نشرت مجلة "إيكونوميست" مقالاً للكاتب "مروان المعشر"، قال فيه إن عبارة "الأردن يتأرجح على حافة الأزمة" أصبحت كليشيه منذ عقود، ومع ذلك، فإن مجموعة المشاكل السياسية والاقتصادية التي تواجهها البلاد اليوم لم يسبق لها مثيل.
ورأى الكاتب أن الأدوات البالية المستخدمة للتغلب على هذه المشاكل في الماضي غير كافية الآن، مشيراً إلى أن هذا مهم للعالم بالنظر إلى أن البلاد هي ملاذ للاجئين في منطقة مضطربة.
واعتبر أن الأردن يحتاج إلى التفاني السياسي لمواجهة التحديات والوسائل المبتكرة للتغلب عليها، لافتاً إلى أنه في العام الماضي ظهرت خطط جديدة للإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري، بتوجيهات من الملك عبد الله الثاني، لكن السؤال هو ما إذا كان هناك أمل لتلك الخطط في النجاح؟
وتأثر الأردن خلال العقد الماضي، من عدم الاستقرار السياسي، حيث شهد مظاهرات عمت البلاد في 2011-2012، وفي عدة مناسبات منذ ذلك الحين.
كما تأثرت البلاد -التي يقطنها حوالي 10 ملايين شخص- من جراء انخفاض أسعار النفط الذي بدأ في عام 2014، وما تبع ذلك من خسارة المساعدات الخليجية.
وعانى الأردن -أيضاً- بسبب فيروس كورونا المستجد والحرب الروسية الأوكرانية، التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والبطالة والديون بشكل كبير.
وكانت النتيجة معدل بطالة عاماً قياسياً بلغ ما يقرب من 25%، ومعدل بطالة مذهلاً بين الشباب بنسبة 50%، وإجمالي دين عاماً قياسياً (ومضمون من الحكومة) يبلغ 50 مليار دولار، أو حوالي 114% من الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاضاً إجمالياً في التحويلات، حيث انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 70% تقريبا في السنوات الخمس الماضية.
وبحسب الكاتب، فإن استقرار الأردن يعتمد تقليدياً على أمرين: أجهزته الأمنية والمساعدات الخارجية (حوالي 4 مليارات دولار سنوياً).
وقد حافظ الأخير على نظام غير فعال للرعاية الاقتصادية وعد الأردنيين بوظائف -حوالي 40% من العمال يعملون في القطاع العام- والإعانات، ومستوى ملائمٍ من التعليم وخدمات رعاية صحية لائقة، في المقابل، قبل المواطنون دوراً ثانوياً في صنع القرار السياسي.
في الأردن، يمارس كل من السلطة التشريعية والسلطة القضائية سلطة أقل بكثير من السلطة التنفيذية، ولا تزال الأحزاب السياسية ضعيفة للغاية، لكن التحديات الاقتصادية والاجتماعية تعني الآن أنها آخذة في الانهيار.
إضافة إلى هذه المشاكل، تضم البلاد حوالي 1.4 مليون لاجئ سوري وتواجه مشاكل أمنية على حدودها مع سوريا.
كما أن هناك حكومة إسرائيلية في السلطة يشعر كثير من الأردنيين بأنها قد تحاول حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن.
يعتقد البعض أن "إسرائيل" قد تدفع المزيد من الفلسطينيين إلى الأردن، لكن الأردن لا يملك المال ولا إمدادات المياه اللازمة لدعمهم.
وواجهت البلاد تحديات مماثلة -وإن كانت أقل- في العقود الأخيرة، وكان رد الحكومة من قبل هو محاولة إصلاح سياسي حسب الحاجة إلى حد كبير، لكنها لم تغير هيكل السلطة الأساسي للدولة، واستمرت محاولات الإصلاح تلك فقط طالماً استمرت الضغوط، وبمجرد أن خفت حدتها، عاد النظام إلى العمل كالمعتاد، لقد فقدت محاولات الأردن الفاترة للإصلاح زخمها.
أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أن النخبة الحاكمة في البلاد -بما في ذلك الأجهزة الأمنية- تعتقد أن الوضع الراهن، على الرغم من كونه صعباً، لا يزال أفضل من الشروع في إصلاحات قد تسفر عن نتائج لا يمكن السيطرة عليها.
يجادل الإصلاحيون بأن الوضع الراهن غير مستدام، لكنهم لم يتمكنوا من خلق حركة جماهيرية لدعم الإصلاح الجاد طويل الأمد، إنهم يريدون فتح عملية صنع القرار في البلاد، وتطوير نظام من الضوابط والتوازنات من شأنه أن يعزز السلطتين القضائية والتشريعية للحكومة مقارنة بالسلطة التنفيذية.
إن التحديات التي يواجهها الأردن كثيرة وخطيرة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها، ويعلم الملك أنه في مرحلة ما يحتاج إلى تسليم البلاد لابنه في حالة أفضل بكثير.
هناك حاجة إلى نظام حقيقي من الضوابط والتوازنات، وكذلك القوانين الانتخابية التي ستمنح الأردن نظاماً برلمانياً قائماً على الأحزاب السياسية وتحصين المحاكم من التدخل، كما يجب أن نبتعد عن نظام قائم على النفط والمحسوبية إلى نظام الجدارة المنتج.
ولهذه الغايات، أطلق الملك خطة للإصلاح السياسي تعد بنظام سياسي قائم على الأحزاب في غضون عشر سنوات، فضلاً عن برنامج اقتصادي من شأنه أن يغير الاقتصاد الأردني، يجب علينا التنويع في قطاعات مثل السياحة والتكنولوجيا، بالإضافة إلى ذلك، تم الإعلان للتو عن خطة إصلاح إداري من شأنها إعادة هيكلة وتحسين القطاع العام الأردني المتعثر.
وقد بذلت جهود مماثلة في الماضي، لكنها باءت بالفشل أثناء التنفيذ، لذا فإن الأردنيين متشككون، فيجب أن يحدث التغيير في جميع أنحاء المجتمع، خذ على سبيل المثال: النظام التعليمي يحتاج إلى تحويل تركيزه من التعلم عن ظهر قلب إلى التفكير النقدي وقبول وجهات النظر المختلفة، عندها -فقط- سينتج الأردن أجيالاً يمكن توظيفها في القطاع الخاص وفي الخارج.
كما يجب تقديم دعم مؤسسي جاد لمبادرات المساواة بين الجنسين، مثل تعديل الدستور بحيث يحظر صراحة أي تمييز على أساس الجنس، وإزالة جميع البنود التمييزية ضد المرأة في القوانين الأردنية.
لدى الأردن سجل كئيب عندما يتعلق الأمر بمشاركة المرأة في القوى العاملة: 14% فقط في العمل مدفوع الأجر، سوف يتعثر النمو الاقتصادي إذا تم تجاهل نصف السكان.
ولكي ينجح الإصلاح، يجب إحباط معارضة النخب القديمة.
إن ندرة الثقة بين الشعب والدولة هائلة، ويجب سدها من خلال تحول جدي، وإن كان تدريجياً، لفتح عملية صنع القرار السياسي في البلاد.
يجب أن تقتنع النخب بأن التغيير ليس مصمماً ليحدث على حسابهم، ولكن لصالح جميع الأردنيين.
هناك حاجة إلى حوار وطني شامل، تحت إشراف الملك، للتوصل إلى عقد اجتماعي جديد بين جميع مكونات المجتمع الأردني.
قائمة التغييرات المطلوبة طويلة، لن تتحقق بين عشية وضحاها، وستتطلب دعماً سياسياً مستداماً وتنفيذاً مناسباً.
لعقود من الزمان، ضيعت البلاد وقتاً ثميناً في التردد في الإصلاح، وإذا كانت المهمة اليوم أكثر صعوبة؛ بسبب البداية المتأخرة، فهي مع ذلك ضرورية لبقائها.