بقلم الخبير العسكري والأمني:
عبد الله أمين
27 12 2021
أولاً: المقدمة:
تداولت وسائل الاعلام المرئية والمقروءة ما تم التوافق عليه بين وزيريّ الدفاع والأمن الداخلي الإسرائيليين الجنرال " بيني غينتس " و" عومر بارليف " حول تشكيل لواء ( مناطقي ) جديد مهمته التعامل مع المجتمع العربي في مناطقنا المحتلة عام الثمانية والأربعين؛ وعليه فإن هذه الورقة تأتي لتحليل هذا الموقف المستجد، وللإضاءة على دلالات هذا القرار ودوافعه المتصورة، وما يمكن أن ينبني على هذا القرار لدى قوى المقاومة؛ بشقيها العسكري والشعبي في الداخل الفلسطيني بجغرافياته الثلاثة، مناطق الثمانية والأربعين والضفة الغربية وغزة، ثم نختم بمجموعة توصيات في سياق هذا التحليل لهذا الموقف المستجد.
ثانياً: الموقف:
قرر وزيريّ الدفاع والأمن الإسرائيليين إنشاء تشكيل عسكري ( مناطقي ) باستعداد ثلاثة ألوية ، مكونة من قوات خدمة عسكرية في الاحتياط الفعلي ممن خدموا سابقاً ضمن تشكيلات حرس الحدود، على أن يتم تعزيز هذا التشكيل في مراحله الأولى بقدرات قتالية من ضباط المشاة والمدرعات، بحيث تسند لهذا التشكيل مهمة التعامل مع الأحداث الأمنية ضمن مهمات " الأمن الجاري " لمحاربة ظاهرة العنف المسلح، ومواجهة أي احتجاجاتٍ قد تقع في المجتمعات العربية أثناء انشغال القوات العسكرية النظامية في مهام قتالية على مستوى حروب محدودة الزمان والمكان، أو حرب واسعة النطاق ممتدة الزمان.
ثالثاً: الدلالات:
1. القدرة والاستعداد: إن أول دلالات هذا القرار هو أننا أمام تشكيل عسكري باستعداد ثلاثة ألوية يصل عددها إلى ثلاثين ألف جندي ـــ يزيد أو ينقص ـــ من مختلف صنوف قوات المشاة، الأمر الذي يعني أن على فصائل المقاومة في الضفة الغربية وغزة، وكذلك أبناء شعبنا في مناطق الثمانية والأربعين وضع هذا التشكيل في الحسبان، عند التخطيط لأيّ عمل عسكريّ مستقبليّ، بغض النظر أكان هذا العمل من صنوف الأعمال العسكرية النظامية أو أعمال المقاومة الشعبية، كما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أن قوات العدو النظامية الرئيسية ـــ غولاني، جفعاتي، النحال، لواء المظليين ـــ قد تكون في موقف قتالي أفضل مستقبلاً على اعتبار أن هناك من القوات من سيأخذ عنها ( كتفاً ) لتتفرغ هي إلى ما هو أهم من المواقف والاحداث.
2. عدم كفاية القدرات للتعامل مع التهديدات: الدلالة الثانية التي يمكن تصورها خلف هذا القرار هي أن قوات العدو النظامية التي تتعامل مع الأحداث والمواقف العسكرية والأمنية في فلسطين المحتلة، غير كافية من حيث الاستعداد للنهوض في وجه مجموعة تهديدات داخلية وخارجية في نفس الوقت، كما أن هذه القوات النظامية، وما يساندها من قوات لانشغالها الدائم في عمليات الأمن الجاري قد تحولت من حيث الاستعداد والكفاءة والنفسية، إلى قوات شرطية تتعامل مع أحداث أمنية، وليست قوات عسكرية مطلوب منها كبح ودفع التهديدات العسكرية على مختلف جبهات القتال المستقبلية، مما أثر ويؤثر على كفاءتها القتالية.
3. تخصيص القدرات للتعامل مع سلم أولويات التهديدات: كما أن من دلالات هذا القرار أن العدو الإسرائيلي لديه مجموعة تهديدات قام بعمل تصنيف وترتيب لها من حيث الخطورة وما ينبني على هذا التصنيف والترتيب من إجراءات وما يتطلبه من قدرات، مما يعني أن عليه تخصيص هذه القدرات للتوائم مع هذه التهديدات، بحيث يخصص للتهديد المهم والأكثر خطورة ما يناسبه من قدرات وإمكانيات للتعاطي معه والتصدي له، بحيث يُسيطر عليه ويمنع تطوره وتحوله إلى خطر يهدد أصل الوجود.
