بقلم/ عبد الله أمين
أولاً: الموقف:
لليوم الخامس على الحرب التي أطلقت عليها حركة المقامة الإسلامية "حماس" تسمية "طوفان الأقصى" وأطلق عليها العدو الإسرائيلي اسم "السيوف الحديدية"، لليوم الخامس ما زال العدو يستخدم كثافة نارية غير مسبوقة في تاريخ حروبه، فقد صرح بعض قادته أنهم أطلقوا في هذه الأيام الخمسة كمية من الذخيرة لم تطلق في الأربع سنوات الماضية.
إلا أن هذه النار ليس الهدف منها التدمير الدقيق، أو التحييد المُهدّف؛ فقد دمرت أحياءً بكاملها، وأبادت أسراً عن بكرة أبيها، فما ما يحكم التدبير القيادي هذه النار إلى الآن ما قاله وزير دفاع العدو: "التدمير والحاق الأذى"، وهو ما أكد عليه الناطق باسم جيش العدو "دانييل هاغراي" لاحقاً؛ فقد دُمرت أحياء بكاملها في شمال القطاع وشرقه مثل، حي السكة وزمو وشعشاعة، وتل الزعتر، كما طال التدمير أحياء الكرامة والعامودي وأبراج المقوسي جنوب القطاع، كما لم تسلم أحياء شرق رفح وغرب خان يونس من دمار العدو وبطشه.
إلّا أن اللافت إلى الآن أن ما يستخدمه العدو من نيران مختلفة الصنوف والأعيرة والمديات، لم تُستثمر في دعم أي مناورة برية على أي محور من المحاور التي حشد وعبئ قواته عليها.
وفي (حفلة) النار هذه لم تسلم مناطق ساحل قطاع غزة، خاصة الشمالية منه من القصف والاستهداف؛ فقد قصفها العدو أكثر من مرة ، موحياً أن عملاً ما قد يكون أخذ قراره في جبهة القتال هذه. هذا وقد واكبت الجبهة الشمالية ما تتعرض له غزة من قتال، حيث أطلقت المقاومة الإسلامية "حزب الله" صاروخاً موجهاً في الساعة 1030 على موقع "الجرداح" الإسرائيلي، موقعة إصابات محققة في جنوده العاملين فيه، في عملية رد على استشهاد ثلاثة مقاومين ينتمون لحزب الله في عملية "الظهيرة" في 09 10 2023.
هذا وقد استمر ظهور مواقف التأييد الغربي للعدو في عدوناه؛ حيث أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنه في طريقه إلى الكيان المؤقت؛ في رحلة الهدف منها إظهار التأييد والتضامن مع العدو، كما صرح الأمين لعام لحلف الناتو "ستولنبرغ" من أن الحلف يقدم الدعم الاستخباري والمعلوماتي للعدو.
كما أعلن الناطف باسم وزارة الدفاع الأمريكية "جون كيربي" أن طلائع الدعم العسكري المادي للعدو قد بدأت بالوصول إلى الكيان المؤقت.
أما أهم التطورات التي طرأت على الموقف في 24 ساعة الماضية، فهو إعلان العدو عن تشكيل حكومة الطوارئ، الأمر الذي لم يقدم عليه الكيان المؤقت منذ عام 1973، حيث انضم الجنرال "بني غانتس" والجنرال "غادي أيزنكوت" والسفير السابق لدى الولايات المتحدة "رون دريمر" إلى حكومة العدو، مشكلين مجلس حرب مصغر مكون من، نتن ياهو رئيساً، يواف غلانت عضواً، بني غانتس عضواً، وكلاً من أيزنكوت ودريمر أعضاً مراقبين، على أن ينعقد أول اجتماع لمجلس الحرب هذا ظهر اليوم 12 10 2023، ثم تعرض حكومة الطوارئ الموسعة لاعتماد أعضائها من الكنيست مساء نفس اليوم، كما بقي العدو في حالة (تخبط) وتخوف ظهرت في كثير من البلاغات والانذارات التي صدرت عنه، ثم ما لبث أن تراجع عنها، معلناً أن خطأ تقنياً كان وراء هذه البلاغات.
وفي السياق نفسه فقد أعلن العدو أنه أنهى بشكل كبير عمليات التعبئة والحشد لقواته في غلاف غزة، ثلاث فرق، وأنه سينتقل إلى مرحلة الهجوم، بعد أن كان في طور استيعاب الضربة والسيطرة على الموقف وامتصاص تداعياته.
هذا وقد أعلن العدو أنه قد أنهى اخلاء ما يقارب من 75% من سكان مغتصبات الشمال الفلسطيني.
أما فيما يخص عداد خسائر العدو؛ فقد بلغت حتى الآن ما يقارب 1300 قتيل و3192 مصاب، إصابة 364 منهم بليغة أو هم في عداد الموت السريري.
