أولاً : الموقف :
وفي اليوم " السادس عشر للمعركة " بات العدو مقتنعاً أن " نكبة 48 " لن تتكرر ، وأن الشعب الفلسطيني لن يعيد (تغريبته) مرة ثانية ، وأنه يفضل الموت تحت أنقاض بيته على أن يعيش مشرداً بين منافي اللجوء ، ولأن الأمر ـ لا هجرة ولكن صمود ـ كذلك فقد بدأ العدو ينقل نار حقده على أماكن في جنوب قطاع غزة لم يطلها من قصفه ما طال أخواتها في الأيام السابقة ، فبدأ يكرر قصفه على " خان يونس " و " رفح " و " دير البلح " ، ناشراً موته ودماره على كل ما تطاله قذائفه .
ولأن تلك المناطق في تقدير العدو أعدت له فيها المقاومة ما يعتقد أنها ستحيل حلمه إلى سراب ؛ فقد بدأ يحتك بها مستطلعاً بالنار تارة ، وبالمناورة تارة أخرى ؛ فدفع في الساعة : 16:30 تشكيلاً مكوناً من جرافات الـ D9 و دبابات " مركافا " ، وهو تشكيلٌ ثقيلٌ على مهام الاستطلاع القتالي ، دفعه ليجمع معلومات ، أو يؤكد أخرى ، أو ليكشف تشكيلاً غاب عن عيونه البشرية و الالكترونية كيف ينتشر وما هو استعداه ؛ وإذ به ـ العدو ـ يذق على جلده من النار ما يجعله يُقدّر ما قد تكون خبأته له الأرض من قتل ودمار ، فعاد خائباً ، واضعاً ذيله بين أسنانه إلى ما يتقنه ؛ فقصف أبراجاً ـ برج موسى عرفات ـ وارتكب مجزرة في " رفح " ارتقى على أثرها 13 شهيداً و 30 مصاباً ، ثم قصف أحياء " الصبرة " و " الرضوان " ، وأعاد " قصف حي " الرمال " ، ومن شدة ارتباكه وتفلت الموقف من بيد يديه وسيطرته ؛ قصف موقعاً للجيش المصري في " كرم أبو سالم " ، وكأن الموقع لم يكن عليه علمٌ يدل عليه ، أو أنه لم يكن مُعرّفاً لدى قواته قبل وأثناء المعركة ، فقصفه في رسالة إلى من يهمه الأمر مضمونها : كلكم عندي سواء ، لا فرق بين فلسطيني ومصري ، أو إيراني وبحراني . وفي اليوم " السادس عشر " للمعركة أعلن العدو أن لا غرفاً إضافية في الشمال لتؤوي الفارين من الجنوب ، وأن مآوٍ من الخيم ستبنى لهم في " أم الرشراش " إلى حين انتهاء هذه المعركة .
وفي اليوم " السادس عشر " بقيت المقاومة مشتبكة مع العدو ، فتعرضت له بالنار في على طول مغتصبات الغلاف ؛ في " مفكاعم " ـ س : 1030 ـ فقصفت حشداً له فيها ، وقصفت " تل الربيع " و بطاريات مدفعيته شرق " رعيم " ـ س : 1330 ـهذا فضلاً عن صدها له في " خان يونس " ، أما " بئر السبع " و قاعدة " حتسوريم " الجوية فقد طالهما ما طال غيرهما من قصف ـ س : 1900 ـ . كما بقيت المقاومة في الشمال ترسل رسائلها بالنار، فاقئة ما تبقى من أعين لهذا العدو تتلصص على المقاومين ، فضربته ـ المقاومة ـ في "رويسات العلم " ، وتلال كفار شوبا ، وفي " العباد " و " مسكاف عام " و تسللت عليه في " المطلة " ، معلناً ـ حزب الله ـ عن أسماء خمسة من شهدائه ارتقوا في اليوم السادس عشر لمعركة " طوفان الأقصى " ، أما حركة " الجهاد الإسلامي " فقد زفت شهيديها "المجاهدين " أسامة محمد خير ذيابات " من أهلنا اللاجئين في سوريا ، و " محمد محمود موسى " .
وفي الضفة الغربية بقي المقاومون فيها على عهدهم مع الأقصى و طوفانه ، فتعرضوا للعدو في "بيت أمر " على مدخل الخليل ، وفي " زواتا " نابلس جرح 4 من شبابها ، وفي "بيت فوريك " أطلق المقاومون نار أسلحتهم على حاجزها هناك ، كما بقيت دوريات العدو وآلياته ، تجوب المدن والقرى ، وتغلق المفترقات والطرق ، فتضيق على أهلنا وناسنا ، لكن وفي نفس الوقت ؛ فرض شباب الضفة الغربية على العدو حالة من الاستنفار والانتشار ، تمنعه من تحرير جزء من قواته ليدفع به إلى جبهة غزة ، و هذا أمرٌ مطلوب لذاته . أما في أرضنا المحتلة في الثمانية والأربعين ، فالحال يغني فيها عن المقال.
