أولاً : الموقف
وفي اليوم " الثامن عشر " للمعركة ؛ بقي العدو على حالة ارتباكه ، وعدم حسمه للعمل البري في غزة ، مع ما أراد أن يرسله ظهور رئيس هيئة الأركان " هاليفي " من رسائل وهو يخاطب جمهور الصحافيين ، حيث بدى خلفه جنود الاحتياط يتحلقون حول آلياتهم ، حيث قلص رئيس هيئة الأركان الصهيوني التوقعات من أي عمل بري يمكن أن يحقق لهم ما وضعوه من أهداف ، لقد خرج هذا الجنرال ليوصل للجميع رسالتين ؛ الأولى أن لا اجتياح بري لغزة ، وإنما ، مناورة برية ، وفي الرسالة الثانية أرد أن يقول أننا نحن ـ قادة الجيش ومسؤولي كيانه المؤقت ـ من يتحكم في المشهد ، ونحن من يدير هذه المعركة ، حتى لو كان معنا ضباط وقادة أمريكيين ، وحتى لو جاء " ماكرون " ليوحي أنه شريك في القرار ؛ هذا ما حمله المؤتمر الصحافي لرئيس هيئة الأركان من رسائل.
ولكن لغة جسده ، وشحوب وجهه كشفت ما يعتمل في صدورهم وفي مكاتبهم من تخوف وتردد وعدم ثقة في بشرهم وآلياتهم .
وفي هذا اليوم أراد العدو أن يثبت للجميع أنه جاد ، وأنه يملك من الموارد ما يمكّنه من خوض حرب على أكثر جبهة ؛ فبدأ بتغيير إجراءات أمنه حول مواقعه في شمال فلسطين ، فأصبح يطلق نار أسلحته المتوسطة على أطراف هذه المواقع ، ليغلق الممرات الموصلة لها ، ويمنع المقاومين من الاقتراب منها ، ثم قصف بعض موقع الجيش السوري في الجولان ، ثم ختم استعراضه هذا بقصف أطراف مخيم جنين بالطائرات ، فأوقع 3 شهداء وعدداً من المصابين ، كل هذا في مناورة استعراضية الهدف منها القول : عندنا من الموارد ما يُمكن معه أن نعالج أكثر من تهديد وعلى أكثر من جبهة !!
ولكن ومع هذه الاستعراض ، فقد بقيت جبهة غزة هي الجبهة الأم ، وهي الصخرة التي تحطم عليها كبرياء هذا العدو ، وهشمت صورته ، ومزقت أسطورته ؛ فبقي ينشر موته على مدنها ومخيماتها ، من " بيت لاهيا " التي نالها القسط الأوفر من قصف الأمس ، وحتى " خان يونس " التي بددت حلم مناورته عندما تصدى له فيها المقاومون ، فأوقعوا فيه خسائر بشرية ومادية ، وقصف " الزنة " و "والقرارة " و "عبسان الصغرى والكبري " و " دير البلح " و سوق " النصيرات " و " الرمال " مجدداً ، باختصار هذا مشهد صفحة العدو في اليوم " السابع عشر " لمعركة " السيوف الحديدية " التي تثلمت نصالها على الدروع الغزية .
وفي اليوم " السابع عشر " للمعركة ؛ خرجت الأسيرة " يوخفد ليفشيتز " التي أطلقت " كتائب القسام " سراحها في مؤتمر صحفي ، ضربت به سرية العدو التي تقول إنهم ـ العدو ـ يقاتلون (وحوشاً) على هيئة بشر ، فشرحت لمستمعيها كيف كانت تعامل ، وماذا كانت تأكل هي ورفيقتها ، وكيف تم علاجهما والعناية بصحتهما .
