في مواجهة الجنود التكنولوجيين
نشرت شبكة الهدهد الإخبارية فلماً قصيراً نقلاً عن القناة الإسرائيلية الثالثة عشر حول ما أسماه قائد لواء المظليين الإسرائيلي العقيد " يوفال جاز " الجنود (التكنولوجيين) المكونين من جنود مشاة يقومون بتشغيل مروحيات قتالية صغيرة الحجم قليلة الضجة سريعة التشغيل قادرة على القيام بعمليات جمع المعلومات ونقلها بشكل مباشر إلى القوات العاملة في الميدان، كما يمكن أن تزود هذه الوسائط الجوية بعبوات ناسفة لتدمير الأهداف عبر الإنقضاض عليها من الأعلى، كما تستخدم في عمليات جمع المعلومات الميدانية وتحسين قدرات القيادة والسيطرة لقوات المناورة، وقد تم تنظيم هؤلاء المقاتلين في مستوى سرية كمرحلة أولى تعمل تحت إمرة لواء المظليين، بهدف تقليل مستوى الخسائر البشرية في صفوف الجنود (الآدميين )، من خلال تسطيح ساحة المعركة، والتواصل والاستفادة من جميع مصادر المعلومات، بما فيها ما يتوفر لدى الوحدة 8200 من مصادر جمع إلكترونية، كل هذا الجهد من أجل الإسراع في إغلاق دائرة الهدف والقضاء عليه عبر ما تملكه الوحدة العاملة والمناورة في منطقة العمليات من قدرات نارية على مستوى المشاة أو سلاح الإسناد، أو عبر استدعاء ما لدى قيادة هيئة الأركان من نار أركانية ــــ احتياط القيادة ـــــ مختلفة الوسائط والمديات. تقوم فكرة مناورة هذه القوات وطريقة عملها على مبدأ الدمج بين جميع القدرات القتالية المتوفرة لدى القوة المهاجمة، بحيث تنقض على الهدف عبر المناورة الرأسية أو ما تعرف بالمناورة القائمة، قائمةً ـــ المناورة الرأسية ـــ مقام النار التمهيدية التي يقوم بها سلاح المدفعية، تلييناً للهدف المطلوب الاحتكاك به والاشتباك معه عبر سلاح المشاة، وحيث أن نيران مدفعية الإسناد التي تستخدم للتمهيد قد تلحق خسائر جانبية في القوات المهاجمة نظراً لقلة دقتها، فقد لُجيء إلى هذا النوع من الوسائط النارية التي يمكن أن تشغل ما لديها من قدرات بشكل مباشر على الهدف المطلوب، دون إيقاع خسائر بالمحيط الذي قد يكون مشغولاً بقوات صديقة تناور للتقرب وأخذ التماس مع أهدافها الأرضية. أمام هذا الموقف المعقّد والذي تقوم فيه التكنولوجيا مقام الفرد، وحيث أن عدونا متقدم جداً في هذا المجال، إلى الدرجة التي جعلت وتجعل كثيراً من الدول تخطب وده للإستفادة منه في هذا النوع من الأعمال، أمام هذا الموقف الذي يفوقنا فيه عدونا في هذا المضمار، وحيث أن العدو يقوم بالإستفادة القصوى من هذه التكنولوجيات لإلحاق الضرر بنا، كان لابد لنا من إجتراح وسائل وطرق عمل تفيد في الحد من كفاءة هذه القدرات، وتساعد في تجنب نقاط قوتها، والوصول إلى نقاط ضعفها للقضاء عليها، الأمر الذي جاءت هذه المقالة لتقترح بعضاً منها ــ الوسائل وطرق العمل ـــ، علّنا بذلك نتقي شراً، أو نُلحق بعدونا ضرراً، حيث سنتعرض إلى أهم ما يمكن أن يوصف كعلاج لهذا الداء، استنفاداً للجهد، وعقلاً لمركب المقاومة يليه توكلٌ، فنقول مستعينين بالله أن من أهم هذه الوسائل وطرق العمل الآتي، مثالاً لا حصراً :
- معرفة كل شيء عن هذه الوسائط الجوية : إن أول ما يجب القيام به تحضيراً وتمهيداً لطرق العمل هذه هو معرفة خصائص هذه الوسائط الجوية، من حيث النوع ومدى الطيران، والإرتفاعات التي تعمل عليها وخواصها الفنية، وطرق وآليات تشغيلها، ونقاط قوتها وضعفها الفنية، والظروف المناخية والبيئة التي تحد من كفاءتها، ونوع الحمولات التي يمكن أن تحملها أثناء التحليق. يجب الإحاطة بكل هذه الأمور، وهي متوفرة ممكنة الحصول عليها عبر معرفة نوع الوسيلة الجوية، ثم بدء جمع المعلومات عنها وتكوين ملف فني لكل منها، ومراكمة ما يحصل من معارف حولها، ليبنى على الشيء مقتضاه.
