العبوات الثلاث !!

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

العبوات الثلاث !!

نعم ؛ إنها عبوات ثلاث انفجرت أو كادت أن تنفجر في وجه هذا العدو الغاشم، ففي الوقت الذي حاول فيه هذا العدو أن (يعطب) أو يعطل عبوة غزة النشطة، فإذا به يسلح العبوة الأكثر خطورة عليه وعلى وجوده الزائل والتي يمثل مادتها المتفجرة أبناء شعبنا في مناطق فلسطين المحتلة عام الثمانية وأربعين، والذين تعد مادتهم المتفجرة أكثر خطورة وأشد فتكاً من باقي مواد العبوات الأخرى، فعبوة غزة مهما بلغ حجمها وزادت قوتها التفجيرية ؛ تبقى بعيدة نسبياً عنه، وهو في مأمن من خطرها مالم يقم ( بالعبث) بها أو تحريض ما يمكن أن يعمل على تفعيلها أو تشغيلها وتفجيرها بأثر العدوى،كما شاهدنا مؤخراً في الاستفزازات التي مورست في حق أبناء القدس، مما فجر عبوة غزة بأثر العدوى، وهي التي كانت هادئة منذ ست سنين ؛ تراكم قدرة إلى قدرتها ودقة إلى دقتها، أما عبوة الضفة الغربية فهي عبوة ( خاملة ) تكتنز في أحشائها طاقة كامنة بحاجة إلى محرض يفعلها وبيئة عمل مناسبة يبرز فيها ما كمن من طاقتها وخفي من قدرتها. نعم إنها عبوات ثلاثة لا يمكن لأي ضابط هندسة أن يتعامل معها مجتمعة، ولكي ( يعطب ) أي منها ؛ عليه أن يأمن عدم عمل أو تأثر الآخرين، لذلك وجب على مالكي هذه العبوات أن يجهدوا من أجل أن تُفعّل هذه العبوات وتُشغّل في وقت واحد وضمن برنامج عمل محدد، معروف الزمان محدد الأهداف، وعندها سيزيد الأثر التدميري للضعيف منها، ويزداد الشعاع التفجيري لكل منها جراء تأثير كل منها على الآخر. وهنا لا بد لنا من أن نشير إلى أن أي عبوة متفجرة من هذه العبوات، حتى تصيب العدو في مقتل وتترك فيه ندوباً جسيمة وآثاراً نفسيةً ؛ لا بد لها أن تتميز بالسمات الآتية: 

  1. القدرة التدميرية العالية: ومن أجل زيادة هذه القدرة التدميرية لهذه العبوات لابد لها من أن ( تُشحن ) بالمواد ذات القدرة التدميرية العالية، وذات النقاء العالي،قليلة الشوائب إلى الحد الأقل الممكن. نحن بحاجة إلى أن نأخذ من قدرة عبوة غزة النشطة ذات المواد النقية المجربة مثبتة الفاعلية من أجل تطعيم كلتا العبوتين الأخريين ــ عبوة الضفة وعبوة 48ــ، كما يجب أن لا ننسى أن مواد عبوة غزة ما نقيت ولا قويت ولا زادت طاقتها إلا عندما تعهدها ذوو خبرة وعلوم ومعارف وتجارب، عملوا في مختبرات خارجية، وبنوا بيئة آمنة مستقرة من أجل تطوير مواد هذه العبوة وتجربة فعاليتها وقدرتها، قبل أن ترسل إلى بيئة عملها الحقيقية مكتنزة الخبرات عالية المواصفات، ففاضت من خيرها على خيرها، فالتقى الماء على أمر قد قدر، فاصبحت عبوة غزة ذات أثر تدميري يعجب الزراع ويغيظ الكافرين. 
  2. دقة الإصابة وسلامة التوجيه للموجة المتفجرة: ولا يكفي أن تكون مواد العبوة نقية وصافية وعالية الطاقة حتى تكون ذات أثر عالٍ وقدرة تدميرية كبيرة، وإنما لا بد لهذه المواد من أن توضع في قوالب وأجسام وحوافظ، تحفظها من أن تفسد أو يلحقها تلف من أثر العوامل البيئية الصعبة التي ستزرع فيها، كما أن هذه المواد بدون تلك الحوافظ والقوالب التي توحد جهدها وتزيد من تماسكها وتلاصقها الذي ينعكس على فاعليتها ؛ بدون تلك القوالب ستنفجر في فضاء مفتوح غير محصور، فتتبدد طاقتها في كل اتجاه ويقل أثرها إلى أدنى الحدود، فلا تسمع إلا صوتاً عالياً يصم الآذان، ولكن في الواقع والميدان، لا أثر على العدو يذكر، ولا صخرة صماء معادية تكسر. لذلك يعد حصر المادة المتفجرة وتشكيلها وتجانسها من أهم العوامل التي تساعد على زيادة قدرتها التدميرية، وعليه يجب العمل على حصر وتشكيل المادة المتفجرة في الضفة الغربية وفلسطين المحتلة عام 1948 لتؤتي أكلها وتنفذ مهمتها على أفضل وأتم وجه. 
  3. زيادة القطر والشعاع التدميري لها: كما أن من أهم الآثار الناتجة عن عملية القولبة والحصر والتشكيل للمواد المتفجرة في العبوة ؛ ما يظهر على صور زيادة القطر والشعاع التدميري لها، فإن كانت العبوة المزروعة في فضاء مفتوح دون تشكيل أو حصر قادرة على أن تحدث أثراً تدميرياً وصوتاً تنخلع منه القلوب ؛ إلا أنها إن حصرت وأعطيت الشكل المناسب فإن طاقتها ستزداد وعمرها سيطول وشعاع تدميرها سيتطاول فيبلغ مسافات ومديات ما كان ليصل لها لو بقي بدون حصر أو تشكيل أوقولبة. 

