أقترح على الإدارة الأمريكية هدم تمثال الحرية المنتصب على شواطئ نيويورك صامتًا غبيًّا لا يضر ولا ينفع بعد أن تغولت السياسة الأمريكية في فجورها الداخلي والخارجي وهدمت رمزية هذا التمثال التي تدّعيها أمّا على الصعيد الداخلي فقد تغولت ظلمًا وعدوانًا ضد مواطنيها الأمريكيين وبات ما تقوم به أجهزة قمعها الرسمية ضد طلاب ثمان وخمسين جامعة أمريكية في واشنطن ونيويورك وتكساس وسائر الولايات الأمريكية الأخرى هو عنوان هذا الفجور المجنون ضد الشعب الأمريكي.
وأما على الصعيد الخارجي فقد أصبح كل أهل الأرض يتأذون اليوم من فجور العلو الأمريكي في الأرض والإفساد الأمريكي فيها، ولذلك بات من المقرف إبقاء هذا التمثال منتصبًا أعمى وأبكم وأصم حاملًا شعلة كراهية عالمية للإنسانية بعامة وللمظلومين كل المظلومين في الأرض بخاصة وفي مقدمتهم شعبنا الفلسطيني، ولن يأتي اليوم الذي ينطق فيه هذا التمثال وسيبقى هو الأخرس العاقر العقيم الذي سينتهي به الحال أن يكون جزءًا من وقود النار يوم القيامة، وأما في هذه الدنيا فقد أصبح رمزًا للإستغفال الأمريكي لكل شعوب الأرض قاطبة، وكأنهم في نظر البيت الأبيض ومجلس النواب الأمريكي ومجلس الشيوخ الأمريكي مجرد أغيلمة قاصرين لا يفرقون بين التمرة والجمرة ولا يميزون بين الثرى والثريا، ولا بين التبر والتراب، ولا بين العبودية والحرية، ولا بين الانحطاط والمدنية، ولا بين التحضر والتخلف، ولا بين التقدمية والرجعية.
ولأن كهنة أمريكا ينظرون إلى شعوب الأرض بهذا المنظار الفوقي الإستعلائي المشوه، فها هم هؤلاء الكهنة وكبيرهم العجوز بايدن باتوا يستبيحون لأنفسهم عن سبق إصرار ارتكاب كل كبائر المتناقضات السياسية في ممارستهم وتصريحاتهم ظانين ظنّ سوء أنّ شعوب الأرض سينطلي عليها كل هذا الصلف الأمريكي وستواصل التصفيق والهتاف من قحف قلوبها: عاشت ماما أمريكا!! وعاشت الكوكا كولا الأمريكية!! وعاش المكدونالد الأمريكي!! وعاش الهمبرجر الأمريكي!! وعاشت أفلام هوليود الأمريكية!! وعاشت حلويات الدونات الأمريكية!!
نعم ها هم هؤلاء الكهنة السحرة وكبيرهم الذي علمّهم السحر بايدن المدمن على البوظة ذات الحجم الكبير، ها هم يظنون أنَّ شعوب الأرض لا تملك العقل السوي حتى تسقط اللثام عن كل هذه الألاعيب الدونية الأمريكية!! وها هم يظنون أنهم قد يسحرون أعين شعوب الأرض ويقومون بدور القاتل والراثي للقتيل، وبدور الخصم والحكم، وبدور الحامي والحرامي، وبدور المحتل والباكي على حقوق المحتلين، وبدور المستعمر والمشفق على أوجاع المضطهدين، وبدور الناسك والثعلب. لكل ذلك يمكن لنا ببساطة أن نلاحظ على كهنة السياسة الأمريكية وكبيرهم العجوز بايدن ما يلي:
1. في الوقت الذي واصلوا فيه الدفاع عن دور الأونروا في أوكرانيا ها هم يطمعون بتجفيف منابع الأونروا في غزة وإلغاء دورها بالمطلق وإن تسبب ذلك بتعميق الكارثة الإنسانية بغزة!!، فلماذا هذا التناقض الأخرق.
2. كم كان قبيحًا من الوزير الأمريكي بلينكن أن يذرف دموع التماسيح في مؤتمر صحفي في الدوحة تظاهرًا بالبكاء على مقتل أسرة إعلامي الجزيرة وائل الدحدوح، وبلينكن يعلم أن مقتل هذه الأسرة وقع بسلاح أمريكي.
3. كم كانت فاضحة المفارقة في أقوال الرئيس الأمريكي بايدن عندما صرّح قبل أيام أنه لن يهدأ له بال ما لم يُعد كل الأسرى الإسرائيليين إلى بيوتهم في الوقت الذي غفل فيه وحتى الآن عن الحديث عن قرابة مليون مهاجر فلسطيني هجروا بيوتهم في شمال غزة واستقروا في خانيونس ورفح بعد أن تم تدمير بيوتهم وفقدوا الشعور بالأمن على حياتهم.