- العمل ضمن الأجواء المغلقة : إن هذه الوسائط الجوية ـــ وغيرها من الوسائط الجوية ــ يتم استخدامها في جمع المعلومات والإطباق على الأهداف التي تتم متابعتها انطلاقاً من الأجواء المفتوحة، لذلك فإن من الإجراءات التي تساعد على الحد من كفاءة هذه الوسائط، عدم العمل في الأجواء المفتوحة وقصر العمل والنشاطات ما أمكن على المغلق منها، ونقصد بالأجواء المغلقة، تلك الأجواء التي تحول وتحجب الرؤية الرأسية عن هذه الوسائط، وهنا يكفي للمقاومين أن يتحركوا في ممرات ومساحات عمل مسقوفة أو مغطاة بأي نوع من الأغطية الصناعية أو الطبيعية.
- تقليل زمن الظهور في أجواء مفتوحة : حيث أنه لا يمكن تصور العمل بشكل كامل في أجواء مغلقة، أو عدم توفر أجواء عمل محجوبة عن الفضاء الجوي بشكل كامل أو دائم، فإن اضطر المقاومون للتنقل أو التحرك، فليكن هذا التحرك وذاك العمل ضمن أقصر مدة زمنية في الفضاءات المفتوحة، بحيث لا تتاح لهذه الوسائط ومشغليها الفرصة الزمنية المناسبة أو المطلوبة لغلق دائرة الهدف وضربة.
- تجنب أتمتة الوسائل القتالية ما أمكن : كما أن جزءاً من كفاءة تشغيل هذه الوسائط يتم عبر ما تجمعه من معلومات عبر التنصت أو المتابعة الإلكترونية للمحيط الذي تعمل فيه، لذلك فبالقدر الذي نتجنب فيه أتمتة الوسائل القتالية أو وسائل التواصل فيما بين المقاومين، فإننا نحرم هذه الوسيلة ومشغليها من مصدر معلومات مهم، تستند إليه في متابعة أهدافها والاشتباك معها.
- تلويث قواعد التحكم والتوجيه الميدانية لهذه الوسائل : إن هذه الوسائل الجوية لابد لها من قواعد قيادة وسيطرة، ميدانية ومركزية، تتم منها وفيها عمليات التشغيل والمتابعة والتحكم، وهذه القواعد ونقاط الارتكاز لابد لها أن تكون مشرفة على ساحة العمليات بشكل مباشر، لذلك فإن الدراسة المسبقة لمحيط عملنا وجمع المعلومات الوافية عنه، ستفيدنا في معرفة أين ستستقر هذه القواعد عند بدء النشاطات الميدانية للعدو، فإن عرفنا هذا الأمر بشكل مسبق، فإننا نستطيع أن نحول دون العدو والاستقرار فيه، أو أن نجترح من وسائل الإزعاج ما يحول دونه والإنتشار المريح المطلوب لحسن إدراة هذه الوسائط.
- فرض حالة من عدم الاستقرار على القوات المشغلة لهذه الوسائط : إن فرق التشغيل و التحكم الميداني في هذه الوسائط، يصحبها فرق إسناد وتأمين بشرية، يؤمنون لهم المحيط ويوفرون الأجواء المطلوبة لحسن التشغيل والمتابعة، لذلك فإن استهداف فرق المرافقة والتأمين هذه سوف يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار أو التعجل في التشغيل تحد من كفاءة هذه الوسائط، لذلك يوصى بالبحث عن أماكن استقرار فرق التأمين هذه واستهدافها بكل ما يمكن أن يقلق راحتها ويحرمها حالة الاستقرار المطلوبة لاتمام المهمة.
