" سيف القدس "
العوائق الموضوعية أمام العملية البرية
كثر الحديث أثناء معركة "سيف القدس" عن العملية البرية وإمكانية أن يقوم العدو بتطوير هجومه الجوي والمدفعي ليصبح عملية برية تتوغل غرباً باتجاه غزة ومدنها وحواضرها السكانية بهدف تحقيق مجموعة أهداف عسكرية مرتبطة بتأمين مغتصبات غلاف غزة، حتى أنه وقبل قيام العدو بالضربة الجوية التي زعم أنه دمر فيها أنفاق المقاومة أو جزء كبير منها كما يدعي، وهي العملية التي أطلق عليها " السماء الزرقاء "، قام ــ العدو ــ بعملية تضليل إعلامي صاحبتها حركة تعبوية على الأرض، الهدف منها خداع المقاومين بحيث تنطلي عليهم خدعة العملية البرية، فيندفعون باتجاه الأنفاق والمواقع المعدة سلفاً، والتي منها جزء لا يستهان به تحت الأض ؛ فيقوم العدو بضرب هذه المواقع ونقاط التجمع بالقنابل من عائلة الــ GBU المعدة لاختراق التحصينات الأرضية، فيوقع في المجاهدين والمقاومين مقتلة تقصم ظهرهم وتدفعهم إلى طلب وقف النار، الأمر الذي لم يتم . كما أن العدو وفي كل معاركه مع غزة من 2008 وحتى 2014 لم يقم بعملية برية تشكل تهديداً ذا مصداقية على المقاومة أو على أصولها المادية والبشرية، وفي نفس الوقت صرح قادته العسكريون قبل معركة " سيف القدس " الأخيرة وأثناءها، أن إلحاق خسائر ذات مصداقية بالمقاومة في غزة لا يمكن أن يكون ما لم تكن هناك عملية برية، وهو أمر ركز عليه رئيس هيئة أركان جيش العدو الجنرال كوخافي في معظم لقاءاته مع قادته الميدانيين، كما أن معظم المناورات والمشاريع العملية التي قام بها العدو منذ تسلم كوخافي مهام منصبه قبل ثلاث سنوات ؛ كانت تركز على المناورة البرية كأسلوب عمل رئيسي في الحاق ضرر ذي مصداقية بالمقاومة وأصولها البشرية والمادية، كما أن مفهوم " تشابك الأذرع " وفكرة المناورة في سلسلة مناورات " نقطة التحول " التي تمت بعد حرب تموز عام 2006 ،كلها قائمة على مفهوم أن الجهد الرئيسي في أي عمل ضد المقاومة في فلسطين أو لبنان يجب أن يكون جهداً برياً قائماً على مناورة برية تسندها باقي صنوف القوات المسلحة، الأمر الذي لم يتم بشكل فعلي في جميع معارك العدو منذ 2006 وحتى معركة " سيف القدس " إذا استثنينا عملية التوغل البري التي قام بها العدو في حرب الفرقان والتي كانت استعراضية أكثر منها تعبوية ولم تحقق الهدف المنشود منها. إن هذه المقالة تناقش حالة التمنع والممانعة لدى المستوى القيادي في الكيان بشقيه العسكري والسياسي من القيام بعملية برية، يوصي بها عسكر العدو على استحياء، مرفقين توصياتهم بلازمة دائمة وهي : أن العملية البرية لن تحقق الهدف المطلوب من المعركة كما أنها ستكون مصحوبة بخسائر بشرية غير متوقعة، فيلقون ــ القادة العسكريون ــ كرة النار هذه في حجر المستوى السياسي ويتركون له حرية اتخاذ القرار، الأمر الذي لم يتم في المعارك السابقة . كما أن هذه المقالة قائمة على فرضية أن المناورة البرية لن تحقق أهداف العملية العسكرية المعادية، والتي على رأسها تأمين مغتصبات غلاف غزة ومنع إطلاق الصواريخ على العمق الفلسطيني المحتل، لأسباب موضوعية نأتي على ذكرها في ثنايا هذه المقالة . إلا أننا ومن أجل فهم سياقات الموضوع وبنائه بناءً منهجياً علمياً، سنعرج وبشكل سريع على بعض الأصول العسكرية التي تساعد على تصور الموضوع وفهم كنهه، ومن هذه الأمور المهمة والحاكمة في عملية الفهم ؛ تحديد الأهداف العسكرية من أي مهمة قتالية تقوم بها القوات المسلحة، بغض النظر عن الصنف أو التركيب والاستعداد، والتي هي :
- الاحتلال : يشكل الاحتلال أحد الأهداف التي تعمل القوات المسلحة بمختلف صنوفها وتشكيلاتها على تحقيقه من تشغيل قدراتها وما تحت إمرتها من عديد وعتاد، والاحتلال كمفهوم عسكري يعني : دخول الجنود وحضورهم الفيزيائي في منطقة الهدف، أو ما يعرف اصطلاحاً " الأقدام على الأرض " فلا يمكن أن يتحقق الاحتلال بعمليات جوية أو مدفعية، ما لم يكن هناك جنود مشاة قد دخلوا حيز الهدف الجغرافي ومارسوا سلطاتهم عليه .