إن كاتب هذه السطور يعتقد جازماً أن فلسطين المحتلة بجغرافيتها الثلاثة الحالية ــ غزة والضفة الغربية ومناطق الثمانية وأربعين ــ لو تم التعامل معها على أنها عبارة عن عبوات تفجيرية مهمتها الرئيسية أن تنفجر في وجه المحتل دفعة واحدة بعد أن يعاد ترميمها وتوصيفها الوظيفي ضمن مسار التحرير الكلي والنهائي ؛ فإنها ستفعل فعلها المؤثر في العدو وستجبي منه أثماناً ليس بقادر على دفعها، وأنها ــ العبوات ــ ستولد آثاراً تدميرية لا يقدر المحتل على تحمل تبعاتها، ولن تكون فلسطين بحاجة إلى جهود خارجية كبيرة للمشاركة في العمليات التعبوية للتحرير وكنس المحتل من أراضينا. لذلك ومن أجل تفعيل هذه العبوات وبشكل متزامن وعلى هدف واحد ضمن استراتيجية عمل واضحة لا بد من القيام بالآتي: 

  1. تعريف قدرات كل عبوة من العبوات: هذه العبوات الثلاثة  يمتاز كل منها بما لا يمتاز الآخر به، ولبعضها من نقاط القوة ما ليس للآخر، كما فيها ولها من نقاط الضعف ما يمكن أن يشكل مقتلاً لو لم يسند بنقاط قوة العبوات الأخرى، لذلك فإن العقد والمنطق يقتضي أن يتم البحث في نقاط قوة وضعف كل عبوة من هذه العبوات، وتحديد الفرص والتهديدات لكل منها كذلك ـــ إقرأ كل ساحة من هذه الساحات ــ ليبنى على الشيء مقتضاه، ولا تحمل الناس فوق طاقتها فتفقد فرصتها.   
  2. تحديد شكل كل عبوة من تلك العبوات: كما يجب أن يتم تحدي الشكل والقالب الذي ستتقولب فيه كل من تلك العبوات، ضمن مشروع واحد يعمل على تحقيق هدف واحد، تحت منظومة قيادة وسيطرة واحدة، لضمان أفضل حصر وأفضل شكل قادر على توجيه العصف الانفجاري والموجة المتفجرة بالاتجاه المطلوب دون أن تفقد كثيراً من طاقتها، فتصل إلى مبتغاها وتحقق غايتها بأقل الأكلاف و أقصر الأزمنة. 
  3. تحديد نوع ومكان و زمان الهدف الذي ستنفجر فيه كل عبوة من العبوات: كما أنه يجب أن تحدد لكل عبوة من هذه العبوات الأهداف الجزئية المشتقة من الهدف الكلي الرئيسي، والذي يصب تحقيقها وإنجازها في صالح مسار إنجاز الهدف الكلي، على أن تجدول أزمنة التشغيل والتفجير بما يخدم أصل الهدف من التحرك التعبوي، فلا تنفجر واحدة في غفلة من الأخرى أو من غير تنسيق معها، فتتبدد الجهود وتضيع الطاقة، وتوفر للهدف المعادي فرصة امتصاص موجات التفجير الفردية، فيخرج ــ العدو ــ بأقل الخسائر البشرية والمادية. 
  4. تأمين ما يلزم من مواد ومتطلبات تساعد في زيادة فاعلية هذه العبوات وتجانسها: فهذه العبوات يراد لها أن تعمل على هدف واحد، وما لم تنتظم في جسم واحد ضمن قالب واحد بواسطة مواد اللصق والدمج المناسبة والفاعلة، فإنها وإن بدت متقولبة في قالب واحد وضمن جدار توجيه واحد ؛ إلا أنها في الصميم ؛ غير متجانسة وغير متلاصقة الذرات، مما يبدد ما تكتنزه من طاقات. 
  5. تأمين بيئات آمنة لإقامة مختبرات لتطوير مواد هذه العبوات بشكل آمن ومستقر: كما أن هذه العبوات بحاجة إلى بيئة آمنة، يقيم عليها من سيشغلها مختبرات التطوير والتحسين، لتتطور قدرة هذه العبوات وتزيد فاعليتها، وتؤمن لمن سيشغلها بيئة آمنة يستطيع أن يفعلها ويوجهها بالاتجاه الصحيح دون أن يكون المشغل أو المطور واقعاً تحت ضغط البيئة الأمنية التي تجعله مشوش التفكير غير واضح الرؤية، فتعتسف القرارات اعتسافاً وترتجل الإجراءات ارتجالاً، فتضيع الجهود وتبدد الطاقات دون جني الفوائد والثمرات. 

كانت هذه مجموعة أفكار واجتهادات، من وحي ما شاهدناه من فعل هذه العبوات، التي ثارت في وجه هذا العدو الغاصب على غير ترتيب منها ولا تنسيق، فأطارت صواب العدو وشوشت قدراته وشتّتها، فما بالنا إن نسقنا ورتبنا ووجهنا ما تكتنزه هذه العبوات من قدرات وطاقات باتجاه مركز ثقل العدو، بناء على المشترك من الرؤى والخطط والإجراءات ؟ لا جرم أن العدو في مثل هذا الموقف لن يقدر على التعامل مع هذه العبوات وما تكتنز من طاقات. 

عبد الله أمين 

18 05 2021





جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023