ربع قرن من الاعتقال ... حسبنا الله ونعم الوكيل

علاء حميدان

كاتب وناشط مجتمعي

ربع قرن من الاعتقال ... حسبنا الله ونعم الوكيل
الكاتب علاء حميدان



اليوم يكمل ربع قرن متواصل في سجون الاحتلال!!
حاصل على (3) شهادات بكالوريوس، وشهادتيْ ماجستير، 
ويكتب حالياً رسالتيْ دكتوراه !! 
حين سُئِل: ماذا تقول بعد أن أمضيت أكثر من نصف عمرك في الأسر؟! أجاب قائلاً: حسبي الله ونعم الوكيل!!
إنه الأسير القائد المحكوم بمؤبدين (عبد الناصر عيسى) الذي تقدّم بصدق أفعاله، فقلّت كلماته حتى أصبحنا نتلقّفها، لنولّد من حروفها ألف قصة ورسالة ومعنى! (حسبي الله ونعم الوكيل)، إنها الأكسجين الذي يتنفّسه (عمالقة الصبر الجميل) كلما ضاقت صدورهم! إنها شيفرة الأمل الدائم بالله واهب الحرية والتحرير! إنها البعث المتجدد للشعوب المكبوتة حين يذلّ حكامها المتواطئون المطبّعون أمام أسيادهم! إنها كلمة المرور إلى حِمى الله الملك العظيم! إنها خطّ الاتصال الساخن بين الأرض والسماء في دنيا الظالمين الموغلة في قهر الرجال! 
حَسْبَلة القائد الأسير، تبدو غزيرة ومكثفة ويقينية بالحق المتوّج بوعد الله المشروط (إنْ تنْصروا الله ينصرْكم ويثبتْ أقدامَكم)، ولكنها في الوقت ذاته مؤلمة، نعم؛ فقد طال تغييبه عن فلسطين رغم أنه يقبع في أعماقها المحتلة منذ ربع قرن! وقد فقدَ - بالموت والشـ هادة- والديْه وأحبّاءه الذين كانوا ينتظرون عودته، بل ويستحثّونها عبر كل سبيل! 
سجّانوه الذين يعرفون ملامحه أكثر منا، لقد شاخوا وعجزوا وهم يرصدون همساته، وتأملاته، ورؤاه الوطنية الجامعة للكل الفلسطيني! أما جدران الزنازين والسجون فقد احْدَوْدَبَت، وهي تضيّق عليه زوايا النسيان والخذلان! ولكنّ روحه الشبابية الحرة الطليقة الأبية الحليمة الدّمثة الملهمة، وإيمانه العميق بالله العظيم، وإرادته القوية، كانت وما زالت وستبقى – بإذن الله - تأبى التشكّل والتكّيف في قوالب الهزائم النفسية التي شكّلها الاحتلال وما زال لأسرانا وشعبنا الصامد المرابط بغطاء رسمي عربي! 
فإذا بعنقه العتيقة الطويلة، تشرئبّ شامخة بقامته المنتصبة، وهامته المرفوعة، كي تعلوَ وتسموَ على الذين تطاولوا في البنيان، ولكنهم ذلّت رقابهم على موائد التطبيع وفي غرف العار!. قامة وطنية اخترقت بهامتها سُقُفَ المكان وجدران الزمان؛ كي تصنع من أشعة الشمس - المنعكسة عن قبة الصخرة المشرفة في القدس التي تُخفض لها أجنحةٌ الذلّ من الحب - نوافذ الأمل والحرية المنشودة للأسرى وشعبنا العظيم، فإذا بها تحلق عالياً بين جناحي الوطن السليب؛ كي تبني مع بقية الأسرى الكبار جسور الوحدة الفلسطينية، وقواعد المصالحة الوطنية الملحّة، لمواجهة التحديات التي تعصف بالحقوق الفلسطينية... قامة من القامات العليا، تراها تحاول ومن معها لملمة جراح الوطن، وقد تجاهلت أكواماً من الآلام والجراحات الذاتية الغائرة عبر السنوات المتراكمة، التي استحالت فيها قضبان السجون مناشير تنحت الأعمار الطويلة بإيقاع بطيء... 
عبد الناصر عيسى، ذلك الرجل الذي يُصنع على عين الله، يُعدُّ مدرسة أصيلة وحديثة ومعاصرة في جامعة يوسف – عليه السلام- وروحاً وثابة مشّاقة كيراع حرّ، شُواظ الحق أرهفه سيفاً! يتمتع بعقلية مفكرة، وطاقة علمية متقدة، وهو قارئ وبحّاثة وكاتب نِحْرير، يلتهم وجبات العلم والثقافة والسياسة والتحليل وتقدير المواقف كأنه مركز للخبرات والبحث والتفكير، كيف لا ؟! وقد حتى حصل بجدارة على عدة شهادات علمية داخل قلاع الأسر. 
عبد الناصر وإخوانه ورفاقه الأسرى الكبار من كل الفصائل، ما أحوج فلسطين إليكم، فأنتم والشــ هداء صور متقدمة وخالدة في سجلّ شعبنا المعطاء، ويجدر بشعبنا أن يقدّمها دائماً إلى شعوبنا العربية والعالم.
 صور تعلو على بعض الصور المشوّهة بأوسلو وإفرازاته المحرجة... بل إنّ شعبنا في أمس الحاجة إليكم محرَّرين وقادة على الأرض، يساهمون في الجهود المخلصة لإنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة الوطنية، وإحياء القضية الفلسطينية من جديد، بهدف التغيير والتحرير. 
عبد الناصر، سلام عليك وعلى من معك، يا من ستكون أعماركم الحرة – بإذن الله - أطولَ من عمر الاحتلال. 
أهديك آيتي المعشوقة (واصبِر لِحكْم ربِّك فإنّك بأعيننا).

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023