أولا : الموقف :
اليوم الثاني عشر لمعركة" طوفان الأقصى"؛ يوم القصف العشوائي المتنقل ، من الشمال إلى الجنوب ، ومن الشرق إلى الغرب ، يوم مجزرة مستشفى " المعمداني " بامتياز ، حيث ارتقى ما لا يقل عن الـ 500 شهيد من جراء قصف العدو لباحة المستشفى الذي لجأ له أهلنا من قصف العدو ، المستشفى الذي يعرف العدو تفاصيل إحداثياته الجغرافية ، كما باقي المشافي ودور العبادة ، والبنى التحتية المرتبطة بحياة الناس اليومية ، ومع ذلك ؛ لم تسلم ولم يسلم المستشفى من القصف .
ما زال العدو يمارس القتل ، ويناور بالنار ، لم يقترب من الأرض ، ولم يحتك بالمجاهدين المنتشرين فيها وعليها .
بقي العدو مركزاً قصفه على الشمال والشمال الغربي ، لكنه لم يوفر باقي مناطق القطاع ؛ من أقصاه إلى أقصاه ، فقد قصف " رفح " جنوباً ، ومخيم " البريج " وسطاً ، حيث ارتقى القائد " أيمن نوفل " أبو أحمد ، عضو المجلس العسكري لكتائب القسام ، وقائد المنطقة الوسطى ، ومسؤول " غرفة العمليات " المشتركة للفصائل ، و " ركن المعلومات " في كتائب الشهيد عز الدين القسام إلى ما يقارب الـ ستة أشهر خلت ، كما ارتقى شهيداً " أسامة المزيني " رئيس شورى إقليم غزة في حركة المقاومة الإسلامية " حماس " .
لليوم الثاني عشر للحرب ، وما زال العدو يُجلِبُ بخيله ورَجِله ، ويحشد قدراته ، في غلاف غزة ومحيطها ، ويعقد اللقاء تلوى اللقاء ، والمشاورات بعد المشاورات ، والتقديرات تلحقها تقديرات ، ولكن إلى الآن لم يحسم أمر حركته البرية ؛ في أي اتجاه ستكون ؟ وأي أهداف ستحقق ؟ وهل ستؤمن ما يطالب به المستوى السياسات من غايات ؟ وللمستوى العسكري ما يريحه أثناء المناورات ؟ كلها أسئلة لم يجد العدو الذي يسيطر على أرض المعركة وسمائها جواباً لها ! فبقي عاجزاً غير متجرئ على إعطاء صافرة انطلاق مناورته البرية . فماذا ينتظر ؟ هذا وقد شارف عداد قتلى العدو على الوصول إلى 2000 قتيل وما لا يقل عن 4000 مصاب .
أما عن المقاومة في فلسطين وخارجها ، فقد بقيت مشتبكة مع هذا العدو ؛ في غلاف غزة حيث القدرات التي حشدها ويحشدها العدو للعمل البري ، وفي عمق فلسطين المحتلة حيث مركز القرار ، والجبهة الداخلية التي تؤذيه ؛ لو أوذيت بشكل كبير وأدق .
وفي جبهة شمال فلسطين ؛ بقيت المقاومة الإسلامية " حزب الله " تطلق صواريخ مضادات دروعها على العدو ، وتلاحقه كلما ظهرت له آلية ، فتقتل منه وتجرح ، ويرتقي منها شهداء ـ خمسة شهداء بالأمس فقط ـ ، في معادلة فعل ورد فعل ؛ يقصف العدو ، فتقصف المقاومة ، ليعاود العدو رده ، فتعاود المقاومة قصفها ، كما بقيت فصائل المقاومة الفلسطينية في لبنان تحاول الاشتباك مع هذا العدو ، فتقترب من السياج الحدودي محاولة فتح ثغرة أو ثغرات فيه لتصل إلى عدوها فتشتبك معه ، في جهد يضاف إلى جهود " حزب الله " ، بحيث بقيت هي و "حزب الله " تفرض على العدو حالة من الاستنفار ، وتجميد للقوات ، وعدم قدرة على تحريك المهم منها باتجاه جبهة غزة ، وهذا أمرٌ مطلوب لذاته . وفي اليوم الثاني عشر للحرب ، وبعد مجزرة " المعمداني " خرج رئيس حركة المقاومة الإسلامية " حماس " " إسماعيل هنية " في خطاب عبر شاشة التلفاز ، لشحذ الهمم ، وطلب النصرة من العالمين العربي والإسلامي ، الأمر الذي وجد صداه في المظاهرات التي خرجت تجوب مختلف العواصم والساحات .
أما عن شهدائنا وجرحانا ، فقد وصل عددهم إلى 3200 شهيد و 11000 جريح .
أما في " الضفة الغربية " ؛ فقد هبت مدنها وقراها نصرة لغزة بعد مجزرة مستشفى "المعمداني " ، حيث قابلتها قوات أمن سلطة الحكم الذاتي بالقمع ـ في رام الله ـ وارتقى من المتظاهرين شهداء في جنين ، ولكن لم يصل هذا الجهد إلى المأمول منه أو المطلوب ، فلم نشاهد البنادق في أيادي المتظاهرين ـ وهي أكثر من أن تعد ـ ولم تُطلق النار على حواجز ومغتصبات المحتلين . كما بقي العدو يطارد ويقتحم ويعتقل ، ويضغط هو ومستوطنيه على أهل الضفة الغربية ، في حركة الهدف منها منع اشتعال هذه الجغرافيا ، فتُفتح على العدو جبهة هو في أشد الحاجة لغلقها ، لما ستتركه من أثر على مجريات الأحداث في جبهة غزة ، الأمر الذي ينطبق على مناطق الثمانية والأربعين التي بقي الحراك فيها دون المتوقع والمأمول.