- التأمين : يتحقق التأمين عندما تقوم القوات المدافعة باخراج مناطق سيطرتها أو الجغرافيا التي تدافع عنها خارج نطاق النيران المؤثرة للعدو، لذلك عندما يُطلب من قطعة عسكرية مقاتلة أن تؤمن هدفاً ما ؛ فإنها تقوم بإبعاد وسائط النار المعادية إلى مسافات تصبح معها رمياتها غير مؤثرة وغير ذات جدوى ؛ هذا في البعد البري ؛ أما في بعد التأمين الجوي ؛ فيتم نشر وسائط الدفاع الجوي الثابتة والمتحركة بطرق تحرم سلاح الجو المعادي من حرية المناورة والوصول إلى سماء منطقة العمليات أو المسؤولية .
- السيطرة : أما فيما يخص السيطرة ؛ فإن الجهة التي تُكلَف بمهمة السيطرة على هدف ما، تقوم بالتقدم ونشر قوتها ووسائطها النارية، بحيث تملك إمكانية إجراء العمليات النارية المؤثرة والمجدية وبمختلف الأعيرة على الهدف المعادي محل العمل والمراد السيطرة عليه، بحيث تحرم العدو من حرية الحركة والمناورة في المنطقة المسيطر عليها، إلى حين تغير المهمة من السيطرة إلى مهمة أخرى .
- التعزيز : أما المهمة الأخيرة المناطة بالقطعات العسكرية في مناطق العمليات أو مناطق المسؤولية، فهي عمليات التعزيز أو ما يعرف بالدعم القتالي، الناري أو الإداري، بحيث تَهُب بعض القطاعات غير المشتبكة مع العدو لنجدة تشكيل أو قطعة عسكرية مشتبكة وبحاجة إلى قوات إضافية من أجل التغلب على العدو الذي يواجهها وتنفيذ المهمة المطلوبة منها .
ومن هنا وبناء على هذا التأصيل العسكري، لا بد من الإشارة إلى أن جميع المذاهب العسكرية متفقة على أن الحسم في المعارك وإنجاز المهام وغرس الأعلام ؛ لابد له من جنود مشاة على الأرض تقوم به، وأن باقي صنوف واختصاصات القوات المسلحة من جوية وبحرية وهندسة ونقل وطبابة وما شاكلها ؛ إنما هي صنوف تقوم بعمليات دعم وإسناد أو عمليات التعبئة والتحضير لعمليات تقوم بها قوات المشاة، فسلاح الجو والبحر والمدفعية عندما يشنون غاراتهم على الأهداف الأرضية ؛ إنما يقومون بذلك من أجل التمهيد لسلاح المشاة للتقدم من خلال تدمير قواعد نار العدو ومنشآتة القتالية والإدارية وتليين الصلب منها، وفي النهاية يقوم المشاة بحسم المعارك، فالقوات المجوقلة ( المنقولة جواً ) تستعين بالوسائط الجوية المختلفة من أجل الوصول إلى مناطق عملياتها، وكذا المنقولة بحراً ( عمليات الإبرار ) إنما تتم لجنود المشاة الذين سيحسمون المعارك انطلاقاً من السواحل، حتى أن المشاة الآلية، إنما هي صنف من صنوف القتال التي تستخدم الآليات لنقل المشاة، لذلك فإن المشاة هم عصب القوات الرئيسية التي تحسم المعارك وهي التي تناور براً في المراحل الأخيرة للعمليات القتالية، وما لم تمتلك القوات المسلحة سلاح مشاة فاعلاً وكفوءاً وذا جاهزية ؛ فإنها لن تحسم معركة ولن تغرس علماً . ومن هنا،وهنا نقطة ضعف العدو الإسرائيلي في جميع معاركه التي خاضها منذ 2006 وحتى 2021.