أما في الجهة المقابلة ـ المقاومة ـ فقد استمرت فصائل المقاومة بدك مغتصبات غلاف غزة، والعمق الفلسطيني بصليات الصواريخ والمدفعية، حيث وصلت رشقات صواريخ المقاومة إلى "حيفا" و"تل الربيع"، كما بقيت عمليات تسلل س 1600 زكيم وأشكول، المقاومون إلى مغتصبات الغلاف، وإن بشكل محدود، قائمة كلما سنحت الفرصة، حيث واصل المقاومون الاشتباك مع العدو في "زكيم" وغيرها من مغتصبات الغلاف ، وفقاً لما قاله الناطق العسكري باسم العدو؛ عندما أعلن أن منطقة غلاف غزة ما زال فيها مقاومون، وأنها ما زالت منطقة عمليات حربية.
كما تمكنت المقاومة وفق ما صرح به الناطق الرسمي باسمها من إجراء عمليات تبديل لعديدها في محاور "زكيم" و"عسقلان" و"صوفا".
هذا وقد أعلن العدو مساءً يوم 11 10 أن سرباً من الطائرات المسيرة قد اخترق شمال فلسطين، وأن طائرة مسيرة وصلت إلى أجواء ديمونا.
كما استمرت مظاهرات التأييد والتضامن مع قطاع غزة والمقاومة فيه، في مختلف العواصم والمدن العربية والإسلامية، وبعض المدن الغربية، أما فيما يخص الضفة الغربية؛ فقد بقيت تحت الضغط المعادي، حيث حوّل العدو مدنها ومخيماتها إلى (معازل) وسجون كبيرة، مانعاً الاقتراب من حواجزه ومقراته، تحت طائلة القتل والاعتقال، إلّا أن الفعل المقاوم بقي حاضراً من خلال الاشتباك والاحتكاك مع هذا العدو، والذي نجم عنه استشهاد مجموعة من المقاومين، في جنين ونابلس، أما عن شهداء المقاومة وبيئتها، فقد بلغت حصيلة شهداء شعبنا في هذه المعركة وحتى كتابة هذا "الموقف" ما يقارب 1100 شهيد و5339 مصاب.
أما عن أبرز ما اتسم به الموقف في الـ 24 ساعة الماضية فقد كان على النحو الآتي:
1. مواصلة المقاومة دك مغتصبات العدو ومدننا في الداخل المحتل، بصليات الصواريخ والمدفعية.
2. الساعة 1030 تجدد إطلاق الصواريخ ـ عملية حزب الله من جنوب لبنان نحو مواقع العدو، عملية "الجرداح".
3. الساعة 1315 إعلان المقاومة عن نجاحها في إجراء عملية تبديل للعديد في محاور "زكيم" و"عسقلان" و"صوفا".
4. الساعة 1830 الإعلان عن دخول سرب من الطائرات المسيرة من شمال فلسطين المحتلة، وكذا رصد طائرة غير مأهولة في أجواء مفاعل ديمونا النووي .
5. الساعة 1850 الإعلان عن قصف حيفا بصاروخ R160 .
6. الساعة 2020 إعلان الناطق العسكري للعدو ببقاء الخطر في مغتصبات غلاف غزة، وأن المنطقة ما زال فيها مقاومون، وأنها ما زالت منطقة عمليات حربية.
7. الساعة 2300 الإعلان عن تشكيل حكومة الطوارئ المعادية، وإعلان أقطابها، نتن ياهو، غالنت، غانتس، مواقفهم مما يجري في الكيان، ورؤاهم للتعامل معه والذي اختصر بإجماعهم أن (الأمة) موحدة خلف جيشها، وأنهم يتمتعون بأعلى مستوى من الدعم الدولي لما يقومون به من فعل ضد غزة.
8. الإعلان صبيحة هذا اليوم الساعة 0841 عن قصف العمق الفلسطيني نتانيا قرب حيفا، أرئيل شمال الضفة، بصلية من صواريخ المقاومة.
9. تصريح الرئيس الروسي بوتين حول نشر حاملات الطائرات الأمريكية شرق المتوسط، وأنها "لن تخيف أحداً"، وما يحمله هذا التصريح، مع الرفض الصيني لإدانة عملية المقاومة في غزة، من دلالات سياسية يبنى عليها.
ثانياً: التحليل والتقدير:
نعتقد أن العدو ما زال تحت أثر الصدمة وإن بدأ يستعيد وعيه، وأنه ما زال متهيباً من أي عمل بري، فضلاً عن أخذ قرار الاجتياح الكامل وإعادة الاحتلال، الأمر التهيب الذي يمكن تفسيره على أنه ناتج من عدم الثقة بكفاءة القدرا ، والتخوف من المفاجآت، وعدم الرغبة في تحمل مزيداً من المسائلات والمسؤوليات، لذلك فإن ذهابه إلى تشكيل حكومة طوارئ إنما جاء تحت ضغط داخلي، متمثل بالرغبة في البحث عن شركاء في تحمل المسؤولة، وما سيلي الحرب من جلسات لجان تحقيق ومحاسبة، وضغط أمريكي خلاصته أنه لا يثق بالفريق الذي يدير الموقف، ويتحكم بمجريات الحرب وتداعياتها.
