عن القائد 3/5

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

عن القائد

3/5

تحدثنا في الجزء الثاني من سلسلة " عن القائد " حول تعريف القائد والمهام الكلية المطلوبة منه ضمن الصلاحيات الممنوحة له حيث يناط به: تحديد المهمة، منح الصلاحيات، تخصيص القدرات، وضع الضوابط والسياسات. تم تحدثنا حول بعض المهام التعبوية التي تسند له مسؤولية القيام بها، حيث تطرقنا في الجزء الثاني إلى ثلاث مهام تعبوية هي: عمليات الاستيعاب والدمج، التدريب والتأهيل، النشر والتوضيع أو الموضعة. ونستكمل في هذا الجزء باقي المهام التعبوية المطلوب من القائد القيام بها، وهي على النحو الآتي: 

  1. المناورة على الأهداف: تلي عمليات النشر والتوزيع والتموضع للقوات؛ المناورة على الأهداف في منطقة المسؤولية أو منطقة العمليات بالطرق والأساليب التكتيكية التي يحقق من خلالها القائد الهدف من العمليات المحولة له، بحيث يصل القائد أثناء مناورته إلى تلك الأهداف بأسرع وقت وأقل خسائر، مجنباً قواته الدخول في حالة مراوحة واستنزاف تقضي على ما بين يديه من قدرات بشرية ومادية قبل إنجاز مهمته، الأمر الذي يتطلب من القائد وفريق عمله اختيار أفضل أنواع المناورات التي تمكنه من أفضل عملية دمج بين الأرض والسلاح والأفراد، فخلاصة المناورة تتمثل في حسن الاستثمار للأرض والجنود والأدوات كمركب قتالي واحد يعمل بانسجام ويتحرك بسلاسة، مانحاً القائد ميزة تعبوية على خصمه.
  2. تحقيق هدف المناورة: إن مناورة القائد وتشكيله على الأهداف إنما تأتي في سياق تنفيذه لمهمة عسكرية لا تتجاوز واحدة من المهام العسكرية التي تمثل معيار نجاح أو فشل التشكيل العسكري في أداء المهمات هي: احتلال الأهداف بالوصول الفيزيائي والحضور التعبوي في منطقة الهدف، أو تأمين تلك الأهداف من خلال  إخراج تلك الأهداف خارج نطارق النار المؤثرة للعدو، أو السيطرة عليها من خلال التموضع والانتشار في مواقع جغرافية تمكن التشيكل من تشغيل ما يملك من فوهات نار بشكل مؤثر على تلك الأهداف، أو تعزيز تشكيلات مقاتلة أخرى بحاجة إلى عمليات دعم ناري أو إداري لتتمكن من إتمام مهامها بنجاح، هذه هي المهام العسكرية المتصور طلبها من أي تشكيل عسكرية قتالي، بغض النظر عن استعداده أو تركيبه. 
  3. القيادة والسيطرة:  وحتى يقوم التشكيل وينهض بالمهام تلك عبر مناورة عسكرية ناجحة؛ لا بد لقائده أن يُعمِل عليه القيادة والسيطرة C2 بأفضل وجه من خلال تشغيل ما بين يديه من وسائل وأدوات القيادة والسيطرة،بدءاً من المراسيل الحربية البشرية، مروراً بأدوات الاتصال السلكي واللاسلكي أو الطائرات المسيرة التي تحلق في أجواء منطقة العمليات أو المسؤولية مسطحة أرض المعركة ،كاشفة ما خفي من مكوناتها الجغرافية والنارية. 

كانت تلك أهم المهام التعبوية التي تفوض للقائد العسكري للقيام بها في سياق تنفيذ الجزء الخاص به من أصل المهمة الكلية للتشكيل الأعلى منه، والذي ــ التشكيل الأعلى ــ  يأخذ مهمته من القيادة الأم التي يتبع لها، وهكذا صعوداً حتى أعلى مستوى قيادي عامل في مسرح العمليات أو المسؤولية.

نأتي للحديث الآن عن المهام الإدارية المطلوبة من القائد العسكري من أجل تنفيذ مهمته على أفضل وجه وبأقل الخسائر وأقصر الأزمان. 