نصل إلى أصل المسألة محل البحث، من أن هناك عقبات ومشاكل تحول دون العدو وقيامه بمناورة برية تنتج تهديداً ذا مصداقية على المقاومة وقواتها في غزة، ولكن قبل أن نتحدث في هذه المشاكل وتلك العقبات، لابد من تحديد الأهداف التي يرجوها قادة الكيان العسكريون والمدنيون من مثل هذه المناورة، حتى نناقش قدرتهم على تحقيق هذه الأهداف من خلال هذه المناورة، أو على الأقل لنفهم لماذا يقول هؤلاء القادة أن المناورة البرية حتى في حال أخذ قرارها، لن تكون هي الدواء الناجع للتهديد الذي يواجهونه هم وكيانهم، لذلك فإن ذكر أهداف المناورة البرية مفيد في فهم الموقف وملابساته، والأهداف وبشكل سريع هي على النحو الآتي :
- تأمين مغتصبات الغلاف : إن أول ما يرومه العدو من المناورة البرية هو تأمين مغتصبات الغلاف وإبعاد نار المقاومة الفاعلة والمؤثرة ـ إخراج المغتصبات خارج المدى القاتل أو المؤثر لوسائط المقاومة النارية ـــ عنها وعن سكانها، لذلك فمن أجل تأمين هذا الهدف لابد من أن تندفع القوات المعادية غرباً باتجاه القطاع، فتسيطر على المناطق الحاكمة فيه، من مرتفعات وبقع جغرافية تحفظ له حالة التفوق الناري على المقاومة، وتحد من قدرة وكفاءة مناورة المقاومة النارية .
- السيطرة على جغرافيا القطاع من أجل منع المقاومة من استهداف العمق الفلسطيني المحتل : كما أن هدف السيطرة على جغرافيا القطاع يعد هدفاً مهماً من أهداف المناورة المعادية، وغاياتها احتلال المناطق الجغرافية الحاكمة في طول القطاع وعرضه وتحويلها إلى قواعد نار مباشرة وقوسية،تشتبك من خلالها مع مجاميع المقاومة العاملة في القطاع والتي يقع على عاتقها تشغيل نار الصواريخ ومضادات الدروع وغيرها من صنوف النار .
- احتلال القطاع : وهذا هدف متصور، وإن كان غير مرجح لكثير من الأسباب الذاتية والموضوعية، أما الذاتية فأهمها عدم وجود قرار سياسي اسرائيلي يقضي باحتلال القطاع، والموضوعية عدم رغبة الكيان بتحمل مسؤولية سكان القطاع الذين يتجاوز عددهم 1.7 مليون نسمة .
يعتقد العدو أنه من أجل تحقيق الهدفين الأول والثاني، فإنه يكفي أن يقوم بمجموعة إجراءات تفضي إلى ضرب البنية التحتية القتالية والأصول البشرية والمادية لفصائل المقاومة في غزة، الأمر الذي سينتج عنه تقليص عمليات اطلاق الصواريخ والمقذوفات القوسية والمباشرة باتجاه مغتصبات الغلاف، كما يتعزز هذا الهدف من خلال ضرب شبكات الأنفاق الإستراتيجية والتعبوية والتكتيكية للمقاومة، وكذلك الأنفاق التي تشكل عقد ومراكز قيادة وسيطرة C2 للمقاومة .
