فجعنا بالأمس 26 09 2021 باستشهاد ثلة من المقاومين في فلسطين المحتلة، حيث أطبق عليهم العدو بعد جهد استخباري وعمليات متابعة أمنية، شارك فيها جهاز الشاباك وباقي أذرع العدو الأمنية ، مع ما صاحب هذه المتابعة من تنسيق وتبادل للمعلومات مع أجهزة سلطة أوسلو، الأمر الذي يدفعنا للحديث والمشاركة ـ ولو بجهد المقل ـــ فيما هو دائر في أرضنا المحتلة عبر هذه المقالة التي تتحدث عن بناء قاعدة مقاومة في أرض محتلة، وما يحتاجه هذا الأمر من مقتضيات ومتطلبات، علّ في ذلك أن يكون لنا سهم في هذا الجهاد وتلك المقاومة. فما هي المقتضيات والمتطلبات واجبة التوفر والتوفير لبناء مثل هذه القاعدة لتكون قاعدة ارتكاز للنفير ؟
- القرار: إن أول متطلبات العمل لبناء قاعدة مقاومة في أرض محتلة، توفر قرار لدى الجهة أو الجهات التي ستقوم بهذا العمل وتلك المهمة، بغض النظر عن مستوى هذه الجهة، أكانت جهة ميدانية على مستوى الجغرافيا، أو جهة قيادة سياسية أو فنية، فبدون هذا القرار، لا يمكن تصور بناء مثل هذه القاعدة لتكون نقطة ارتكاز، ومركز ثقل وعقدة مقاومة تكبر وتقوى مع الأيام، لتكون شوكة عصية في جنب المحتل، تنغص عليه عيشه، وتطير النوم من عينه، وتفرض عليه أكلافاً كلما اعتدا وصال.
- تحديد المهمة: الأمر الثاني واجب الرعاية، تحديد مهمة هذه القاعدة، وما ستنهض به من مهام، وهنا لا يجب تجشم ما لا يطاق، وتحميل الذات والمحيط ما لا يستطيع من أكلاف، آخذين بعين الاعتبار أن أهم محدد من محددات تحديد هذه المهمة، ما هو متوفر من قدرات بشرية ومادية في وقت أخذ قرار بدء المشوار، ثم يتم تطوير الدور تبعاً لتطور القدرات، أو ما يمكن أن يتصور أنه في متناول اليد عند الحاجة، وقبل ذلك وبعده تطور شكل التهديد في الجغرافيا محل العمل.
- جغرافيا مناسبة: كما يجب البحث عن جغرافيا مناسبة لبناء مثل هذه القاعدة، فليست كل جغرافيا ممكن أن تكون صالحة لبناء مثل هذه القاعدة أو مركز ثقل للمقاومة، فالنظرة الفنية المجردة للجغرافيا، قادرة على أن تقول أنها صالحة لمثل هذه المهمة أو لا، فبعض الجغرافيات حباها الله بمواصفات تجعل منها عصية على العدوان، أو أن موقعها يفرض على من يعتدي عليها نمطاً معيناً من الأعمال ـــ قصر الزمن أو طال ـــ فمثل هذه الجغرافيات تكون في العادة أفضل من غيرها لبناء مثل هذه القواعد. إن عدم اختيار الجغرافيا المناسبة لبناء هذه القواعد، يعني في أحد أوجهه، صرف المقدرات في غير مكانها وتبديداً للطاقات وسوء تخصيصٍ للقدرات.
- حاضنة شعبية: قد تكون الجغرافيا مناسبة من حيث المواصفات لبناء مثل هذه القواعد، ولكن حتى تكون قابلة لبناء مثل هذه القواعد، أو على الأقل ليطول عمر ما يبنى فيها من مرتكزات مقاومة، يجب أن تتوفر فيها حاضنة شعبية مساعدة ومسهلة لمثل هذه الأعمال، فمثل هذه الحاضنة هي التي ستوفر الستر والغطاء ومصدر المدد البشري والمادي لإدامة حياة هذه القاعدة، ولنا في سيد القادة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد خرج مهاجراً إلى المدينة بحثاً عن بيئة وحاضنة شعبية مناسبة لاحتضان دعوته ومدها باسباب القوة، ثم خرج منها مبلغاً ومجاهداً وفاتحاً. ولكن البحث عن هذه الحاضنة لا يعني البحث عن مكان صاف خالص زلال، فمثل هذا المكان غير متصور الوجود تحت نير الاحتلال، لذلك نكتفي عند البحث عن الأقرب لنا والأكثر تأييداً لنهجنا، فنعمل وفق ما هو متوفر، ونحسّن الظروف، بما نوفر بحسن أخلاقنا وسلوكنا وطباعنا.
