بقلم/ مهند شريم
دوت صافرات الإنذار في أنحاء العاصمة الأوكرانية كييف، صباح يوم الإثنين الموافق 17 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، وهذا الأمر لم يكن غريبا في ظل الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا منذ عدة شهور؛ ولكن الجديد في الأمر أن صوت الانفجارات لم تسمع فقط في أوكرانيا؛ بل وصل صداها إلى كل أوروبا وحتى واشنطن، وأهم ما في الأمر أن صوتها وصل إلى تل أبيب فما تردياتها؟
اتضح أن الهجمات نفذت بواسطة طائرات صغيرة مسيرة بدون طيار، وأن هذه الطائرات بحسب إدعاءات الاستخبارات الغربية والصهيونية تعود للصناعات العسكرية الإيرانية، وهذا الأمر هو الذي نفته إيران بشكل قاطع، لكن هذا النفي لم يجد آذان صاغية؛ بل على العكس، فإن عديد الدول الأوروبية طالبت بفرض عقوبات جديدة على إيران، حتى بات بعضها يهدد بإفشال الاتفاق النووي بين إيران من جهة، والغرب من جهة أخرى، وبات من الواضح أن هذا الانحياز الإيراني للجانب الروسي في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا بدأ يشكل إزعاجا كبيرا لأوروبا، التي تعتبر هذه الحرب حربا عليها بالدرجة الأولى.
أما الكيان الصهيوني فهو يرى الأمر بصورة أكثر تعقيدا وأكثر خطورة، خاصة وأنه يعتبر إيران هي التهديد الأكبر لكيانه وهي التهديد الوحيد لوجوده القائم الآن، لذلك فهي ترى تلك الطائرات الصغيرة ذات تهديد سياسي كبير؛ وذلك لعدة أسباب منها:
الأول: إن عملية تزويد إيران بطائرات لروسيا يعني تقوية الحلف القائم بينهما، وهذا يعني زيادة من التنسيق والتقاء بالمصالح خاصة في الساحة السورية، وإعطاء إيران حجم أكبر من الحرية للتحرك وتوسيع تواجدها داخل سوريا، وهو أمر عملت إسرائيل طويلا لإحباطه.
الثاني: تزويد إيران لروسيا طائرات يعني تجريب هذا النوع من الطائرات واختبارها بشكل عملي والتعرف على نقاط الضعف فيها، وبالتالي تمكن إيران من تحسينها وتطويرها وهو ما يزعج الكيان الصهيوني بشكل كبير، خاصة وأن الكيان يرى أن هذه الطائرات وشبيهاتها في أي مواجهة قادمة، سواء مع إيران بشكل مباشر، أو المقاومة اللبنانية في الشمال أو الفلسطينية في الجنوب، ستكون سلاحا موجها إلى قلب الكيان، فالطائرة التي تسقط اليوم في كييف ستسقط غدا في تل أبيب.
على ضوء هذه التطورات قامت الكثير من الدعوات داخل الكيان إلى ضرورة إجراء نقاش استراتيجي حول علاقة روسيا بإيران، وأثرها على الكيان الصهيوني خاصة وأنها اعتبرت تزويد روسيا بالطائرات تجاوزا للخطوط الحمراء، وتحديا استراتيجيا جديدا لها، ولكن ما الذي تملكه إسرائيل في هذا الصدد.
حاولت إسرائيل الحفاظ على العلاقة مع روسيا وكذلك العلاقة مع أوكرانيا وهو أمر معقد للغاية خاصة وأن الطرف الإسرائيلي يضم الغرب وأمريكيا معا، ولكن بعد قضية المسيرات ازدادت الدعوات داخل الكيان لضرورة تزويد أوكرانيا بالسلاح، واتخاذ موقف أكثر تأييدا لأوكرانيا، وهو أمر في غاية التعقيد وبحاجة للإجابة على السؤال الأهم، ما هو الثمن الذي ستدفعه إسرائيل في سوريا والمنطقة مقابل سياستها في أوكرانيا؟، وهو الأمر الذي لم تجب عليه بعد الدوائر الأمنية والعسكرية وحتى السياسية؛ لذلك ستبقى إسرائيل تحاول الإمساك بالعصا من المنتصف، وتبقي على خيط الود بينها وبين روسيا من جهة، وبينها وبين الغرب من جهة أخرى على أمل أن تتمكن من محاصرة التهديد الإيراني من جهة.