الرعب أصدق أنباء من الردع !!
تحدثنا في سلسلة مقالات سابقة معنونة بــــ " بين الردع والرعب... جدلية المصطلحات والمفاهيم " حول الردع وأهميته ومتطلبات إقراره بين الدول أو الكيانات السياسية، وكذا عن الرعب وما يحتاجه من متطلبات تعبوية وإدارية. وقلنا في حينه أن الردع إنما تنشده الدول المستقلة المستقرة، أو الحركات والكيانات السياسية التي ليس من أهدفها مقارعة عدو محتل، أو غاصبٌ غصبَ حقاً وتمسك به، وفي تلك السلسلة خلصنا إلى نتيجة تبناها الكاتب وينظّر لها تقول : أن ما يصلح للدول والوحدات السياسية كاملة السيادة، لا يصلح لحركات المقاومة والكيانات السياسية التي تقارع محتلاً غاصباً لأرض ومقدرات، وأنه إن كانت الأولى يسعها أن تتبنى معادلة ردع بينها وبين خصومها أو أعدائها، فإن الثانية ــ حركات المقاومة في طور التحرير ــ لا يصلح لها مثل هذه المعادلة، وإنما يجب عليها أن تقيم بينها وبين عدوها معادلة رعب لا تكبل يديها عن العمل ولا تضيق عليها هامش مناورتها أمام عدوها، وقلنا أن الدافع لذلك إنما هو ما تقتضيه كلا المعادلتين وما تفرضهما من سياسات وضوابط وإجراءات. فالردع عبارة عن حالة نفسيه قائمة على حسابات مادية وسياسية تفضي بصاحبها إلى قناعة كاملة بأن ما سيجنيه من مكاسب جراء تفعيل قدراته لتحصيل هدف أو الدفاع عن مصلحة، أقل بكثير مما سيجره على نفسه وبلده من ويلات، لذلك يركن إلى الهدوء و ( التهويش ) والتهديد باستخدام القوة إن اعتدي على مصالحه أو هددت ممتلكاته. إن معادلة الردع قائمة على مبدأ " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها " إنها تقول " سلام يا جاري أنت في دارك وأنا في داري "، بل أكثر من ذلك، فقد يعمد خصمك إلى دفعك باتجاه سلوك سياسات تنموية داخلية وخارجية تفضي بك إلى تبني مثل هذه المعادلة، عندما يجعلك تمتلك من المقدرات والتسهيلات والبنى التحتية ما تخشى على فقدانه أو التضحية به. أما الرعب فإنها معادلة قائمة على قاعدة " إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون " إنها تقول للمعتدي : "إن احتليت داري فسأحرقك بناري " ، إنها معادلة يتبناها كيان سياسي أو حركة تحرر ما زالت في طور التحرير ولم تصل بعد إلى غاياتها النهائية في تحرير أرضها وعتق ناسها من نير الاحتلال والمحتل، إنها معادلة يتبناها من يخوض معادلة صفرية مع عدوه وخصمه، إنها لا تكبل يد ولا تضيق هامشاً لمناورة، إنها معادلة يقول صاحبها : نعم قد أُضرب وأتألم، ولكن سأضرب وأولِم. إن معادلة الردع معادلة للتسكين والركون والدخول في متاهات السياسة التي لا تعيد أرضاً ولا تحمي عرضاً، فالحق الضائع بحاجة إلى مقارعة ومجاهدة دائمة ليعود إلى صاحبه، أما معادلة الرعب، فإنها معادلة نشطة تترك صاحبها طليق اليد حاضر الذهن والجاهزية مشغلاً حواسه كلها أن يؤتى على حين غرة أو أن يفاجأ من حيث لا يحتسب، إنها معادلة من يرى أن مهمته إبقاء خصمه وعدوه في حالة من الاستنفار المتعب المرهق المستنزف للطاقات والمقدرات، تحيناً لضربه في مقتل. ومن وحي ما نحن فيه هذه الأيام من معركة " سيف القدس " التي وضعت أوزارها بلأمس بعد أن منعت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة عدوها من أن يحقق أهدافه، شادة أزرها بأهلها وناسها في القطاع والضفة الغربية ومناطق الثمانية وأربعين، وكذا كل أحرار هذه الأمة والعالم، من طنجة إلى جاكرتا، ومن كندا حتى استراليا،، هل كان يتوقع أن يحصل ما حصل وأن يُنجز ما أُنجز لو أن المعادلة التي كانت تحكم العلاقة بين العدو والمقاومة هي علاقة ردع ؟ أليست القدرات الردعية إن استخدمت فهذا يعني أنها ما ردعت ؟ ولو ردعت ما استخدمت أصلاً !! نحن نزعم أن ما يجب أن يحكم العلاقة بين قوى المقاومة في غزة خصوصاً، والمنطقة عموماً وأعدئها إنما يجب أن يكون معادلة رعب لا ردع، إلى أن يتم تحقيق الأهداف وإنجاز المهمات والوصول إلى الغايات، من تحرير الأرض والمقدسات.
ومن هنا وتأسيساً على ما تقدم، ما الذي يجعل الدول المستقلة المستقرة أو حركات المقاومة التحررية تركن إلى معادلة ردع ؟ إن صلحت للأولى فإنها ليست بالضرورة نافعة للثانية، نعتقد أن الركون إلى هذه المعادلة إنما هو نتاج العوامل والأسباب الآتية :
نختم بما خلصنا له في سلسلة مقالات الردع التي جئنا على ذكرها في بداية هذه المقالة، لنعيد التأكيد على أن ما يصلح لحركات المقاومة التي ما زالت في طور التحرير ولم تصل بعد إلى غاياتها النهائية، إنما هي معادلة الرعب التي إن تألمت بسببها طوراً، فإنها ستؤلم عدوها أطوراً، وإن خسرت بسببها عرضاً زائلاً، فإنها ستكسب هدفاً أصيلاً، يمثل أصلاً من أصول الحرب والقتال ألا وهو المرونة التي لا تكبل يداً ولا تضيق هامشاً." والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون " " وإن كنتم تألمون فأنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون "و" سيف القدس " شاهد على ما في عنوان المقال مكنون ، ثم ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : "نصرت بالرعب مسيرة شهر " ؟
عبد الله أمين
22 05 2021