لذلك فإن تهيب العدو من العمل البري، يحمله على تعويض هذا الأمر واستبداله بعمليات القصف المكثف، ومحاولة تدمير ما يمكن من أصول بشرية ومادية للمقاومة وحاضنتها، موزعاً هذا القصف على أكثر من جغرافيا وأكثر من موقع.
إلّا أن إعادة تشكيل الحكومة، ومن ثم فريق إدارة الحرب، وإعلان العدو أنه أنهى تقريباً تعبئة وحشد قدراته الهجومية ثلاث فرق عاملة مع أسلحة إسنادها النارية والإدارية، تجعلنا لا نلغي احتمالية قيام العدو بعمل بري محدود، الهدف منه تحقيق موقف قتالي أفضل له، يمكنه من فرض شروطه في المفاوضات القادمة، وهنا لا نزال نعتقد أن العدو لن يقدم على اجتياح شامل أو إعادة احتلال للقطاع، لما لذلك من أكلاف بشرية ومادية لا يمكن له أن يتحملها، وأن خيار عمله البري قد يبقى على شكل توغل بري محدود، يسيطر أو يحتل من خلاله بقعاً جغرافية من قطاع غزة، يستخدمها بمن فيها ومن فيها كورقة ضغط بعد انتهاء المعركة، وهنا فإن عمليات القصف المعادي تشير إلى أن هذه الجغرافيا، في حال قرر العدو المضي في هذا الخيار، خيار الاحتلال أو السيطرة الجزئية، قد تكون في شمال القطاع، العطاطرة، السلاطين، السودانية، أو في شرقه، التفاح الشجاعية جباليا.
كما أن العدو سوف يبقى يناور بالنار لكشف خطوط دفاع المقاومة وانتشارها، ليقيم العدو ما يواجهه من تهديد وقدرات، ليبني على الشيء مقتضاه من قرارات وخطط، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المقاومة ترسل من الإشارات ما يشير إلى أنها ما زالت تتحكم بقدرات قيادة وسيطرة معتبرة عمليات التبديل، فضلاً عن قدرات اشتباك وقتال عمليات القصف المستمر يُحسب له حساب.
كما أننا لا نعتقد أن تطور الأحداث في شمال فلسطين، سوف يؤدي إلى فتح جبهة قتال كاملة العيار بين حزب الله والعدو الإسرائيلي، لما لهذا الأمر من تداعيات محلية و إقليمية ودولية، وستبقى عمليات الاحتكاك مسقوفة بسقف الفعل ورد الفعل، مع ما سيمارسه "حزب الله" من عمليات دعم وتسهيل لأي عمل مقاوم تقوم به الفصائل الفلسطينية انطلاقاً من لبنان، أو ما سيقوم به بذاته عبر حلفائه في جبهة الجولان.
كما نعتقد أن أي عمليات مبادرة تقوم بها المقاومة خلف خطوط العدو، أو على الحافة الأمامية لمنطقة القتال، حيث حشود العدو وقواته، مع ما سيصاحب مثل هذه التعرضات من عمليات اشتباك خارجية مع العدو في الشمال، فضلاً الضفة الغربية، ومناطق الثمانية والأربعين، أي عمل من هذا النوع سوف يربك صانع القرار ومتخذه عند العدو، وسيؤخر أي عمل بري قد يقدم عليه العدو لاحقاً، لذلك نوصي بالآتي:
1. حماية أصول المقاومة البشرية والمادية، والحد من قدرة العدو على الحاق الخسائر بها.
2. التعرض لقوات العدو في مقدمة الجبهة وخلف خطوط العدو، ومنعه من الاستقرار والانتشار الآمن في منطقة العمليات.
3. عدم الاستجابة لاستفزازات العدو التي يقوم بها، كاستطلاع قتالي لكشف استعداد وانتشار قوات المقاومة.
4. الاقتصاد بالقوة وادخار المؤثر منها لمرحلة التقدم البري في حال أقدم العدو عليه.
5. ضرب مناطق حشد العدو وتجمعه في غلاف غزة، أو المناطق المتاخمة للحافة الأمامية لمنطقة القتال.
6. الدفع بدوريات استطلاع وجمع معلومات فقط خلف خطوط العدو، لجمع معلومات صلبة عن بنية واستعداد وانتشار العدو في عمق منطقة العمليات.
7. تأمين مؤخرة قوات المقاومة وجبهتم الداخلية، والحذر من عبث عملاء العدو وعيونه، المعلوماتيين أو العملياتيين فيها.
8. مزيداً من الاحتكاك مع العدو لتثبيت قواته في الضفة الغربية ومناطق الثمانية والأربعين وباقي المناطق الحدودية.
9. تزخيم الحراك الشعبي المؤيد للمقاومة في مختلف العواصم والمدن العربية والإسلامية والغربية.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