كما بقيت مظاهرات التأييد تجوب مدن العالم وعواصمه ، من " إسطنبول " حتى جنوب لبنان ، ومن " بروكسل " إلى " بلجيكا " حيث مقر قيادة حلف الأطلسي ، فالبوسنة والهرسك ، وصولاً إلى المقر الرئيسي للحملة على غزة ـ واشنطن ـ التي اتصل وكيلها في المنطقة ـ نتن ياهو ـ للمرة السابعة بموكله ـ بايدن ـ القابع هناك ، مُطمئناً على استمرار الدعم ، ومُطمئِنا ً على وضع الوكيل .
وفي السياسية لا جديد سوى (جعجعة) المطاحن التي لا يُرى لها أثر ؛ فإن كان ؛ فهو البحث عن مخارج لإطلاق سراح الأسرى ( اقرأ الضيوف ) الذين ساقهم قدرهم إلى يد المقاومة ، فهم الهم الشاغل للغرب والشرق ، وهم من يُخاف عليهم ، أما ما سواهم ، فـ (أضرارٌ ) جانبية تفرضها المواقف القتالية ! وفي السياسية تنبه الأمريكي أن له (دبلوماسيون) في العراق ، يمكن أن يتحولوا في أي لحظة إلى (ضيوف ) أعزاء عن عرب أصلاء ؛ فقلص عددهم ، وسحب الفائض منهم ، وأبدى خوفه على قواته في الشرق الأوسط ، فـ ( المضيفون ) هناك كُثر ، و(بيوت) الضيافية أكثر من أن تحصى ، والكل يريد أن يكون له من شرف استضافة هؤلاء ( الضيوف ) نصيب .
أما في السمات ذات الدلالة للموقف في يومه " السادس عشر " فيمكن الإشارة إلى لآتي :
ثانياً : التحليل والتقدير :
ما زلا الموقف القتالي في مناطق القتال على رتابته ، ولم يطرأ أي تغيير على المشهد التعبوي في كافة محاور القتال في قطاع غزة أو جنوب لبنان ، فالعدو ما زال في الجنوب يحشد قواته ، ويكرر قادته زياراتهم الميدانية ـ جنوباً وشمالاً ـ للجنود المحشودين في مناطق التجمع ، شحذاً لهممهم ، ورفعاً لمعنوياتهم . كما بقيت المقاومة على حالة اشتباكها مع العدو بالنار القريبة والبعيدة ، في مشهد كرر نفسه على طول الـ 24 ساعة الماضية . إّلا أن ما كسر رتابة الموقف ؛ ما أقدم عليه العدو بالأمس من عملية استطلاع بالقوة الثقيلة على محور " خان يونس " مستخدما آليات الهندسة من نوع D9 و D10 ترافقها دبابة " مركافا " حيث تصدى له المقاومون بالأسلحة المناسبة ، فرده على أعقابه ، كما عاود المقاومون وفي عمل مبادر اشتباكهم مع العدو على نفس المحور .
لقد حاول العدو بالأمس بدئ تفحص الجهاز الدفاعي للمقاومة في جبهة غزة ، لجمع المعلومات عن طبيعة الاستعداد والانتشار ، إلا أن نتيجة فعله هذا ارتدت عليه سلباً ، ف "الاستطلاع القتالي" حتى يحقق الهدف منه ؛ فإن أحد أهم ميزاته التي جيب أن يمتاز بها أن يكون خفيفاً مرناً قادراً على الحركة والتملص من الكمائن التي قد تواجهه ، الأمر الذي قام العدو بعكسه تماماً ؛ فقد دفع بقوة استطلاع ثقيل ـ جرافات ودبابات ـ فتصدى لها المقاومون ، فردوها على أعقابها خائبة ، الأمر الذي أفشل مهمتها ، ولكن ما هو أهم من فشل المهمة ؛ ما تركته وتتركه من أثر معنوي على قوات العدو ـ قوات الواجب ـ التي ستقوم بالمناورة ، كون هذه القوات ترى أن تشكيلات الهندسة ودروع هي الدرع الذي ستحتمي خلفه أثناء التقدم ، فإن كان هذا الدرع لم يصمد أمام الضربات الموجهة له ، ولم يحمي نفسه ، فكيف سيحمي من يلوذون خلفه ، ويحتمون به ؟ الأمر ـ فشل استطلاع العدو البري ـ سيترك أثراً على قرارات العدو المرتبطة بأي مناورة برية ، وهوـ الأثر ـ أمرٌ يمكن أن نراه من خلال تصريح رئيس وزراء العدو عندما برر تأخير العمل البري ببذل مزيد من الجهود السياسية لإطلاق سراح الأسرى !!
إن كل يوم تقضيه قوات العدو قوات الواجب ـ المشاة أو المشاة الآلية ـ محشودة ، منتشرة في غلاف غزة ، دون أن تقدم على عمل ، كل يوم إضافي لن يكون في صالح هذه القوات ، وسيترك آثاراً سلبية على معنوياتها ؛ لطول المكث ، وكثرة التفكير بالمستقبل والمصير ، وهو أمر ـ المعنويات المنخفضة نتيجة طول الحشد ـ نعتقد أن له أهمية في تأخر قيادة العدو في تحريك قواتها في مناورة برية باتجاه القطاع .
وعليه وأمام رتابة المشهد القتالي في مختلف الجبهات ، فإننا نعتقد أن الـ 24 ساعة القادمة سوف تكون على النحو الآتي :
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
عبد الله أمين
23/ 10/ 2023