أولاً : الموقف :
وفي اليوم " التاسع عشر " للحرب الدائرة في غزة ؛ كرر المشهد نفسه برتابته المعهودة ؛ قتل وقصف وتدمير بيوت على رؤوس قاطنيها ، فمسحت أحياء عن بكرة أبيها ، والتحق شهداء بركب أهلهم وذويهم ، وبقي العدو ينشر الموت والدمار على رؤوس السكان والمواطنين ، بلا هدف سوى محاولة كسر إرادة أهلنا وشعبنا في غزة ؛ فلم يفلح ؛ وعادت قوافل النازحين على غير ما أراد رئيس هيئة الأركان " هاليفي " فتحركت شمالاً بدل أن تتحرك جنوباً ، وبدأ بعض الناس يعودون لتفقد ما تبقى من بيوتهم وأحيائهم ، بحثاً عن ذكريات لم يسعفهم الحظ لأخذها معهم .
وفي اليوم "التاسع عشر " للحرب عاد الناطق باسم الجيش " دانيال هاغاري " فكرر ما طلبه من الناس في بدايتها ؛ أن توجهوا جنوباً حيث (الأمن ) والخدمات الإنسانية متوفرة ، ونسي هذا الضابط أن طائراته لم تترك مكاناً آمناً في طول القطاع وعرضه وفي مؤتمره الصحفي اليومي ؛ أفصح الناطق الرسمي باسم الجيش عن طبيعة الشراكة بينه وبينه وليّ نعمته ـ أمريكا ـ عندما أجاب على سؤال حول استعداد كيانه المؤقت للتصدي لأي هجوم جوي من إيران ؟ فأجاب بلا تردد : أن أمريكا هي متولية الشأن الإيراني في هذه المعركة ! أما هم فمجال عملهم غزة ولبنان .
وفي هذا اليوم عاد (الأصيل) ليطمئن على أوضاع ( الوكيل ) فاتصل " بايدن" مع رئيس وزراء الكيان المؤقت " نتنياهو" علّيه يفهم سبب هذا الاستعصاء الذي يشهده الموقف ، متسائلاً ـ بايدن ـ عن الجهود المبذولة للوصول إلى مكان الأسرى ، وما بذل ويبذل من أجل إطلاق سراحهم .
ولم تتوقف طائرات العدوان الـ (أمريصهيوني ) عن قصف مددنا ومخيماتنا في قطاع غزة ، فقصفت "خان يونس " و " مخيم النصيرات " و " رفح " ـ الساعة: 15:20 ـ و " المغازي " ـ 15:25 ـ وارتكبت مجزرة في " اليرموك " مدمرة برجاً سكنياً تقطنه مئات العائلات ، بين نازح ومقيم .
كما بدأ قادة الكيان ومسؤوليه التأكد من صحة نبوءات ( نبي الغضب ) الجنرال " بريك " عندما كان يقول لهم أن جيشهم ليس مستعداً لحرب على الجبهة الشمالية ، وأن قصارى جهدهم أن يردعوا " غزة " وإذ بهم يُفاجأون بما لم يحسبوا له الحساب؛ طوفان من الجنوب اجتاح اسطورتهم ومزق صورتهم ، وها هم يتقاذفون جمر مسؤولية هذا الإخفاق الذي كشف زيف قوتهم ، وهشاشة ردعهم . وفي هذا اليوم أيضاً فاض كأس خلاف الساسة مع العسكر، فبعد يوم من الصورة الثلاثية ـ نتنياهو ، غالانت ، هاليفي ـ ، وبعد يوم من المؤتمر الميداني لرئيسي هيئة الأركان الذي خرج ليقول فيه أن جيشه على استعداد للمرحلة الثانية من العميلة الحربية ، بعد هذه المشاهد ، خرج رئيس وزراء الكيان المؤقت ، ليعلن مغاضباً أن قرار العملية البرية قد أخذ ، وأنه بأجماع الحكومة المصغرة تقرر ، وأن لا خلاف ولا من يختلفون ! وفي اليوم هذا زاد العدو من إجراءات أمنه على الحدود الشمالية ، فمشط بالرشاشات الثقيلة محيط مواقعه ، وقصف ـ الساعة : 1530 ـ بالطائرات المسيرة محيط كفار شوبا ، وحلتا اللبنانيتين ، فارتقى شهيد ، وأصيب آخر ، كما قصف مطار حلب وأخرجه عن الخدمة . وفي ختام هذا اليوم أعلن العدو عن توغل محدود في أرضي القطاع بهدف ( القضاء ) على مواقع للمقاومة فيها وتدمير أصول بنية عليها .
وفي هذا اليوم " التاسع عشر " للحرب ؛ عاد الجيش فأعلن أن عدد قتلاه الذين اجتاحهم الطوفان بلغ 308 قتلى ، أم الأسرى فهم 222 أسيراً .
