بقلم: الخبير العسكري والأمني
عبد الله أمين
01 -11- 2021
تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال حول العقبات السياسية التي تحول دون اتخاذ قرار بأي عملٍ عسكريٍ صاخبٍ ضد المشروع النووي الإيراني، حيث ذكرنا أن من هذه العقبات:
- عضوية إيران في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
- اتفاق إيران مع الدول 5+1.
- الملف النووي الإيراني ملف أمريكا بامتياز.
- علاقات إيران السياسية الدولية والإقليمية.
- اختلاف وجهات النظر الداخلية في الكيان أو بين الكيان والأمريكان.
- توفير مبرر لإيران للخروج من معاهدة ال ( NPT ).
وفي هذا الجزء الثاني والأخير من هذه المقالة، نتحدث عن بعض النقاط التي يمكن أن تشكل عائقاً تعبوياً أمام اتخاذ قرار بشن هجوم ضد المشروع النووي الإيراني، وهي نقاط يمكن أن يضاف لها الكثير، الأمر الذي لا يتسع له المقام في هذا المقال، لذلك نأتي على ذكر أهمها، والتي منها:
- نقص المعلومات العملياتية: إن أول عقبة من العقبات التعبوية التي تعترض أي عملٍ ذي طابعٍ عسكريٍ صاخبٍ ضد المشروع النووي الإيراني هي نقص المعلومات العملياتية الدقيقة عن هذه القدرات، فما كل معلومة أو معطىً ميدانيٍ يمكن أن يبنى عليه خطة عمل عسكرية ضد هدف يراد تدميره، والمنتشر من معلومات حول قدرات إيران النووية في المصادر المفتوحة، يشي بأن هناك نقصاً حقيقياً في المعلومات العملياتية المطلوب وضع خطة هجوم بناء عليها، فمن هذه المعلومات المطلوبة على سبيل المثال لا الحصر: أين يقع مركز ثقل هذا البرنامج الذي إن تم استهدافه فسوف يتسبب بتعطيل حقيقي لمسار المشروع بشكل عام؟ هل مركز ثقل هذا البرنامج يقع في نطنز؟ أم في أصفهان؟ ماذا عن الجزء الموجود في مدينة كرج؟ وماذا يقال عما يوجد في أصفهان أو غيرها من مدن إيران؟ ما هي طبيعة التحصينات التي تحمي هذا البرنامج؟ ما هي وضعية شبكة الدفاع الجوي التي تحمي هذا البرنامج وما هي قدراتها وما هي نقاط ضعفها وقوتها؟ ما هي طبيعة الآثار الجانبية المترتبة على ضرب هذا البرنامج؟ أين ستهبط أسراب الطائرات التي ستضرب هذا البرنامج إن نجت بجلدها ـ عندما ستستهدف إيران بصواريخها أرض ـ أرض القواعد التي خرجت منها هذه الطائرات؟ وأسئلة من هذا القبيل والتي يطول تعدادها مطلوبة لأي مجموعة تخطيط عملياتي تريد التخطيط لعمل عسكري صاخب ضد برنامج إيران النووي.
- الرد الإيراني الأكيد على مصادر التهديد الرئيسية والثانوية:
العقبة التعبوية الثانية التي يمكن الإشارة لها في هذا السياق هي الرد الإيراني الفوري والحاسم على مصادر التهديد الرئيسية والثانوية، مما يعني أن رقعة الرد الإيراني سوف تشمل القدرات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية المنتشرة في منطقة غرب آسيا، بدءاً من فلسطين ومروراً بالأردن، ولن تستثني أي قاعدة عسكرية أمريكية في منطقة الخليج قاطبة؛ وهنا بيت القصيد، فإن كانت المصالح الحيوية الأمريكية في المنطقة تتمثل بحفظ أمن الكيان الغاصب لفلسطين وكذا مصادر الطاقة ورُعاتها في منطقة الخليج، فإن أي عمل عسكري ضد إيران سوف يعرض هذه المصالح مجتمعة إلى خطر سيجعل كلفة أي عمل عسكري ضد إيران أكبر بكثير من جدواه، الأمر الذي سيقف حجر عثرة في وجه أي قرار عسكري ضد إيران ومشروعها النووي.
- الانتشار والتباعد الجغرافي بين مكونات هذا البرنامج:
إيران بلد مترامي الأطراف، تبلغ مساحته قرابة 1.6 مليون كيلومتر مربع، صعبة التضاريس، وقد حرصت القيادة الإيرانية على أن توزع أجزاء برنامجها النووي على طول وعرض مساحتها الجغرافية، الأمر الذي يتطلب أن تشمل أي ضربة عسكرية، موثوقة النتائج يراد لها أن تحقق الأهداف المرجوة منها أن تشمل جميع أجزاء هذا المشروع؛ حيثما وجد وفي أي جغرافيا تموضع، وهذا أمرٌ يتطلب عملية قيادة وسيطرة على وسائط الهجوم الجوية ليست بالسهلة ولا البسيطة، في أجواء عمليات عسكرية شاملة مكتظة بكل ما يمكن أن يشكل عائق أمام قيادة وسيطرة فاعلة وناجعة تشمل تلك المساحة المشار لها.
