القناة الـ12
إيهودي يعاري
بدأ الانزلاق التونسي على المنحدر الحاد للجنون السياسي في أعقاب الانتخابات الحرة، ففي عام 2019، انتخب الجمهور التونسي بأعداد كبيرة -أكثر من 70٪ من الأصوات في الجولة الثانية- ألموني، البالغ من العمر الآن 65 عامًا، والذي أتى من خارج النظام السياسي، هو أكاديمي غير معروف، الذي أجرى حملة شعبوية تنضح بصوت رتيب ممل من أجل القضاء على الفساد، وإنعاش الاقتصاد الفقير، وكبح الجشع الاستفزازي للأحزاب.
بالمناسبة، كان قيس سعيد فخورًا في الوقت الذي أنقذ والده اليهود من عائلة حليمي خلال النشاط النازي في تونس، لكنه اليوم يرفض التطبيع مع "إسرائيل".
كانت نواياه جيدة: كان يؤمن بـ"السياسة الجديدة" وما ثبت أنه مهم بشكل خاص - وقف الجيش إلى جانبه، كما سئم الجنرالات من رؤية برلمان مشلول، تلتهمه المعارك بين الكتل والتغييرات السريعة للحكومات.
ثم جاء وباء الكورونا، وانهيار الاقتصاد الهش، وتزايد عنف الشرطة، وبدأ أستاذ القانون المتواضع في اضطهاد وإقالة رؤساء الوزراء الذين عينهم بنفسه.
لقد اعتاد على الحديث مطولاً عن "مؤامرات" مجهولة تحاك سراً ضد الدولة، وقال إن مؤامرة دولية جارية بأقصى سرعة لإغراق تونس بالمهاجرين من إفريقيا وإغلاق الباب على هويتها العربية.
النتيجة: موجة من الهجمات الوحشية على السود، بما في ذلك السكان المحليين، والمواطنين من أجيال.
في العامين الماضيين، حل سعيد البرلمان، وعلق الدستور وأقر دستوراً آخر، مما منحه سلطات غير محدودة (فقط أقلية صغيرة، بالطبع، اهتمت بالمشاركة في هذا الاستفتاء).
يرسل إلى السجن عشرات الشخصيات السياسية والمحامين ورؤساء جمعيات مختلفة، لقد شحذ اللهجة تجاه مجتمع المثليين، ويعارض بلا خجل الحقوق المتساوية للمرأة.
قام بحل "مجلس القضاء الأعلى" (المحكمة العليا المحلية)، وخرج مئات القضاة في مظاهرات عاصفة أمام قصره، ومؤخراً اتبع نظام نتنياهو-ليفين-روثمان، وعين القضاة في المجلس بنفسه.
كتب حافظ الجويل مؤسس "مبادرة ابن خلدون" هذه الأيام أننا في تونس تعلمنا الدرس مرة أخرى: لا ديكتاتورية "مستنيرة".
من يعد بـ "إصلاح" النظام لن يفى بوعده، فقد انخفض متوسط دخل الفرد، على سبيل المثال، من 4،400 دولار أمريكي سنويًا إلى 3،500 دولار أمريكي.
بينما تنحدر الطبقات الوسطى نحو الفقر، فإن شريحة من كبار رجال الأعمال، ومعظمهم من الأثرياء الجدد، أصبحوا حلفاء للرئيس الذي يحكم بموجب الأوامر والجنرالات الذين يقفون وراءه بهدوء.
لقد كانت تونس الوعد الكبير بـ "الربيع العربي"، تحقيق حلم سحق الديكتاتورية، ولكن التجربة فشلت أيضًا في غضون عقد واحد فقط، لقد ولدت الثورة نوعًا جديدًا من الديكتاتورية، نوع يعد بالديمقراطية لكنه لا يحافظ عليها.
وكما هو الحال معنا، فإن فقدان الثقة بالسياسيين من جميع ألوان الطيف يدفع بالحشود إلى الشوارع، لكن هناك، على عكس هنا، يقود اتحاد النقابات العمالية -وهو ما يعادل الهستدروت هنا في "إسرائيل"- الاحتجاج.