لكنه وبناء على ما تقدم من أصول تعبوية تخص المهام العسكرية المشار لها أعلاه؛ فإنه من أجل تأمين مغتصبات غلاف غزة ومنع قوات المقاومة من أن تطلق صليات صواريخها على العمق الفلسطيني المحتل ليس أمام العدو سوى خيار المناورة البرية التي تتطلب الاندفاع بقوات برية على محاور قطاع غزة من أقصى الشمال حيث بيت حانون إلى أقصى الجنوب حيث رفح واحتلال المرتفعات الحاكمة المشرفة شرقاً على مغتصبات غلاف غزة وغرباً على مدن غزة وضواحيها، وحيث أن قطاع غزة بمجمله فاقد لمثل هذه المرتفعات حيث لا تعدو معظم رواقمه الجغرافية أن تكون تباباً ترابية، أعلاها تبة الــ 86 في شمال خان يونس ولا يتجاوز ارتفاعها الــ 86 متر عن سطح البحر، وتبة المنطار في الشمال الشرقي لمدينة غزة ولا يتجاوز ارتفاعها 82 متر عن سطح البحر، وتبة الشيخ عجلين التي تشرف على البحر غرب مدينة غزة ولا يتجاوز ارتفاعها عن 58 متر عن سطح البحر وأخيراً تبة الشيخ رضوان التي تقع في شمال مدينة غزة ويبلغ ارتفاعها 61 متر عن سطح البحر، حيث تشكل هذه التباب الثلاثة الأخيرة مثلثاً جغرافياً تقع في وسطه غزة المدينة . ومثل هذه المناورة في حال نجاحها في الاندفاع والوصول إلى الحافة الأمامية للمناطق السكنية في القطاع والسيطرة على تبتي المنطار و 86 فإنها ستقوم ــ نظرياً ـ بتأمين مغتصبات غلاف غزة وتمكن العدو من السيطرة النارية والبصرية على محور مدينة غزة، حيث مركز ثقل المقاومة السياسي والقيادي، وهنا نصل إلى الأسباب الموضوعية التي تحول دون العدو والقيام بهذه المناورة، و حتى لو قام بها فإنها لن تحقق له هدف التأمين المنشود للغلاف والعمق، الأمر الذي يرجع للأسباب الآتية :
- عدم وجود قرار سياسي يغطي العملية العسكرية : فقد شاهدنا هذا التردد لدى المستوى السياسي،حيث لا يريد تحمل قرار توغل بري قرار تفعيله موضوعٌ بين يديه، وقد وشح ـــ القرار ــ بتوصيات المستوى العسكري التي تقول : أن مثل هذه المناورة إن تمت فإنها ستكون مصحوبةً بخسائر بشرية وستكون غير مضمونة النهايات، وأنها لن تؤمن البضاعة المطلوبة المتمثلة بتأمين مغتصبات الكيان والمدن الفلسطينية المحتلة من نار الصواريخ والمدفعية القوسية، التي ستبقى تنطلق حتى لو تمت السيطرة النارية على بعض جغرافيات القطاع . هذا في عمليات التأمين، أما قرار العودة لاحتلال القطاع، فدونه خرط القتاد، فإن تعذر التوغل والاستقرار لمدة زمنية قصيرة، فإن الاحتلال ( أعوص ) وأكثر أكلافاً وغير متحمل النتائج، لذلك فهو غير مطروح كنقاش جدي لدى العدو، وإنما تتم المناداة به بين الحين والآخر كأداة مزاودة بين الساسة والأحزاب .
- الخطة الدفاعية المعدة عن القطاع من قبل المقاومة : كما أن ما أعدته المقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها في قطاع غزة على مدار السنوات السابقة، وما بنته وراكمته من بنى تحتية دفاعية وإدارية، وطبيعة تسليح الأرض التي تمت طولاً وعرضاً، جعلت من هذه البقعة الجغرافية الصغيرة التي لا تتجاوز 360 كلم مربع من أكثف المناطق الجغرافية تسليحاً ــ فيما أحسب ــ على وجه الأرض ! لقد أصبحت أشبه بعش الدبابير الذي يتجنبه المارة خوفاً من إثارته غير معروفة العواقب، وإن كانت شوهدت أثار ( قرصه ) في أكثر من موقع وأكثر من معركة .
- القناعة الراسخة في عدم تحقيق هدف التأمين حتى لو تمت المناورة البرية : وحيث أن الفعل ــ مطلق فعل فضلاً عن الإجراء العسكري ــ إن لم يكن يقصد منه هدف معين يبرر القيام به، فإنه لا يعدو أن يكون عبثاً غير ذي معنىً، واهداراً للموارد وتحملاً للأكلاف، وهنا يحضر ما صرح ويصرح به قادة العدو ومنظروه، بمختلف أصنافهم وتلاوينهم من أن السيطرة على قطاع غزة عبر العملية البرية حتى لو تطورت إلى عملية احتلال باهظة الأكلاف المادية والسياسية، لن تجلب البضاعة المطلوبة، ولن تؤمن مغتصبات غلاف غزة ولا عمق فلسطين المحتلة، وبعد معركة " سيف القدس " ظهر تهديد جديد أكثر جدية وخطورة على الكيان، متمثلاً بثوران الداخل الفلسطيني في مناطق الثمانية والأربعين والضفة الغربية، وقيام حركات إزعاج على طول حدود فلسطين الشمالية والشرقية، بحاجة لضبط وتفريغ قدرات قتالية ذات مصداقية لمنعها من التطور أو التمدد، وأنهم من أجل تأمين الجبهة الداخلية وردع الحركات الحدودية، بحاجة إلى قوات عسكرية وليست شرطية فقط، وحيث أن القوات العاملة على الجبهة الساخنة وهي غزة في حال تطوير العمليات ؛ بحاجة إلى كل دعم وكل جندي وكل فوهة نار، لذلك فقرار تطوير الهجوم الناري، الجوي والبري البحري، ليس مضموناً أن يتحول إلى عامل تهديد وليس إجراء تأمين بسبب النقص في القوات المناورة، ولذلك يحجم العدو عن أخذ مثل هذا القرار .