- تلويث المجال الجوي التي تعمل فيه هذه الوسائل : كما يمكن أن يتم الحد من كفاءة وسائط العمل الجوي هذه عبر تلويث المجالات الجوية التي تتحرك فيها عبر ما يتيسر من وسائل التلويث من قبيل البالونات التي تُطير لتملأ الأجواء، أو عبر طائرات الهواة، أو عبر جمع بعض الطيور في أقفاص ثم إطلاقها دفعة واحدة في هذا المجال الجوي، كما أن الدخان الكثيف المنبعث من حرق إطارات السيارت أو اشعال ما يمكن اشعاله في ساحة العمليات،كلها تشكل عامل إعاقة لقدرات هذه الوسائط ـــ وإن بشكل قليل ـــ توفر فرصة زمنية لانتقال المقاومين من مكان إلى آخر، وهنا لابد لنا من أن نشير إلى أن العدو لا يعمد إلى تشغيل ما لديه من هذه الوسائل بشكل منفرد، وإنما يعمد إلى تشغيل أكثر من وسيلة في نفس الوقت وفي نفس المكان لتوفير إشراف كامل على ساحة العمليات وأفضل حالة تسطيح للميدان، لذلك اقتضى التنبيه.
- فرض ساحة المعركة على العدو بحيث تكون أقل ما يمكن انفتاحاً على الفضاء الجوي : كما أن العدو يحاول أن يفرض علينا ساحة العمل الأنسب له والتى يعمل فيها هو ووسائل قتاله في أعلى مستوى كفاءة، لذلك فإننا بمعرفتنا المسبقة لطرق عمله وما يستخدمه من قدرات قتالية، واحصاء نقاط قوته وضعفه، وبمعرفتنا الجغرافية والديموغرافية والأمنية والسياسية لبيئة العمل التي نتحرك وننشط فيها، فإننا نستطيع أن نفرض على هذا العدو ساحة المواجهة التي تحد من كفاءة تشغيله لقدراته واستفادته من نقاط قوته، الأمر الذي يساعد في تقليص فجوة تكافؤ القدرات التي بيننا وبينه.
- العمل في ظروف بيئة غير مساعدة لعمل هذه الوسائط من حيث المناخ والطقس: إن هذه الوسائل الجوية وغيرها من وسائل القتال وأدواته، كما أن لها نقاط قوة، فإن لها نقاط ضعف، وكما ذكرنا في النقطة الأولى أنه يجب معرفة كل شيء ممكن عن هذه الوسائط، فإن أهم ما يمكن البحث عنه هو البيئة المناخية التي يمكن أن تعمل فيها، تلك التي لا يمكن أن يتم تشغليها أن توفرت ظروف الطقس والمناخ التي تحول دون تفعيلها، من قبل الرياح القوية أو الأمطار الغزيرة أو حالات الضباب التي تلف مدننا وقرانا ومزارعنا في بعض أيام السنة أو ساعات النهار، إن هذه المعرفة وإن بدت بسيطة فإنها تشكل فارقاً مهماً وعنصر قوة يضاف إلى عناصر قوتنا التي يجب أن تحشد وتركز وتخصص لضرب وتحييد هذه الوسائط.
- التوكل على الله رب الأرباب ومسبب الأسباب : نختم بالقول أن أهم ما يمكن أن نستحضره في هذه المعركة هو التوكل على الله سبحانه وطلب العون والمدد منه، قبل العمل ومعه وبعده، فهو مسبب الأسباب، وهو الذي يهييء الظروف ويسوق الأقدار، وهو من نزع خاصية الحرق من النار، فهو أولاً وآخراً، الموفق والهادي والناصر والساتر، فلنلجأ له في الملمّات والمعارك والاشتباكات. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
عبد الله أمين
04 10 2021