيت إلّا وأنت لعدوك مميت.
هذا ما جاد علينا به أبو سرحان (لقب الذئب) في هذا المكان، مما يمكن أن يُستقرأ ويستنتج من صفاته وسجاياه التي نما عليها وترعرع في بيئتها، قاصدين من أصل المقال أن نغير ما استقر في الذهن من أن الذئب المنفرد مخلوق منبتّ، غير متصل بماضٍ مكّنه من التأثير في الحاضر.
عبد الله أمين
11 05 2021