الحديث عن النهضة العربية له دوافع وشجون، كوننا كفلسطينيين نعيش على الأمل الموعود بتحررنا من الاستعمار الصهيوني الأكثر وحشية في التاريخ المعاصر، ولتتالي الأحداث مؤخراً على صعيد الساحة العربية من تشققاتٍ داخلية أصبحت عميقة مع سنوات الإذلال التي يعيشها المجموع العربي ويزيد من شحنها العدو الصهيوني الذي تسلل عبر اتفاقيات التطبيع مع بعض الدول العربية ذات الشخصية المسلوبة بحكم العقل القبلي السائد فيها؛ لينعكس كل ذلك على القضية الفلسطينية بشكل مباشر فيزيد الضعف ضعفاً والبعد عن التحرير قدراً.
ولبعض الدلالة أستخدم هنا أفكار الأستاذ "ناصيف نصار" في قراءاته العربية في نوع من الإسقاطات الفكرية على الواقع العربي عموماً ومنه الفلسطيني، وفيما قدمه "ناصيف" حول النهضة العربية أنها انطلقت ابتداءً لكن لم تحقق مرادها؛ وعليه يجب استئناف النهضة من أجل تحقيق الهدف منها، إلا أن استئناف ما لم يحقق الهدف من مقصوده يبدو زيادة التأكيد على المسار العبثي، ومضيعة للوقت كذلك يصنفها "ناصيف" -أي النهضة العربية- ضمن برامج الفشل العربي المتكرر باعتبارها أوجدت أزمة بعد ثورتها، والملموس أنها متخيلة في رأسي وليس حقيقة على أرض الواقع.
هذا وفي إرباك للصورة أكثر يدخل "ناصيف" مسألة الحرية إلى المشهد باعتبارها مفتاح العمل الذي يمكن له أن ينتج استنهاضاً لما يسميه النهضة العربية الثانية، عندئذٍ قدم الحرية باعتبارها وعي وإدراك الضرورة؛ لذلك هل الأمة العربية أصبحت فاعلة ومدركة للضرورات التي يجب استخدامها والتعامل معها، من أجل تحقيق الحرية في طريق النهضة العربية المنشود، وهنا قد يكون "ناصيف" أوقع نفسه كما وصف العرب وعثراتهم في طريقهم النهضوي في حالة من التخبط والضعف، وهدر الوقت، ويشير إلى أن النهضة ونتاجاتها ما هي إلا أزمة إن أردنا تجاوزها يجب علينا إعادة مسار النهضة ذاتها منذ البداية، إلا أن المعالجة الجذرية للنهضة كمشروع لا تتم من خلال استئناف المشروع مع بعض -كون ما بُني على باطل فهو باطل- كما هناك حاجة لإعادة روح وبكل التفاصيل والنتائج في طريق صياغة بديل نهضوي لا يقوده من أزمة دنيوية أو نهضوية في مشروع النهضة العربي.
وحتى لا نغرق في التفاصيل إن الأساس النهضوي الذي قام في نهايات القرن التاسع عشر لم يكن ذات مسار مشترك أو أرضية فكرية تكاملية أو مساراً منهجياً علمياً بقدر ما كان اجتهاداً جزئياً لرواد النهضة الأوائل الذين كانوا نوعاً ما انعكاساً للثقافة الأوروبية المكتسبة والمستوردة في محاولة لدمج واقع الأمة العربية بتلك الأفكار؛ لتكون النتيجة استفحال حالة الرجعية والتبعية للغرب عموماً، والأنكى التحالف مع العدو الصهيوني من خلال اتفاقيات التطبيع الإبراهيمية، وعليه لبدء مشروع نهضوي -ولا أقول استئناف- يجب علينا أن نكون راديكاليين عند البحث والتقصي انطلاقاً من العروض إلى الطلب الإسلامي الكثير، وليس انعكاساً سطحياً للحداثة الأوروبية.
وأيضاً لتكون هذه الراديكالية ناجحة يجب أن تكون ثورية بكل مركباتها وتفاصيلها وأدواتها، حتى يتم تجاوز القصور في الحالة الراهنة ومنها الحالة المفاهيمية، وإعادة ضبط المشروع الثوري لمنطلقات أكثر من السطحية السائدة في السياق العربي المعاصر.
ولنصل إلى سؤال هل الحرية من ستجلب النهضة العربية؟
أم أن النهضة العربية ستجلب الحرية؟
لأختم بقول "ناصيف": بأن الحرية كامنة في الخبرة الكيانية؛ لذلك يجب تصويرها حتى تتبنى المدركات الأمة العربية، حينها قد تؤدي من خلال سيطرتها الجديدة إلى صنع مشروع نهضوي يمكن تحقيقيه.