شهادة من مقدمات الانطلاقة

د. ناصر ناصر

كاتب وباحث سياسي

بقلم ناصر ناصر 
9-12-2022 

بتاريخ 29/11/1987، كان الموعد مع أول مظاهرة أو مواجهة عنيفة قام بها الإخوان المسلمون/ شباب المسجد في مخيم بلاطة القديم، والذي تبين لاحقاً أنها أحد أهم أحداث مقدمات الانطلاقة، وقد كلفني الإخوة وعلى رأسهم الشهيد القائد جمال منصور (نقيبي في الأسرة)، بقيادة هذه التظاهرة ميدانياً والتنسيق مع الأخوة في فتح للخروج المشترك بمناسبة تقسيم فلسطين.
اتفقت وصديقي القديم منسق فتح للخروج في ساعة محددة من يوم 29/11، ولكنه وبعد أن أتممنا الاستعدادات والتي كانت على شكل استعداد 30 شاب من شباب المسجد ملثمون بلثامٍ لم يسبق له مثيل، أسود وعليه مكتوب كلمة لا إله إلا الله أو الله أكبر، طلب الأخوة في فتح حينها التأجيل ،فقلت لهم قضي الأمر مستحضراً قول الرسول صلى الله عليه وسلم "ما كان لنبيٍ إذا لبس لأمَتَه أن ينزعها"، وفعلاً كانت مواجهة عنيفة شارك فيها كل أهل المخيم الذين كانوا ينتظرون كعادتهم من يشعل الشرارة لينطلقوا؛ وأصيب العديد من الشباب بالرصاص الحي ومنهم أحمد ومنير. استغرب الناس حينها من اللباس الجديد ومن اندفاعة الشباب نحو المواجهة فمن هم هؤلاء؟ تسائل الناس ،وما هذا العلم الفلسطيني المزين بلا إله إلا الله؟ وقد وصل الاستغراب حينها إلى العنوان الرئيسي لصحيفة يديعوت أحرونوت في اليوم التالي. وقد تبين لي لاحقاً أن مظاهراتنا في بلاطة كانت فيما يبدو الاستجابة الأولى للقرار الفعلي لانطلاقة حماس على إثر الاجتماع الذي انعقد في أواسط أكتوبر 1987 في منزل المرحوم الأستاذ حسن القيق في دورا، وشارك فيه كل قيادات الإخوان المسلمين في فلسطين.  
كانت أجواء المخيم مشحونة باستمرار، وكان الناس يواجهون قوات حرس الحدود المنتشرة في المخيم منذ أشهر طويلة، ولم تكن المواجهات والجرحى والشهداء ومنع التجول بالأمر الغريب عن مخيم بلاطة بشكل خاص والمخيمات في الضفة بشكل عام  ،ومن ذلك استشهاد عمتي أم محمود في تلك الأيام.
في يوم الجمعة 11/12 قام الشيخ إبراهيم إمام مسجد المخيم بإلقاء خطبة عفوية وصادقة، حول ظلم دوريات الجيش الراجلة التي كانت تتحرش بأهالي المخيم وتضرب وتستفز، وخرج الناس من مسجد المخيم معبئين ساخطين وما إن وجدوا أمامهم دورية راجلة لحرس الحدود حتى أمطروها بالحجارة، واشتعل المخيم واستشهد يومها ثلاثة هم طفل وامرأة وفتاة ،وأصيب أكثر من ثلاثين آخرين، وهي أعداد كبيرة وصادمة في أعراف تلك المرحلة، وللأمانة العلمية لم تكن أحداث المخيم على علاقة مباشرة بحادث المقطورة في غزة؛ولكن (فالتقى الماء على أمر قد قدر)، ثم انتشرت المواجهات بالتدريج في كل أنحاء الضفة الغربية وليطلق عليها لاحقاً اسم الانتفاضة الأولى/ الحجارة وهي من أعظم أحداث الشعب الفلسطيني التاريخية.  
دعانا القائد الشهيد جمال منصور إلى بيته في نهاية شهر ديسمبر للمبيت في منزله في شارع القدس لنقوم بتوزيع أول بيان للحركة؛ وكأننا سنقوم بعملية معقدة وتم توزيع البيان، حينها سألت أستاذي أبو بكر هل هذا الأمر هو ردة فعل عابرة أم أنه قرار استراتيجي وثابت في المشاركة؟ قال: بل هو أمر ثابت وقرار استراتيجي لا رجعة عنه، فسررت جداً وأنا الشاب المندفع حينها، ولكن الملتزم بالقرار القديم بعدم المشاركة حتى تكتمل التربية؛ كنا بفضل الله نصنع التاريخ ونحن لا نعلم حينها بذلك.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023