4. كم هي سخيفة محاولة بايدن أن يقنع العالم أن بإمكانه أن يقوم بدور الوسيط بين المؤسسة الإسرائيلية وحركة حماس، وأن بإمكانه إبرام صفقة بينهما في الوقت الذي يشهد فيه كل أهل الأرض أن المُتسبب بالكارثة الإنسانية بغزة هو السلاح الأمريكي، وأن المُتسبب بالإبادة الجماعية بغزة هو السلاح الأمريكي، وأن المُتسبب بفرض سياسة التجويع على نساء غزة ورضعها وأطفالها ومرضاها هو السلاح الأمريكي، مما يعني أن وساطة بايدن هي مجرد هراء ولا نزاهة فيها ولا قيمة لها لأنها تقوم أصلًا على حمل العداء قبل ذلك للشعب الفلسطيني.
5. لو فرضنا جدلًا أن مجموعة طلبة أمريكيين رفعوا صوتهم في الجامعات الأمريكية مُطالبين بحفظ الحرية للشواذ جنسيًا ذكورًا وإناثًا لأشادت كل إدارات هذه الجامعات بهؤلاء الطلبة ومجّدت أسماءهم وساندت مطلبهم، ولكن عندما ارتفعت أصوات الطلبة الأمريكيين في ثمان وخمسين جامعة أمريكية مُطالبة بحفظ حياة الشعب الفلسطيني وإيقاف الإبادة الجامعية بغزة وإيقاف الحرب فيها ورفع الكارثة الإنسانية عنها، استدعت إدارات هذه الجامعات الشرطة الأمريكية وريثة الكاوبوي الأمريكي، وقامت هذه الشرطة باعتقال هؤلاء الطلبة الأمريكيين لدرجة أنها اعتقلت حتى كتابة هذه السطور ألف وثلاثمائة من
هؤلاء الطلبة، وهكذا بقي تمثال الحرية المنتصب على شواطئ نيويورك مجرد كومة حجارة بلهاء لا تدري ما يدور حولها، ولا تفقه قبح الإشاعات التي روّجتها إدارة الرئيس العجوز بايدن حول هؤلاء الطلبة لشيطنة مطالبهم.
6. عقدت مقارنة سريعة بين فلم أمريكي دارت كل أحداثه حول إنقاذ كلب وشارك في ذلك الفلم مشاهير من الممثلين الأمريكيين، ولعل ذلك الفلم نال جوائز فنية، ولعل البعض رشحه لنيل جائزة الأوسكار، عقدت مقارنة بين هذا الفلم وبين مظاهرات الطلبة الأمريكيين في الجامعات الأمريكية الذين يُطالبون بإنقاذ شعب اسمه الشعب الفلسطيني من خطر الجوع والأمراض والحصار، فقلتُ في داخلي: أي زمن هذا الذي نعيش فيه، فمن يُطالب بإنقاذ كلب ينال الجوائز العالمية، ومن يُطالب بإنقاذ شعب في خطر يُتهم باللاسامية، مع تأكيدي أن قيمنا الإسلامية العروبية الفلسطينية تدعونا للرفق بكل حيوان بما في ذلك الكلاب
7. لا يزال الرئيس العجوز بايدن وسائر أبواقه يدّعون أن الذي يجري في غزة اليوم هو حرب بين المؤسسة الإسرائيلية وحركة حماس، وهذا غير صحيح، لأن ويلات هذه الحرب وقعت على كل الشعب الفلسطيني في غزة، وقد أنتجت هذه الحرب كارثة إنسانية مهولة بمشاهدها وأرقامها، وكان في مقدمة ضحايا هذه الكارثة الإنسانية عشرات الآلاف من الرضّع والأطفال والنساء، ومع ذلك لا تزال الأبواق الأمريكية تُماحك وتدّعي أنها مجرد حرب على حركة حماس، وتحت غطاء هذا الادّعاء لا تزال الكارثة الإنسانية تنمو بغزة، ولا تزال إدارة بايدن وعكاكيزه تجود بالدعم العسكري والمالي والسياسي والإعلامي للمؤسسة الإسرائيلية، ولا يزال صوت الإدارة الأمريكية في هيئة الأمم المتحدة يُحبط أية محاولة لإيقاف هذه الحرب بغزة، وفي الوقت نفسه لا تزال هذه الإدارة الأمريكية تتغنى بالسلام والشفقة على المدنيين بغزة، والحرص على تقديم المساعدات الملغومة إنسانيًا للمُحاصرين بغزة.
8. لكل ذلك فقد تحوّل تمثال الحرية المنتصب على شواطئ نيويورك بعد أن هدمت الإدارة الأمريكية رمزيته التي تدّعيها إلى (هُبل أمريكا)، وباتت كل شعوب الأرض في خطر أن تتحول إلى قرابين لهذا التمثال الدجال (هُبل أمريكا) وبات الخلاصُ من قُبحِ أثرِهِ يعني بداية إعلان حرية كل شعوب الأرض من السطو المسلح الأمريكي المتواصل على هذه الشعوب الكادحة المطحونة.