بقلم/ ناصر ناصر

لا يمكن لعاقل حر أو وطني أن يمر على حالة الأسير الفلسطيني رائد السعدي، دون أن يقف مشدوهاً حائراً أو مقهوراً من هذه الحالة النموذج، فالأسير القائد رائد السعدي والمعتقل منذ آب 1989، بتهمة المشاركة بمقاومة الاحتلال الصهيوني الغاشم.

لم تنجح حركات المقاومة الفلسطينية في إطلاق سراحه، وذلك على فرض أنها قامت بمحاولات جدية لذلك، رغم أن هذه فرضية يرفضها الكثير من أصدقاء وزملاء رائد.

إن عدم إطلاق سراح أسير فلسطيني واحد بعد 30 عاماً، وفي حالة القائد رائد 34 عاماً لهو طامة كبرى: فكيف يتم ذلك، ومن خلفه شعب عظيم ومقاومة باسلة، وتنظيم هام وفعال قد ملأ سمع العالم وبصره واسمه الجهاد الإسلامي؟ هل فعلاً إطلاق سراح رائد وأمثاله من الأسرى الفلسطينيين هو أولوية للمقاومة؟ وعلى وجه التحديد أولوية للجهاد الإسلامي وسراياه المظفرة؟ أم أنها مجرد شعارات لا رصيد لها على الأرض؟ لا شك بأن الإجابة مؤسفة؛ فرائد وغيره عشرين أسيراً فلسطينياً قد قضوا أكثر من 30 عاماً في الأسر بشكل متتالي، أما بشكل تراكمي فالأرقام أكبر من ذلك، ومن هؤلاء الأخوين المجاهدين محمد وإبراهيم إغبارية.. فأين أنتم يا أحرار فلسطين؟ أين أنتم يا أبطال السرايا؟ من لرائد وأمثاله؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل.

هل يمكن لفلسطين أو لإنسان حر ألا يعتبر رائد إلا شاهداً حياً على مرحلة بأكملها، ونموذجٍ فلسطيني شامل؟.

فرائد شاهد على صبر وثبات الأسير الفلسطيني وهو يواجه وحده بطش السجان وظلمة السجن، فقد ثبت رائد وتفاعل وأعطى نموذجاً في السلوك.. التعلم والتعليم فقهر السجان.

رائدٌ شاهدٌ على تقصير الأحبة، أو عجز الأخوة والأبناء عن القيام بواجبهم الديني والوطني والأخلاقي والإنساني، باستنقاذ الأسرى مهما كلفت الأثمان.

رائد شاهد على مدى الانفصام النكد بين الخطاب العالي والأعمال المحدودة، وأحياناً المعدومة في قصة إطلاق سراح الأسرى من خلال التبادل المشرف.

رائد السعدي بسنواته الـ34 خلف القضبان شاهد على قسوة الاحتلال ومدى عنجهيته وتنكيله بالأسرى.. فمن يزعمون أنهم أبناء وأحفاد" محرقة هتلر النازية"، يمارسون أشد أنواع الأذى والتنكيل بأسرى مكبلين مقدين، ويطلقون عليهم في زنازينهم قطعان" المتسادا واليماز" وغيرها من التسميات الكبيرة.

لو سألتم رائداً وقد سألته قبل أيام: "ما هي رسالتك لإخوانك المجاهدين في هذه الذكرى الأليمة؟"، فقال بقلب يعتصره الألم:" أن كنت قد مكثت 34 عاماً، فمن الجريمة أن يمكث غيري قريباً من هذه السنوات.

إن لم يكن إطلاق سراحي أولوية لكم.. فعلى الأقل ليكن ترميم قيم وأخلاقيات الجهاد في التركيز على الوفاء والأخوة هو الأولوية الأولى لكم، فهي قيم تنزف وتتراجع في ظل عشرات بل مئات الأسرى ممن قضوا السنوات الطوال داخل الأسر.

فادركوا أخلاقكم ومبادئكم قبل أن تدركونا.

ولا نقول إلا ما يرضى ربنا.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

رائد الشاهد القائد لإخوانه وأبناء شعبه، في ذكرى اعتقاله في العام 1989.