4. رفع كفاءة الاحتياط لتمكينه من النهوض بالمهمات: ومن دلالات هذا القرار أن قوات الاحتياط العسكرية والأمنية التي يرتكز عليها العدو في كثير من عملياته؛ فيعبئها عند كل مفصل عسكري مهم، هذه القوات لا تتمتع بكفاءة قتالية عالية تمكنها من خوض معارك أو التصدي لتهديدات ذات مصداقية، لذلك رأينا العدو في جميع معاركه الأخيرة يعبئ هذه القوات ويحشدها في مناطق القتال، ويبقى متردداً في زجها في أتون المعارك؛ خوفاً من أن تفشل في تحقيق أهدافها فينعكس فشلها على معنويات سائر القوات، لذلك فإن تشكيل هذه القوات ضمن تلك الألوية يعني أنها ستخضع لمزيد من التدريب والتأهيل وسيخصص لها من القدرات ما يمكنها من النهوض بما يسند لها من مهام قتالية مستقبلية.
5. تطور التهديدات الكامنة والخوف من خروجها عن السيطرة: أما الدلالة الأخيرة التي يمكن الحديث عنها، وهي فيما نحسب أخطر هذه الدلالات، هي أن العدو الإسرائيلي بات ينظر لأهلنا في المناطق المحتلة عام الثمانية والأربعين على أنهم باتوا يشكلون قنبلة موقوتة ولغماً مزروعاً في قلب أحشائه قد ينفجر في أية لحظة، وأن هذا الخطر لم يعد يقتصر فعله على الإجراءات (الناعمة)، من قبيل رفد المقاومة بالمعلومات أو إعاقة حركة القوات أو نقل الأموال والمعلومات، وإنما بات يتعداه إلى المستوى الذي يمكن أن يطلق عليه جبهة قتال داخلية ـــ هم كذلك ـــ إن أُحسنت إدارتها والتعامل معها والصبر على نموها وتعاظم ما تختزنه من طاقة وقدرات؛ ستتحول إلى أهم وأخطر تهديد قد يواجهه العدو مستقبلاً، فارضاً عليه تجميد كل أعماله القتالية الخارجية للتعامل مع هذا الخطر الداخلي المنذر بالقضاء على أصل الوجود.
هذه بعض الدلالات لهذا القرار الذي نعتقد أنه يجب اخضاعه لمزيد من التحليل والتقدير، مما يساعد في تحسين فهمنا لهذا العدو ومعرفة كيفية مجابهته والتصدي له، وخلق تهديدات وتحديات تجعله دائم العمل في مربع الأزمات، خارجاً عن حالة الهدوء والتوازن التي تمكنه من وضع الخطط والإجراءات لمواجهة قوى المقاومة وفصائلها، فنسلبه بذلك روح المبادرة والمبادأة، إلى أن يحين الظرف والبيئة المناسبة لوعد الآخرة الذي يُتبرّ فيه هذا العدو تتبيراً. وأمام هذا الموقف فإننا نوصي بالآتي:
رابعاً: التوصيات:
1. رصد وتوثيق كل ما يتعلق بهذا التشكيل من معلومات: إن أول التوصيات المنطقية في هذا المجال هي أن يرصد هذا التشكيل وتجمع عنه المعلومات أولاً بأول ــ عديده، قدراته، برامج تدريبه، مهامّه، أماكن تجمعه، ضباطه وقادته، تسليحه،... ــــ ، فلا تضيع شاردة ولا واردة، فيصبح ككتاب مفتوح نقرأ فيه ونحلل محتوياته، وهذا النشاط ــ جمع المعلومات ــ بحاجة إلى أن يولى أهمية من قبل أهل الاختصاص في فصائل المقاومة وقواها، فالمعلومات هي أساس بناء القدرات وتصور ما يمكن أن يوضع من إجراءات.
