أولاً الموقف :
في اليوم " السابع عشر " لمعركة " طوفان الأقصى " بدت المواقف أكثر وضوحاً ؛ ففي الوقت الذي بدأ المجتمع الإسرائيلي يسأل مسؤوليه عما جره عليهم تطرفهم من ويلات ، وكيف ـ التطرف ـ جلب لهم هذه الهزيمة النكراء ، التي حطمت صورتهم ، وهشمت أسطورتهم ، وفي الوقت الذي بدأت تخرج فيه مظاهرات داخل هذا الكيان المؤقت تطالب "نتنياهو " بتحمل المسؤولة عما جرى وتقديم استقالته ، ووقف هذه الحرب العبثية التي لن تُرجع أسرى ، ولن تعيد ترميم صورتهم المتآكلة ، في هذا الوقت ؛ خرجت الإدارة الأمريكية ، وعبر رأس هرمها ـ بايدن ـ لتقول وبمليء الفيه ، ما بات معروفاً للجميع ، من أنها هي من تقود هذه المعركة ، وهي من فرضت تشكيل حكومة الطوارئ ، وهي من يتحكم في مجرياتها ، ولكنها ـ أمريكا ـ أبت إلّا أن توضح الواضحات ؛ فقال رأس هرمها:" لا يمكن الحديث عن وقف إطلاق للنار قبل إطلاق سراح الرهائن " ، كما قالت الخارجية الأمريكية على لسان أحد مسؤوليها أن:" أي وقف لإطلاق النار سيعطي حماس قدرة على التعافي " ، ثم جاءت ثالثة الأثافي عبر الناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية " جون كيربي " فصرح قائلاً : " أن أولويتنا هي أولية ( إسرائيل ) وهي تدمير حماس " وأن " المساعدات ستبقى تتدفق على (إسرائيل ) لمساعدتها على مطاردة حماس " .
إذن هذا هو المشهد في آخر صوره ؛ فقد تقدم (الأصيل) وبدأ ينطق بما قد لا يناسب ( الوكيل ) الذي بدأت معالم الخلاف تدب في صفوف قادته والمسؤولين عن إدارة هذه الحرب وأخذ قراراتها ، ومن يرى " نتنياهو " و " هاليفي" و ذو الرأس الحامي " غالانت " في التصريح المتلفز الذي خرجوا فيه ليعبروا لـ (مجتمعهم)عن تضامنهم ، وأنهم يديرون هذه الحرب بالتوافق وإجماع في الرأي ، من رأي مشهدهم هذا يعرف أن الأمور على عكس ما يراد لها أن تظهر والـ ( على راسه بطحة بحسس عليها ) والـ ( تحت باطة مسلة بتنخزه ) .
وفي هذا اليوم قيل أن رئيس وزراء العدو يدير مشاورات خارج نطاق مجلس حربه المصغر ، فهو التقى ويلتقي بالجنرال " بريك " ، أول من نادى وصرخ ، وما زال يصرخ أن الجيش ليس جاهزاً للحرب ، وأن دخول غزة بحاجة لاستعدادات قد تستمر لعدة أشهر ، لأن ما حُشد من قوات في غلاف غزة غير مؤهل لمثل هذا العمل ، وقيل أيضاً أن "نتنياهو" التقى رئيس هيئة الأركان السابق " غابي اشكنازي " وعرض عليه الانضمام إلى فريق عمل هذه الحكومة التي تدير الحرب .
أما على صفحة الحرب الخشنة ؛ فقد بقي العدو يمارس مهنته التي يتقنها ؛ القتل و الدمار وسفك الدم ، فاستمر في قصف مدن القطاع ومخيماته ، مسوياً عمارات وأبراج ومساجد في في الأرض ؛فقصف ـ س : 11:00 ـ مسجد " النور المحمدي " في حي الشيخ رضوان ، وشن أعنف غارات القصف على القطاع ؛ من ظهر أمس وحتى مساءه ، الأمر الذي ارتقى بسببه عشرات الشهداء ـ 120 شهيد فقط في الليل ـ فضلاً عن الجرحى والمصابين.
هذا في الجنوب ، أما في الشمال ؛ فقد بدأ بإجراءات التمشيط العشوائي بنار رشاشاته الثقيلة في محيط مواقعه لتأمينها ومنع الاقتراب ؛ منها فمشط محيط " رويسات العلم " و " المالكية " و " موقع الرادار " في " مزارع شبعا " وقصفت طائراته المسيرة مجموعات للمقاومة قيل أنها كان تهم بقصف مواقعه بمضادات الدروع ، أو أنها كانت تريد إطلاق صليات صواريخ باتجاه أراضينا المحتلة .
ولكن اللافت في المشهد أن رئيس الكيان " هرتسوغ" قال أول من أمس أنهم ـ الإسرائيليون ـ يشكون أن حركة " حماس " قد استخدمت نوعاً بدائياً صغير الحجم من الأسلحة الكيميائية ! ثم اختفى التصريح ولم يبق في التداول !! أما فيما يخص قتلى العدو وجرحاه ؛ فقد أكد الناطق باسم جيش أن عددهم المؤكد حتى كتابة هذا الموقف قد بلغ 308 قتيل و 1210 في عداد المعاقين ، و222 جندي من الأسرى والمفقودين .
وفي اليوم "السابع عشر" للحرب ، بقيت المقاومة في قطاع غزة تصلي العدو نار صواريخها ، ورشقات مدفعيتها ، فقصفت ـ س : 11:30 ـ " عسقلان " و " مفكاعيم " و"بئر السبع " ومقرات العدو في قاعدة " تسليم " و " حتسوريم " بالطائرات المسيرة من نوع "زواري " محققة فيها إصابات .