- نقص في القدرات الهجومية المعادية:
وبناءً على ما تقدم في النقطة السابقة؛ فإن تغطية هذه المساحة من الجغرافيا والتي تتسم بالتعقيد الطبوغرافي المشار له، بحاجة إلى قدرات جوية تشكل رأس حربة الهجوم ليست بالقليلة، كما أن هذه القدرات بحاجة إلى قدرات دعم لوجيستي لا يتمثل فقط بعمليات التزود بالوقود جواً، وإنما يشمل أموراً أخرى لا تبدأ بالقواعد الجوية التي انطلقت منها موجات الهجوم ولا تنتهي بها فقط، ثم إن هذه القوات المهاجمة بحاجة إلى قدرات جوية للحماية والإسناد، تتمثل بأسراب من الطائرات المطاردة التي ستطارد أي قدرات جوية إيرانية ستخرج للتصدي للقوات المناورة جواً، كما أن هذه القدرات مجتمعة بحاجة إلى إسناد الكتروني وعمليات مسح راداري كبيرة جداً، مما يوفر لإيران فرصة شن هجمات حرب الكترونية وأخرى في المجال المجازي ـــ السايبر ــ لتعطيل عمليات الإسناد وعمليات القيادة السيطرة على منطقة العمليات ومنطقة المسؤولية، مما يؤثر على كفاءة وفاعلية أي عمل عسكري يُفكر به ويرفع من أكلافه.
- أي عمل لن يوقف البرنامج، وإن كان سيؤخره:
ومن العقبات التعبوية التي تحول دون استهداف برنامج إيران النووي؛ ما يتفق عليه جميع من لهم مصلحة في استهداف هذه القدرات، وهو أن أي ضربة في حال حصلت؛ لن تؤدي إلى تدمير هذا البرنامج وحذفه إلى الأبد؛ ففي حال نجاح هذه العملية؛ سوف يتم تأخير هذا البرنامج عدة أشهر أو عدة سنوات، مما يوفر سبباً لإيران للخروج من معاهدة NPT، كما سيعجل من وتيرة تطوير هذا البرنامج، وهنا في حسابات الربح والخسارة الاستراتيجية؛ فإن عدم الاستهداف الصاخب الخشن يتقدم على ما دونه من خيارات.
- حصانة المنشآت النووية الإيرانية الرئيسية أمام الضربات العسكرية :
قلنا سابقاً أن إيران شاسعة المساحة، مترامية الأطراف صعبة التضاريس، وقد استغلت الحكومات الإيرانية المتعاقبة هذه الميزة بحيث وزعت مشروعها النووي في هذه الجغرافيات المتباعدة، كما أنها استغلت صعوبة تضاريس البلاد بحيث جعلت من بطون جبالها مراكزاً لتطوير هذا البرنامج، مما وفر دروعاً طبيعية تحمي هذا المشروع ومكوناته؛ البشرية والمادية، لذلك فإن المتابع للشأن الإيراني وما يكتب حول إمكانية تدميره، يرى أن المهتمين بهذا الأمر لا ينفكون يتحدثون عن أن هذا البرنامج محصن تحت طبقات الأرض، الأمر الذي يتطلب امتلاك قدرات عسكرية خاصة، قادرة على اختراق هذه الطبقات وصولاً إلى المساحات التي تقع فيها الأدوات والتجهيزات الفنية التي تشكل هذا البرنامج وتدير أجزاءه.
- السيطرة والإشراف الدقيق لأجهزة الدفاع الجوي الإيراني على أجواء البلاد وغلقها بشكل كامل: لقد بنت إيران عقيدتها العسكرية بناءً على مبدأ الدفاع، وحتى لو مارست بعض العمليات الهجومية؛ فهي من باب الدفاع القاضي بالتصدي للتهديد قبل أن يتبلور شكله ويخرج إلى حيز التنفيذ، لذلك فإنها من الدول القليلة في منطقة غرب آسيا التي تملك قدرات دفاعية يعتد بها، ومن هذه القدرات منظوماتها الصاروخية متعددة الأجيال والمديات، وفي هذا السياق، فإنها تحوز على منظومة دفاع جوي ذات كفاءة عالية مثبتة الفاعلية تغطي كامل الأجواء الإيرانية، من شمالها حتى الجنوب، ومن الشرق حتى الغرب، كما أن هذه المنظومة قادرة على كشف التهديدات الجوية قبل وصولها إلى أجواء الجمهورية، مما يساعدها في التصدي للأخطار الجوية وبشكل فاعل وعلى مسافات من حدودها البرية، وقد رأينا نموذجاً من هذا القدرات عندما أسقطت هذه الدفاعات الجوية طائرة الاستطلاع الأمريكية آر كيو 4 غلوبل هوك في 20 06 2019، حيث رصدتها عندما خرجت من قاعدتها الأرضية وبدأت بمناورتها الجوية إلى أن وصلت إلى حريم منطقة مسؤولية هذه الدفاعات، فتصدت لها واسقطتها، ومن يفكر في أي عمليات استهداف أو ضرب لقدرات إيران النووية، لا تغيب عنه هذه الحادثة، أو حادثة الصواريخ التي دكت قاعدة عين الأسد في العراق كردٍّ مبدأيٍّ على استشهاد اللواء قاسم سليماني في كانون ثاني 2020، مما يشكل جزءاً من معادلة ردع تحول دون النيات والإجراءات.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى أن الدول لا تبني خططها الدفاعية بناءً على حسن نوايا الخصوم، وإنما تبني خططها وتسير في مسار تطوير قدراتها بناءً على أسوأ السيناريوهات وأحرج المواقف واللحظات، الأمر الذي يجعلها في هامش الأمن إن أخطأ الخصم أو العدو التقدير، فيواجه ــ العدو ــ بما يسبب له أسوأ مصير، لرعونته وسوء التقدير.