2. رصد عمليات التطوير ومسار البناء والتجميع: إن هذا التشكيل لن يتم بناؤه بين ليلة وضحاها؛ وإنما سيوضع له مسارٌ للبناء والتطوير من حيث الهيكل والاستعداد، لذلك يجب أن تُرصد عملية التطور هذه بحيث لا تٌفاجأ المقاومة فترى نفسها أمام تشكيل قتاليّ يعبَّأ في وجهها ويُدفع أمامها وهي تظن أنه كان لم يبلغ من الاستعداد والبناء الهيكلي ما يمكّنه من العمل؛ وإذا به جاهزٌ قادرٌ على تحمل المسؤوليات وتنفيذ المهمات، فتؤخذ المقاومة على حين غرة، وتُضبط وقد ( غفت ) في نوبة حراستها؛ الأمر الذي لم يعهد عليها فعله.
3. معرفة مؤشرات بدء التعبئة والالتحاق بالخدمة وتأدية المهمات: كما يجب أن يتم تحديد مؤشرات تدل على بدء تعبئة هذا التشكيل والدفع به إلى المناطق والجبهات، وهنا قد يكون بعض هذه الإشارات من قبيل تعطيل بعض الأعمال المدنية في قطاعات معينة، أو خفض عدد موظفيها، أو حركة غير طبيعية في الجامعات والمعاهد الدراسية، أو طلبات استدعاء عبر الوسائل الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعية، الخلاصة؛ يجب أن تتم معرفة هذه المؤشرات ودلالاتها ليبني على الشيء مقتضاه.
4. معرفة أماكن التجمع ووسائل النقل والتحرك: كما يجب معرفة أماكن تجمع قوات هذا التشكيل وكيف سينتقل من هذه الأماكن إلى مقرات التدريب وجبهات القتال أو ساحات الاشتباك؛ هل ستكون ساحات المدارس والجامعات والمعاهد أماكن تجمع هذه القوات؟ هل محطات المواصلات من قطارات ومتروات وباصات هي ما سيجتمع فيها المدعوّون للالتحاق بالخدمة؟ هل سيخرج كل من يُستدعى من بيته بوسيلة نقله الخاصة إلى مكان تدريبه أو تجمعه؟ إن معرفة هذه المعلومات تساعد في وضع الخطط والإجراءات التي تحد من سرعة تعبئة هذا التشكيل وتعيق حركته، كسباً لوقتٍ المقاومة في أشد الحاجة له.
5. الاحتكاك بهذه القوات لمعرفة نمطها في العمليات وحدود تفويضها والصلاحيات: ولمعرفة قدرات هذا التشكيل وكفاءته القتالية وحدود المهام المناطة به وصلاحياته وقواعد الاشتباك التي تحكم سلوكه؛ يجب الاحتكاك به والتماس معه، فالإنسان عدو ما يجهل، ومعرفة قوى المقاومة في الضفة الغربية وغزة وأبناء شعبنا في مناطق الثمانية والأربعين لما تم ذكره سابقاً؛ يمكّنهم جميعاً من تحديد الوسائل والإجراءات المطلوب وضعها للتعامل مع هذا التشكيل القتالي الجديد، والأدوار المناطة بكل منهم ــ قوى المقاومة وفصائلها ـــ، فيديرون معركة واحدة الهدف في المستوى الاستراتيجي، متعددة الأهداف التكتيكية في المستوى الميداني، تصب في نهايتها في خدمة الهدف الكلي لمسار المقاومة والتحرير.
6. القتال على كل الجبهات: أما التوصية التي يمكن أن نختم بها، والتي تعد (أُماً ) لكل التوصيات في التعامل مع هذا العدو فهي: قتاله على جميع الجبهات، وعدم منحه فرصة تثبيت جبهة للقتال على جبهة أخرى، فهذا العدو كما قلنا في حديث سابق فرضت عليه الجغرافيا أن يقاتل بناءً على نظرية العمل على الخطوط الداخلية التي أصل أصول النجاح فيها أن لا يُقاتِل على أكثر من جبهة، بل عليه أن يثبّت القتال على محور في سبيل القتال على محور آخر، أكثر خطورة وأشد إيلاماً مما ثبّت القتال عليه، وفي هذه النقطة يطول الحديث.
كانت هذه إطلالة سريعة على الموقف الذي تقدم ذكره، وبعض دلالاته وما يمكن أن يوصى به، على أمل أن تلقى هذه الورقة الأهمية المطلوبة لدى أهل الاختصاص، فيزاد عليها أو ينقص منها، ليبني على الشيء مقتضاه، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.