وفي هذا اليوم بقيت المقاومة ترسل إشارات عافيتها ، وقرائن قدرتها ، وشواهد سيطرتها ؛ فقصفت غلاف غزة ـ " نحال عوز " و " نير عام " و " زكيم " و " رعيم " و "إيرز " وتجمعات العدو فيها أكثر من مرة ، وقصف ـ س : 13:00 ـ حيفا بصاروخ R160 ، و " تل الربيع " الساعة: 17:00 ـ ، و" أم الرشراش " ـ س : 14:30 ـ بصاروخ "عياش " 250 كما استهدفت المقاومة اللبنانية موقعاً للعدو في " أفوفيم " فأصابت فيه دبابة إصابة محققه ، كما استُهدف موقع " البايض " المواجه لقرية " بليدا " ، وقُصفت " كريات شمونا " و "المنارة " و " برانيت " ، وقد زفت المقاومة الإسلامية في لبنان " حزب الله " خمسة من شهدائها في هذا اليوم ، كما قصفت المقاومة العراقية ، مواقع العدو الأمريكي في مطار " أبو حجر ـ خراب الجير " السورية بوابل من الصواريخ .
كما بقيت " الضفة الغربية " مشتبكة مع العدو ، التي حول مدنها وقراها إلى جزر معزولة ، فضيق على الناس سبل عيشهم ، وطرق تنقلهم ، وأطلق النار على كل ما يشك في أنه تهديدٌ له ولقواته وقطعان مستوطنيه فيها، كما اقتحم حي " رفيديا " والحي الغربي في نابلس ، وغيرها من مدن وقرى الضفة الغربية . أما في مناطق الثمانية والأربعين المحتلة، فقد بقي الحال على نفس المنوال !
وفي السياق ؛ فقد بقيت مظاهرات التأييد والدعم تجوب مدنا ًعربية وإسلامية وغربية ، مؤيدة للمقاومة ، وداعمة لخياراتها ، ومدافعة عن شعبها .
وفي السياسية بقي المشهد على عهده ( حركة بلا بركة ) ، موفدين متجولين ، وملتقيين مجتمعين ، وبيانات تصدر ، ولقاءات تعقد ؛ كلها لم تفلح في فتح مستدام لمعابر رفح لدخول المساعدات الإنسانية ، والمتطلبات اليومية لشعبنا المحاصر بالنار والدمار في مدن غزة ومخيماتها .
أما عن أهم السمات ذات الدلالة في موقف اليوم " التاسع عشر " للحرب فيمكن ذكر التالي :
ثانيا : التحليل والتقدير :
لا يزال الموقف القتالي على رتابته اليومية ، فراوحت فعالياته بين قصف ورد بالقصف ، واستمرار العدو استهدافه للمدنيين الآمنين في قطاع غزة ، والبنى التحتية التي تقدم الخدمات الصحية وغير الصحية لهم ، هذا جنوباً ، أما في الشمال ؛ فالحال بين فعل ورد فعل ، في إدارة مضبوطة للموقف ، بحيث لا تنزلق الأمور باتجاه حرب مفتوحة ، لم ير قادة محور المقاومة إلى الآن أن أوانها قد حان . إلا أن صورة قادة المقاومة ـ السيد حسن نصر الله ، زياد نخالة ، الشيخ صالح العاروي ـ التي ذكرت سابقاً ، وما حملته من دلالات ، تشي بأن مرحلة جديدة من الحرب قد نكون دخلنا فيها ، خاصة إذا ما جمعنا هذه الصورة ، مع تصريح رئيس وزراء الكيان المؤقت " نتن ياهو " ، مع ما أُعلن عنه بالأمس من أن توغلاً محدوداً قام به العدو إلى داخل أراضي قطاع غزة ، الأمر الذي يحتاج من المراقبين المتابعة الدقيقة للتغيرات التي ستطرأ على المشهد في الـ 24 ساعة القادمة .
وهنا يجدر الذكر أن بقاء المقاومة الفلسطينية في غزة واللبنانية في شمال فلسطين والعراقية في سوريا والعراق ، وكذلك تفعيل الساحة اليمنية وزيادة اشتباكها مع العدوين الأمريكي والصهيوني ، والضغط عليهما ، وتهديد مصالحهما في المنطقة ، بقاء جهات المقاومة هذه مشتبكة مع العدو ( الأمريصهيوني ) بالنار ـ القريبة والبعيدة ـ ستفرض على العدوين ( الأصيل ) و ( الوكيل ) تريثاً بالقيام بعمل بري واسع ، و حداً من توحش آلة قتلهما في غزة .
وعليه وأمام هذه التطورات ، وتلك المعطيات ، فإننا نعتقد أن الـ 24 ساعة القدمة سوف تكون على النحو التالي :
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
عبد الله أمين
26/ 10/ 2023