- المشاكل الحقيقية في بنية جيش العدو : كما أن المؤسسة العسكرية الصهيونية لديها مشاكل بنيوية حقيقية في مسار بناء القوات، جاء على ذكرها مفوض شكاوى الجنود السابق الجنرال بريك، حيث قدم مطالعة مهمة حول نقاط الضعف في جيش الكيان، بدءاً من حالة الفساد والشللية في المستويات العليا، مروراً بانخفاض الدافعية والحافزية لدى الجنود، وليس انتهاءً بتهالك سلاح المدرعات وتآكل كثير من قدراته، هذا فضلاً عن حالات التهرب من الخدمة في الجيش بشكل رئيسي مع تفضيل الكثيرين ممن يقدّمون على الخدمة، الخدمةَ في الوحدات التقنية والفنية التي تؤمن لهم خبرات ومعارف يمكن استخدامها في حياتهم المدنية بعد انتهاء خدمتهم العسكرية، وعزوفهم عن الخدمة في الوحدات المقاتلة، خاصة سلاح المشاة الذي يشكل رأس الحربة في أي عملية برية يراد لها أن تستثمر مناورة نارية ؛ جوية كانت أم بحرية . لذلك فإن قادة الكيان يحجمون عن أخذ مثل هذا القرار الذي يرون أن أداة تنفيذه الرئيسية خائرة العزيمة غير مثبتة الكفاءة منخفضة الجاهزية ــ الجاهزية = قدرة + رغبة ـــ .
- فقدان عنصر المفاجأة في مثل هذه العملية : من عناصر ومتطلبات النجاح في أية عملية عسكرية ؛ توفر عنصر المفاجأة للطرف البادئ فيها، حيث يمتلك زمام المبادرة إن هو حقق المفاجأة، ومناورة برية يقوم بها العدو باتجاه غزة انطلاقاً من محيطها الجغرافي ؛ لا يمكن أن تكون عملية مفاجئة، لأسباب كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر : أن حركة القوات التي ستعبأ وتُحشد في مناطق الغلاف سوف تكون ظاهرة مكشوفة، وستصل أخبارها وصورها إلى نشطاء وسائل التواصل الأجتماعي الذين سيطيرونها و ( يشيّرونها ) لتصل إلى كل مكان في هذا الكوكب، فضلاً عن غزة، فما بالك إن علمنا أن فصائل المقاومة في غزة بمختلف مسمياتها وانتماءاتها تملك دوائر عمل مدنية وعسكرية مهمتها رصد ما يدور ويجري في هذه الوسائل وتلك الوسائط، فضلاً عن الوسائل الفنية للمراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية التي تعمل على مدار الساعة، فكيف سيتسنى للعدو أن يحقق المفاجأة في العملية البرية في مثل هذه الأوضاع الميدانية ؟ لقد شاهدنا فصائل المقاومة في معركة " سيف القدس " تقصف أماكن حشد القوات المعادية وتحقق فيها إصابات منعتها من أن تتطور أو تتراكم ؛كماً ونوعاً، بحيث تشكل تهديداً ذا مصداقية على المقاومة، فإن كانت المقاومة متنبهة حاضرة الذهن مجتمعة الحواس على العدو أثناء الحشد، فما بالنا بجاهزيتها للتصدي له عند الحركة والتقدم وتطوير مناورته ؟ ألن تحيل المقاومة الأرض ناراً تحت أقدام الغزاة وتقتل منهم قبل أن يقتلوا منها؟
كان هذا بعض ما سمح به الموقف من حديث حول العملية البرية، قدمنا له ببعض الأمور التأصيلية في العملية العسكرية، ليسهل الفهم وتنجلي الفكرة، إلا أنه لا يبقى على حاله إلا سبحانه جل جلاله "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون "
عبد الله أمين
01 06 2021