أما في صفحة المقاومة ، فقد بقيت ترسل للعدو من الرسائل من يقول له أنها بخير ، وأن عمدة قواتها ما زالت على جاهزيتها ، فأرسلت له إلى " زكيم " ما يؤكد له ذلك ؛ فخرجت له " الضفادع البشرية " من تحت الماء لتشتبك معه على الساحل ، وقصفت " تل الربيع " برشقة صاروخيه ثقيلة ، بلغ عدد ما طار فيها من أحمال نارية قرابة 60 صاروخاً ، كما قُصفت " بئر السبع " و قُصف مطار " بن غوريون " وحشود العدو في " مفكاعيم " و "كفار عزة " ، هذا جنوباً ، أما في الشمال حيث جُمّد له ما لا يقل عن 3 فرق عاملة هو في أمس الحاجة لها جنوباً ، في الشمال ؛ قَصفت المقاومة الإسلامية " حزب الله " مواقع العدو في " شتولا " ـ س: 14:30 ـ وفي " المنارة " 15:30 " و " برانيت " و " العباد " و " جل العلام " حيث زفَّ " حزب الله " ثلاثةً من مجاهديه فداءً للأقصى ، ودفعاً عن غزة .
أما في الجبهات البعيدة، حيث العراق وسوريا ؛ فقد قصفت ـ س : 20:00 ـ فصائل المقاومة العراقة قوات العدو الأمريكي في قاعدة " عين الأسد " في الأنبار ، وهنا تجدر الإشارة إلى ما ذكره أحد المسؤولين الأمريكيين من أن مواقع قواتهم في سوريا والعراق قُصفت ما لا يقل عن 13 مرة منذ بدء حرب "طوفان الأقصى " .
أما في الضفة المحتلة ، فقد أثبتت بالأمس أنها قادرة على إشغال العدو بشكل حقيقي ، وإنها قادرة على فرض موقف ميداني يجبره على تخصيص قدرات للتعامل مع التهديد فيها ، قدراتٌ هو بحاجتها في غزة ، وأنها ـ الضفة الغربية ـ تشكل تهديداً يقلق العدو ، لذلك صرح قادته أنهم سوف يوسّعون من عمليات سلاح جوهم في جبهة الضفة الغربية ، وهذا ما كان ؛ فقد قصف العدو أطراف مخيم جنين ، فارتقى 3 شهداء فيها ، وأطلق النار على المقاومين في قلقيلية ، فارتقى فيها شهيداً.
وفي السياق ؛ ولأن الضفة الغربية عامل مهم في التخذيل عن أهلنا في غزة ؛ وزع العدو على مستوطنيه آلاف قطع السلاح الفردي والمتوسط ، وأطلق يد قطعان مستوطنيه لتعيث فيها فساداً ، وشكل عصابات من المستوطنين وأطّر عملها في مجموعات ـ نحالا ، عصابات تدفيع الثمن ، لا فاميليا ، لاهافا ـ ومنحها من الصلاحيات ما يمكّنها من القتل بلا رقيب ولا حسيب ، ولكن نصيب التشديد الأكبر كان في " الخليل " حيث أحالها إلى ثكنة عسكرية بكل ما تحمله الكلمة من معناً .
أما في بلادنا المحتلة في الثمانية والأربعين ، هذا الاحتياط البشري الاستراتيجي ، فلم يرق فيها الفعل حتى الآن إلى ما هو مأمول ومنتظر .
وفي الدعم الشعبي والجماهيري ؛ فقد تواصل في معظم البلدان والعواصم ، وبقيت الجموع تحاصر أو تعتصم أمام بعثات العدو الدبلوماسية ، مطالبة برحيل قاطنيها ، وقطع العلاقات مع هذا الكيان الغاصب المؤقت .
أما في الجهود السياسية ، فعلى حالها ؛ فالكل مشغولٌ بمصير الأسرى والضيوف عند فصائل المقاومة في غزة ، فهذا شغلهم ، وهذا همهم ، ولم تفلح الجهود السياسية بفتح ممرات إنسانية لإدخال المعونات الطبية والإنسانية ، فتوقف عن العمل ما لا يقل عن 12 مستشفىً و 32 مركزاً صحياً .