أما في عواصم العرب والمسلمين والغربيين ؛ فبقيت تمور بالمتظاهرين والمؤيدين للمقاومة والمقاومين ، حيث اشتد حراك هذه الجماهير بعد أنباء مجزرة " المعمداني " ، فخرجت جموع المتظاهرين في الأردن وتركيا ومصر اليمن ولبنان والعراق وإيران وتونس وأمريكا وكندا ، وغيرها من العواصم والمدن ، قاصدة سفارات الاحتلال في هذه الدول ، محملة الأصيل ـ الأمريكي ـ مسؤولية ما فعل ويفعل وسيفعل الوكيل ـ الإسرائيلي ـ كيف لا والأصيل قد دخل في كل مفاصل قرار وإدارة هذه الحرب التي تشن على أهلنا في غزة من قبل الوكيل .
ولا زال الحراك السياسي ينصب على تأمين فتح ممرات إنسانية لدخول المعونات وإخراج الحرج من إصابات . وقد ارتفعت في الـ 24 ساعة نبرة التصريحات التي تصدر عن بعض الدول ، ففي مقلب المقاومة ؛ زاد منسوب التحذير في تصريحات المسؤولين الإيرانيين ، وكلها تصب في اتجاه ضرورة وقف العدوان ، في تظهير أكثر وضوحاً للخطوط الحمر لـ "محور المقاومة " ، أما فيما يخص التأييد للعدو وعدوانه ؛ فما زالت تنهال عليه مؤشرات التأييد والدعم ـ المادي منه قبل المعنوية ـ فمن ألمانيا التي حط مستشارها " اولاف شولتس " في الكيان المؤقت بالأمس ، إلى الرئيس الأمريكي " جون بايدن " الذي سيحط في فلسطين المحتلة اليوم ، زائراً ، مؤيداً ، ودعاماً ، ومشاركاً في مجلس حرب العدو ، في أهم إشارة وقرينة على أنهم ـ الأمريكيين ـ هم سادة هذا الموقف ، وهم من يتحكمون به ، فقد تفرغت له مفاصل دولتهم ـ الرئيس ، وزير الخارجية ، وزير الدفاع ، قائد المنطقة الوسطى ـ في جهد الهدف منه : منع تمدد الحرب إلى خارج قطاع غزة ، وبقاء إجراءاتها تحت السيطرة ، وردع فصائل المقاومة في محيط فلسطين عن التدخل أكثر مما هي عليه الآن في مجريات الحرب واشتباكاتها .
أما عن أهم نتائج مجزرة " المعمداني " فقد كان الغاء القمة الرباعية التي كان مزمع عقدها في الأردن اليوم بمشاركة كل من : ملك الأردن عبد الله ، والرئيس المصري السيسي ، والفلسطيني عباس ، والأمريكي بايدن ، حيث أدى انسحاب الرئيس محمود عباس من هذه القمة إلى تعذر انعقادها .
أما عن أهم السمات ذات الدلالة في موقف الـ 24 ساعة الماضية فقد كانت على النحو الآتي:
ثانيا : التحليل والتقدير :
لا يزال الموقف الميداني في جبهات القتال في قطاع غزة ، وخارجها يراوح في مكانه ، ففي منطقة العمليات الرئيسية حيث غزة ؛ لا زال قصف العدو يتكرر مستهدفاً المدنيين والبنى التحتية ، في محاولة لتمهيد الأرض لأي عمل بري ممكن أن يقدم عليه العدو ، وللضغط على بيئة المقاومة وحاضنتها ، لتوليد موقف ضاغط على قيادة المقاومة ، عبر ما ينتج عن هذا القصف من خسائر في أرواح المدنيين والسكان ، فضلاً عما يولده من صعوبات في عمليات القيادة والسيطرة المطلوبة لإدارة المواقف القتالية ، عبر استهداف أصول المقاومة البشرية والمادية ، الأمر الذي يوفر للعدو ميزة قتالية وأفضلية تعبوية . كما أن بقاء المقاومة مشتبكة مع العدو بالنار القريبة والبعيدة ، ومحاولة الاحتكاك به على الحافة الأمامية لمناطق القتال ـ صوفا ـ يشير إلى أن إجراءات القيادة والسيطرة للمقاومة ما زالت في أوضاع جيدة ، ولم تتضرر بالشكل الذي يعيق إدارتها وسيطرتها على الموقف . كما أن بقاء المقاومة الإسلامية في لبنان " حزب الله " وفصائل العمل الفلسطيني مشتبكة مع العدو في جبهة شمال فلسطين ، سيبقي العدو في حالة استنفار وعدم قدرة على تحريك قواته إلى جبهة غزة ، الأمر الذي يساعد في إرباك صانع القرار في الكيان المؤقت ، إلا أن وصول الرئيس الأمريكي " جون بايدن " إلى المنطقة ، ولقائه قيادة الكيان السياسية والعسكرية ، وبعض قيادات المنطقة ؛ سيحرك الموقف ويوضح ملامحه المستقبلية . لذلك نعتقد أن الموقف في الـ 24 ساعة القادمة سيكون على النحو الآتي :
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
عبد الله أمين
18/ 10/ 2023