كتب وليد العوض
منذ ان انتهت الهدنة المؤقتة عادت اصوات المدافع وزئير الدبابات وأزيز الطائرات لتغطي مساحة غزة واستأنفت دولة الاحتلال هجومها الذي لم ينقطع على قطاع غزة بشكلٍ اكثر عنفاً مما سبق فقد عاش سكان قطاع غزة من شماله حتى جنوبه ومن شرقه إلى غربه ..
ليلة سوداء أوحت وكأن الحرب بدأت للتو ، فقد توالت الاحزمة النارية العنيفة التي تحدث انفجارات متتالية على معظم المناطق السكنية ، كما لم تتوقف غارات الذا ومنصات وقذائف الدبابات والزوارق الحربية لحظة مع استمرار استهداف ما تبقى من مستشفيات ومراكز الدفاع المدنية ومحطات المياه ..
بالترافق مع دعوة الاحتلال للسكان الصامدين في بيوتهم لإخلائها والتوجه لاماكن تدَّعي أنها امنة وهي غير ذلك ، وترافق ذلك مع توغل مكثف لآليات الاحتلال ودباباته في اكثر من محور خاصة في شرق مدينة غزة، ومحافظة الشمال وشرق محافظتي خان يونس ودير البلح، رغم المقاومة الشجاعة التي تواجهها قوات الغزو الصهيونية..
ليلة ساخنة بكل معنى الكلمة، شهدها كل متر مربع من القطاع حصدت مئات الشهداء والجرحى بقي العديد منهم تحت الأنقاض لساعات، ليلة ذرفت فيها الدموع وسال فيها الدم مدرارا يروي ربوعها الطيبة ..
مساء يوم الاحد عند الساعة السادسة إلا ربع وبينما الناس يتجولون في ساحة مركز الايواء يستعدون لمتابعة اخبارهم المتداولة على شاشات التلفاز، يتأهبون لتعبئة المياه بعد تشغيل المولد لساعتين كما اتفق، فإذا بصوت بصوت انفجار رهيب يهز ارجاء المكان نتيجة قصف طيران الاحتلال لمسجد ابو ايوب الأنصاري الملاصق تماما لسور جمعية الشبان المسيحية باكثر من ثلاث صواريخ تحمل أطناناً من المتفجرات..
تطايرت الواح الزجاج وتناثرت الشظايا ومواسير المياة التي تحولت إلى سيوف مشحوذة تنغرس في البطون والرؤوس عندما تصطدم بها.
السنة اللهب ارتفعت، وغطى الدخان والغبار المكان، واختنق الصغار..
الفتية والفتيات داهمت موجات السعال والاستفراغ العديد منهم..
تعالى الصراخ من الكبير والصغير كما نحيب النساء واستغاثة الاطفال..
كل يبحث عن ولده.. عن أمه وابيه ومعارفه وأصدقائه الذين توطدت علاقاتهم إبان الحرب..
لنصف ساعة أو يزيد.. انقشعت سحب الغبار وخفتت ألسنة اللهب وبدأت اثار القصف تظهر للعيان
احتضن كلٌٌ عائلته التي فقد التواصل معها طيلة الفترة الماضية.. منذ بدء الغارة وحتى انجلاء نتائجها..
استجمع الشباب عزيمتهم وبدأوا بازالة الركام الذي انهار على ركن تحتمتي به أسر نازحة وبهمة عالية أزالوها..
ثلاث جرحى جروح اثنين منهم خطيره أُخردوا ونُقلوا على الواح خشبية لاحد الصالات؛ لاجراء ما تيسر من الإسعافات الاولية.
وبعد أن هدأت وتيرة القصف العنيف، اتصل الشباب بالإسعاف الذي بقي يعمل في مستشفى المعمداني.. وتحرك هؤلاء بشجاعةٍ إلى أن باغتتهم قذيفة دبابة وحالت دون استكمال مهمتهم الإنسانية..
كان الجرحى يئنون ويصارعون الموت وسط نحيب ذويهم وأطفالهم حتى ساعات الفجر..
مع بدء النهار الجديد، استشهد أحد الرجال: والد الفتى مصطفى سالم.
انتهت ليلة ساخنة، هي واحدة من بين عشرات الليالي المتواصلة من العدوان، والتي يمضيها الناس في كل زاوية من زوايا غزة ينتظرون الموت المحلق في السماء يتمسكون بالأمل ويعقدون العزم على العيش بحرية وكرامة كباقي شعوب الارض.
وليد العوض- عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
( غزة ٤- ١٢-٢٠٢٣)