وبقيت وفود المؤيدين للعدو في عدوانه تتقاطر عليه ؛ فوصل الكيان المؤقت بالأمس الرئيس الفرنسي " ماكرون " متبنياً ، ومكرراً رواية العدو ، عارضاً خدماته عليه ، مستعداً لبناء تحالف لمحاربة الإرهاب والإرهابين !! مغمضاً عينيه عما يدور على بعد كيلو مترات من مكان عقده لمؤتمره الصحفي ، ثم عرج ـ ماكرون ـ على قاطن المقاطعة ، فكرر ما قاله عند مضيفه الأول ، على مسامع مضيفه الثاني ، دون أن يحرك ـ المضيف الثاني ـ ساكناً.
وفي السياق ؛ فقد أعلن العدو الأمريكي عن قيامه بإجراء الترتيبات الأولية لإجلاء رعاياه من منطقة الشرق الأوسط في حال تطلب الموقف ذلك ، كما صرح مسؤولوه بأن لهم مستشارين عسكريين يعملون مع نظرائهم الإسرائيليين ، فيقدمون لهم النصح ، ويساعدونهم في إدارة هذه الحرب .
أما عن السمات ذات الدلالة في موقف " اليوم السابع عشر" للحرب فكانت على النحو الآتي:
ثانيا : التحليل والتقدير :
لا زال الموقف القتالي على كافة الجبهات ـ غزة ، لبنان ، سوريا ، العراق ـ يراوح مكانة في ظل حالة الاستعصاء والتردد التي يشهدها الكيان المؤقت فيما يخص بدء مناور برية ، هُيئ لها كل متطلبات البدء ؛ من القرار السياسي إلى القدرات القتالية ، إلى الغطاء الدولي ، ومع هذا لم تخرج إلى حيز التنفيذ إلى الآن ؛ فلا العدو أقدم على عمل بري ، ولا المقاومة احتكت به بشكل عملي حقيقي ، حيث بقيت المناوشات النارية هي الطاغية على الموقف في كل الساحات .
كما بقي العدو الأمريكي منخرطاً في الحرب على غزة ، مظهراً مزيداً من أدلة إمساكه بخيوط الموقف ، خاصة على الجبهة المعادية ، فيرسل له المستشارين والإمدادات ، ويقطع الطرق الدبلوماسية في المحافل الدولية ، الأمر الذي بات معه الجميع ينتظرون مبادرة توقف حمام الدم هذا ، حيث يكاد يجمع الجميع على أن هذه المبادة لا يمكن أن تخرج إلّا عن الطرف الأمريكي ، الذي يتريث إلى الآن في إصدار مثل هذه المبادرة .
كما أن المقاومة في غزة أرسلت من رسائل الفعل الميداني ـ قصف غلاف غزة والعمق الفلسطيني ، وعملية إبرار زكيم ـ ما يقول أنها ما زالت على أهبة الاستعداد ، وأنها تملك من الجاهزية القتالية ، والسيطرة القيادة ، ما يمكّنها من التعامل مع مختلف المواقف القتالية ، ومقتضياتها الميدانية ، الأمر ـ صلابة المقاومة وعدم تضررها ـ يفرض على العدو ( الأمريصهيوني) مزيداً من التعنت ، ومزيداً من مد أمد المعركة ، علّه يهيئ ظرفاً ميدانياً ـ توغل بري محدود ناجح ـ أو سياسية ـ ضمانة اطلاق سراح الأسرى ـ فيطلق صافرة إنهاء هذه المعركة ، التي بدأت صفحاتها تكرر نفسها بشكل روتيني .
وعليه فإننا نُقدّر أن الموقف في الـ 24 ساعة القادمة سوف يكون على النحو الآتي :
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
عبد الله أمين
25 10 2023