وقصفت حشود العدو في " إيرز " وفي " صوفا " و "حوليت".
كما استُهدفت مواقعه في " كريات شمونا " س : 20:30 ـ على الحدود اللبنانية ، كما طال القصف موقع " المرج " . هذا ولم توقف فصائل المقاومة في العراق قصفها لمواقع قائد هذه المعركة ومركز قرارها ـ الأمريكي ـ ، فَقصفت قواعده في " المالكية " و " حقل العمر " في ريف دير الزور ، وفي " الشدادي " و " التنف " .
وفي اليوم السابع عشر لمعركة " طوفان الأقصى " استشهد القائد " إبراهيم السحار " قائد سلاح "ضد الدروع" في كتائب عز الدين القسام ، بناء على معلومات قدمها الشاباك بالتعاون مع جهاز مخابرات دولة عربية ، وفق ما صرح ـ الشاباك ـ في بيان له .
وقد بلغ عدد شهدائنا في غزة حتى كتابة هذا الموقف 5087 شهيد و 15273 جريح ومصاب ؛ جلهم من النساء والأطفال . وفي مساء اليوم السابع عشر للمعركة ؛ أطلقت " كتائب القسام" سراح أسيرتين من أسرى هذه الحرب لدواعي إنسانية وصحية .
وفي الضفة الغربية في يوم الحرب" السابع عشر " ، اشتبك ـ س : 10:10 ـ مقاوموها مع المحتل في "طولكرم" وفي " نابلس " ـ س : 14:15 ـ، كما استشهد في هذا اليوم القائد الحمساوي " عمر ضراغمة " الذي اعتقل مع بداية حرب " طوفان الأقصى " ، كما بقي العدو يمارس على أهلنا في " الضفة الغربية " حصاراً مشدداً لمنعهم من المشاركة في نصرة غزة وأهلها ، هذا وقد وبقيت قطعان مستوطنيه تجوب بعض القرى والمدن وتضيق على سكانها وأهلها .
وفي مناطق الثمانية والأربعين؛ بقي الموقف على حاله حتى هذا الحين .
كما بقي التأييد الشعبي ـ العربي والعالمي ـ يعبر عن نفسه، في المظاهرات ، والوقفات التضامنية ، التي جالت معظم عواصم العالم العربي والغربي ، من أمريكا شمالاً حتى ماليزيا جنوباً ، وما بينهما من دول وعواصم ،خرجت مستنكرة للعدو وفعله ، ومؤيدة لشعبنا ومقاومته .
وفي السمات ذات الدلالة للموقف في يومه "السابع عشر":
ثانياً : التحليل والتقدير :
لا يزال العدو في حالة تردد ، بين الإقدام أو الاحجام فيما يخص المناورة البرية التي طال انتظارها ، والتي يكاد يجمع الجميع على أنها الإجراء الوحيد الذي يمكن حال نجاحه وبدون خسائر فادحة تلحق بالعدو ، يمكن أن يقدم صورة (نصر) للعدو تمكنه من النزول عن الـ (نخلة) التي تسلق عليها ، إلّا إن عدم اطمئنان العدو لتحقيق هذا الإجراء ـ مناورة برية ناجحة ـ خرقاً في الموقف الميداني ، وما بدى يطفوا على السطح من خلاف بين المستويات السياسية والعسكرية للكيان المؤقت فيما يخص إدارة الحرب ، وتعريف النصر ، والأهداف المطلوب تحقيقها ، وما ينتظر الطاقم السياسي والعسكري الإسرائيلي من لجان تحقيق ، وجلسات مسائلة ومحاكمة ، ودخول الأمريكي على مشهد إدارة الفعل اليومي للحرب ، ووقوفه ـ الأمريكي ـ حجر عثرة في وجه أي مبادرة لوقف إطلاق النار مع العدو ؛ كل هذه الملاحظات ، زادت الموقف تعقيداً ، وستزيد من فترة الاشتباك مع هذا العدو ، وما سينتج عنها من ضحايا في الأرواح ، وتدمير في الممتلكات .
كما أن الدخول الفاعل والمتصاعد للمقاومة العراقية على خط الاشتباك مع العدو الأمريكي ، عبر استهداف مقراته وقواعده ، وبقاء الجبهة الشمالية نشطة ومشتبكة مع العدو ، كلها أمور ستدفع العدو إلى النزول ـ عاجلاً أم آجلا ـ عن الـ (نخلة) التي تسلقها .
أما فيما يخص تصريح " هرتسوغ " رئيس الكيان المؤقت ، والذي تحدث فيه عن الأسلحة الكيميائية ، فإنه يدفعنا لتخيل سيناريو سيء لابد من أخذه في الحسبان ، والتحوط له ، حيث من الممكن أن يعمد العدو ومن خلال عمليات التسلل الصامت أو الصاخب للوصول إلى عيون بعض الأنفاق التي تمتد في منطقة العمليات بالتجاه أرضنا المحتلة ، ثم يبث فيها نوعاً معيناً من الغازات القاتلة أو الشالة ، فيلحق بالمقاومين المتحصنين فيها خسائراً ، أو يجبرهم على الخروج من هذه الأنفاق لتتصيدهم طائراته ومدفعيته ، الأمر الذي يجب التحوط ـ هذا إن لم يكن قد أخذ بالحسبان من قبل أصلا ـ لهذا الأمر لما له وفيه من مخاطر على قوات المقاومة وأصولها البشرية .
وعليه وأمام هذه المعطيات في هذا الموقف الذي بدأ يكرر نفسه بشكل روتيني ، فإننا نعتقد أن الـ 24 ساعة القدمة ستكون على النحو الآتي :
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
عبد الله أمين
24/ 10/ 2023