بقلم:
ناصر ناصر
تزايدت في الآونة الأخيرة تصريحات شخصيات إسرائيلية كبيرة، تحذر من إمكانية اندلاع حرب أهلية، أو ما يطلق عليه في "إسرائيل" أيضاً "حرب إخوة" داخل المجتمع الإسرائيلي، وذلك على خلفية تزايد قوة ونشاط اليمين الديني المتطرف بقيادة بن غفير وسموتريتش وآفي معوز، والليكودي المتشدد سياسياً؛ وزير العدل ياريف ليفين.
وتمثل ذلك بانتزاع تنازلات جوهرية من الليكود برئاسة رئيس الحكومة نتنياهو، لصالح المواقف والرؤية المتطرفة لليمين واليمين الديني في قضايا الدين والدولة والجيش والمجتمع والسياسة والمنظومة القضائية، وهوية الدولة والعلاقة مع الفلسطينيين وغيرها.
فهل فعلا يمكن أن تعكس التصريحات والمواقف تهديداً حقيقياً باندلاع حرب أهلية في "إسرائيل" بين اليهود أنفسهم؟ أم أنّها لا تعدو كونها مناكفات سياسية جاءت على خلفية هزيمة معسكر الوسط- يسار في "إسرائيل"؟ أم غير ذلك؟
كانت تصريحات وزير الدفاع رئيس المعسكر الأخير، بيني غانتس، من أبرز التصريحات التي حذرت من إمكانية اندلاع حرب أخوة، إضافة لتصريحات الأب الروحي لتيار واسع من القضاة، وهو البرفسور أهارون باراك، الذي قال: "إن تم تطبيق خطة ليفين ضد القضاء بالكامل سيكون بداية خراب الهيكل الثالث." وكذلك تصريحات وزير الدفاع ورئيس الوزراء الأسبق أيهود باراك، في يديعوت أحرنوت.
ومن جهة أخرى تأتي تصريحات العميد تسفيكا فوجل، من كبار شخصيات حزب قوة يهودية برئاسة بن غفير، الذي طالب فيها باعتقال أربعة من رؤساء للمعارضة، وهم لابيد وغانتس ويائير جولان وموشيه يعلون. وأجاب نتنياهو على ذلك قائلاً: "في دولة ديمقراطية لا يعتقلون رؤساء المعارضة، أيضاً لا يطلقون على وزراء في الحكومة لقب النازي، أو يطالبون المواطنين بالعصيان المدني".
ما يجري في "إسرائيل" حالياً من خطاب ونقاش عام عنيف من جهة، والتغيرات الجوهرية المطروحة من جهة أخرى، هو تعبير عملي عن التغيرات العملية والسياسية العميقة التي بدأت وما زالت مستمرة منذ أكثر من عقدين، فاليمين واليمين القومي الديني المتطرف يتصاعد سياسياً، وعلى مستوى الحكومة والكابينيت بالدرجة الأولى، ولكنه ما زال لا يستطيع الخروج عن قواعد النظام السياسي، التي أرساها الآباء المؤسسون لدولة الاحتلال، ومعظمهم من العلمانيين من معسكر الوسط- يسار، وعلى رأسهم دافيد بن غوريون.
وقد وجد هذا اليمين بفوزه الواضح في الانتخابات الأخيرة؛ فرصة سانحة لإجراء تغييرات عميقة في قواعد النظام السياسي، مستغلاً أزمة الانتخابات المتكررة منذ سنوات، وحالة الضعف التي يعاني منها نتنياهو، وقد تبدو فرص هذا اليمين عالية لإحداث تغييرات مهمة، وقد لا تكون بالضرورة بالعمق والحدة التي يريدها اليمين.
والأشهر القادمة ستكون حاسمة في موضوع مدى أو مستوى التغيير الجوهري الفعلي، لكن ما يبدو حتى هذه اللحظة أن هذه المقترحات والتفاهمات الحكومية بين نتنياهو وشركائه قد لا يتم تطبيقها بصورة كاملة، وبالتأكيد حتى لو تم تطبيقها بصورة جزئية فهي مهمة وعميقة.
تشكل التصريحات الحادة المحذرة من "حرب إخوة"، أي حرب بين اليهود واليهود، (وهو مصطلح ذو معاني تاريخية صادمة في التاريخ اليهودي عن حالة من التوتر والعنف الكلامي والاستقطاب غير المسبوق، بين جزء كبير من العلمانيين بما يشمل كل معسكر الوسط- يسار وبعض اليمين واليمين الليبرالي، وبين جزء كبير من المتدينين، ومنهم الصهيونية الدينية المتطرفة)، إحدى ذروات التصدعات والانشقاقات التقليدية في "إسرائيل" بين العلمانيين والمتدينين وبين اليمين واليسار، ولكنها لا تبدو بأنها ستؤدي لحرب أهلية عنيفة بالتأكيد، أو غير عنيفة على الأرجح.
وقد تكون نتائج مظاهرة السبت للوسط- يسار في القدس وتل أبيب أحد أهم المؤشرات على توجه الأحداث وتطور الأمور في "إسرائيل".
لا يقلل التوقع بعدم حصول "حرب إخوة" في "إسرائيل"، وترجيح نظرية زيادة حدة التصدع؛ من أهمية الأحداث وآثارها وتداعياتها العميقة في المجتمع والسياسة والجيش في "إسرائيل"، خاصة أن التوقع الراجح أن يتم تخفيف بعض القرارات والاتفاقات الائتلافية، خاصة فيما يتعلق بالثورة القضائية المعادية للمحاكم والتغيرات في علاقة الحكومة بالجيش والسياسات ذات الأبعاد الدولية.
وفي كل الأحوال، ستستمر دولة الاحتلال والتناقضات الداخلية العميقة في المضي قدماً في حالة التآكل الداخلي المستمر، ما لم يتداركها "حكماء بني صهيون"، أو تُحسن قوى التحرر والديمقراطية في فلسطين والعالم انتهاز هذه الفرصة بتعزيزها، وكشف ذهنية وعقلية الاحتلال والاغتصاب والعنصرية لدى مؤسسات "إسرائيل" السياسية والاجتماعية، وبالتالي توجيه ضربات قوية لمكانتها المحلية والإقليمية والدولية.