مهام إدارية: المهام الإدارية هي تلك المهام التي لا تأخذ طابعاً قتالياً ولا تستلزم تشغيل القوات بشكل رئيسي  لتنفيذها، وإن كانت تتطلب أحياناً تفعيل جزء من القوات على سبيل التأمين والحماية، ومن أهم المهام الإدارية المطلوبة من قبل القائد التالي من المهام: 

  1. تأمين العتاد والتموين:  إن أول مهمة إدارية تُطلب من قائد التشكيل وفريق عمليه؛ تأمين متطلبات مَن وما تحت إمرتهم من أفراد وأدوات، من عتاد وتموين، فالجنود تسير على بطونها، والأسلحة حياتها في ذخيرتها، والآليات روحها في مستودعات وقودها، وما لم يملك القائد مجموعة متخصصة مجربة ذات خبرة في هذا النوع من العمل؛ فإنه سيجد نفسه في منتصف المعركة أمام جنود خاوية بطونهم فارغة مخازن أسلحتهم مشلولة الحركة أدوات نقلهم، فيغدون كبط في ميدان رماية، يتصيدهم عدوهم واحداً تلو الآخر وآلية بعد آلية. وعلى مجموعة الدعم الإدارية هذه أن يكون واضحاً في ذهنها الأمور التالية ــــــ خلاصة العملية اللوجستية ــــــ: من أين تؤمن النواقص ؟ كيف ستجلب ؟ أين وكيف ستخزن بشكل آمن ؟ كيف ومتى ستنقل إلى مستحقيها بأمان ؟ 
  2. الخدمات الطبية والصحية: كما تُعد عمليات الاسناد الطبي العسكري من المهام الإدارية التي يطلب من القائد أن يكون لديه تصور واضح عنها، وهذه الخدمات تبدأ من تأمين أدوات الإسعاف الأولى على مستوى الفرد وما يحمله  معه من أدوية وضمادات، مروراً بوحدات الإسعاف الأولي الميداني التي تواكب تقدم القوات، من سيارات ونقاط اسعاف، تتموضع في أقرب نقطة من نقاط اشتباك القائد مع عدوه، وليس انتهاءً بالمستشفيات العسكرية التي يعرف القائد أنها مخصصةٌ لتقديم الخدمات الطبية له ولتشكيله الأم ضمن الإجراءات وبرتوكولات التواصل المعرّفة قبل بدء المعارك واحتدام القتال. 
  3. المخصصات والموازنات المالية: كما يقع على كاهل قائد التشكيل وضابط إدارته أن يؤمنوا عمليات وصول المخصصات المالية من رواتب وموازنات للتشكيل ومنتسبيه، فالجنود يعيلون عوائل من خلفهم، فإن هم حملوا هم عيالتهم وتأمين قوتهم مضافاً لما يحملونه من هموم القتال والجبهات، وإن هم لم يكونوا مطمئنين إلى سلاسة هذه العملية ودوامها حتى في حال غيابهم عن أهلهم وذويهم؛ فإنهم سيقعون بين فكي كماشة الأرق والتعب الجسدي والنفسي الناتج عن ضغط الجبهة ومتطلباتها، وحاجة الأهل والعيال وما يقيتهم، لذلك قال خير القادة محمد صلى الله عليه وسلم بما معناه: " أنا أبو العيال "، فالقائد قبل أن يقود، عليه أن يكون أباً ليطاع ويسود. 
  4. التنسيقات الرأسية والأفقية:  من المهام الإدارية  التي تشكل جزءاً من مهام القائد؛ القيام بعمليات التنسيق الرأسي والأفقي، فهو بحاجة أن يفتح خطوط التواصل مع من هم أعلى منه كالتشكيل الأم الذي يتبع له، أو مع تشكيلات أو صنوف أخرى قد يتطلب تنفيذ المهمة التواصل معها، كما أنه سيجد نفسه في وضع قتالي قد يتطلب التواصل مع نظرائه من تشكيلات منتشرة على ميمنته أو ميسرته أو في المقدمة أو المؤخرة، لذلك إذا لم يتم تعريف وسائل وبروتكولات التواصل هذه والتدرب عليها وفحص فاعليتها وكفاءتها قبل المعركة، فإن القائد قد يجد نفسه معزولاً متقطعة به السبل محتاجاً لدعم أو رأي ومشورة، في الوقت الذي تعج فيه ساحة المعركة بالتشكيلات الصديقة. على القائد في هذا المجال أن يرى نفسه جزءاً من كل، يعرف متى وكيف يتصل هذا الجزء بذاك الكل. 

  نكتفي بهذا القدر من الحديث عن أهم المهام الإدارية المنوطة بالقائد، التي تعد جزءاً أصيلاً من المهام التي يطلب منه القيام بها والنهوض بمسؤولياتها، على أن نتحدث في الجزء الرابع من هذه السلسلة عن بعض المهام المعرفية التي لا بد للقائد وفريق عمليه أن يحيطوا بها علماً ومعرفة ليتمكنوا من النجاح في قيادة تشكيلاتهم وقطعهم العسكرية. 

عبد الله أمين 

02 -09 -2021

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023