- نظام قيادة وسيطرة آمن وفاعل: فنظام القيادة والسيطرة C2 بمكانة نظام الأعصاب في الجسم، فهو الذي ينقل الإشارات، ويتولى مهمة التنسيق بين الحركات، وهو الذي يشكل إنذاراً مبكراً على الخطر، وهو الذي إن تمت السيطرة عليه أو التغافل في بنائه، جاءت من قبله الضربات، وتسلل عبره العدو، فيقرأ النوايا، ويتوقع الإجراءات، لذلك يجب أن يولى هذا النظام كامل العناية، ويُرفَد بكل متطلبات الأمن والفاعلية، بل يجب أن يعي القائمون على بناء مثل هذه القاعدة، أنه إن كان للموارد أن تخصص، وللقدرات أن توزع، فإن هذا النظام يجب أن يحوز سهماً مهماً من هذه القدرات، وأن يكون تحت الإشراف والمراقبة والمتابعة الدقيقة، لا يوصل له ولا يُنفذ من خلاله.
- خط إمداد فاعل وآمن: كما يجب أن يتم تأمين خط إمداد ــ بشري ومادي ــ لهذه القاعدة، فالبشري من الموارد مصدره الحاضنة الشعبية، القريبة أو البعيدة، والمادي من هذه القدرات مصدره ما يتوفر من المحيط القريب والبعيد، ولكن ما تجدر الإشارة له هو أنه يجب توفر أدوات القتال الأكثر فتكاً وإيلاماً للعدو، والتي توفر في نفس الوقت أكثر نسبة أمان للمقاومين عند العمل، وفي هذا تفصيل ليس هنا مكانه. كما تجدر الإشارة إلى أن العدو عندما يعجزعن سد منافذ التسليح في جغرافيا ما، فإنه يعمد إلى (التحكم) فيما يدخل لها، بحيث يغرقها بالقدرات الأقل خطراً أو الأكثر تعقيداً والتي تتطلب نوعاً معيناً من التدريب أو التأهيل أو إجراءات الخزن والتأمين، كما أنه قد يفرض على مصادره نشر نوع معين من القدرات المسيطر عليها، والتي قد تؤدي إلى كشف خلايا العمل المقاوم، لذلك لا يجب على القائمين على مثل هذا العمل ــ بناء قاعدة مقاومة ــ أن يقعوا تحت مبرر الحاجة وضيق الوقت، للعمل بناء على جدول أعمال العدو، أو في مربع عمل يفرضه عليهم ويسوقهم له سوقاً.
- تسليح الأرض وتأمينها: وهنا يأتي دور فن القيادة ومهارة الجندي، في كيفية الدمج بين الأرض والسلاح والمقاتل، في مناورة ماهرة، تضعه في موقف تعبوي أفضل من موقف العدو، والأرض هي رفيق المقاتل الأول بعد سلاحه، وهي التي يجب أن يبذل كل جهده لمعرفتها والتقرب منها، وسبر أغوارها والسهر على رفع نواقصها وسد نقاط ضعفها، والأرض تفرض على العدو نمطاً معيناً من العمل، ونوعاً محدداً من الحركات والمناورات، لذلك كلما تعرف عليها المقاوم بشكل أفضل، كلما كان أقدر على توقع فعل العدو ومعرفة نواياه فيها، وكلما خبرسهولها وعرف طياتها وخلّاتها، وما فيها وما عليها من شجر وبشر وحجر، كان على فرض أرض المعركة على عدوه وتجنب مفاجأته أقدر. وتسليح الأرض يمكن أن يكون بأبسط الوسائل والإجراءات، إذا عُرفت معرفة دقيقة، وقُرئت بعين العدو لا بعين الصديق، فإجراءات الدفاع مناطها معرفة إجراءات الهجوم، وتسليح الأرض الهدف منه، وقف حركة العدو أو إبطائها أو توجيهها حيث نريد، فإذا عُرف الهدف، عُرفت الوسيلة.
- المتابعة والمراقبة: بعد القيام بسلسلة الإجراءات هذه، وتأمين المتطلبات تلك، يبقى أن نقول أن أمر المتابعة والمراقبة لحسن أداء الإجراء، وما يطرأ على الجغرافيا من تغييرات، وما يحدث على التهديد من تطورات في الشكل والمضمون ، هي أمورٌ ـــ بعد فضل الله ـــ يتوقف عليها حسن أداء قاعدة المقاومة هذه وطول عمرها، وضمان نكايتها بالعدو وتكبيده الخسائر، بشرياً ومادياً.
هذه متطلبات ثمان، نحسب أنها قد تساعد في بناء الحصون، وتقوية قلاع مقاومتنا في فلسطين، فإن أُخضعت للبحث والتدقيق والتكييف لتناسب واقعنا، فإنها ستسد ثغرة وتقوي ضعفاً وترشد مقاوماً، فيطول عمره ويعظُم أثره، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
عبد الله أمين
27 09 2021