أولاً : الموقف :
قبل البدء في سرد أهم معطيات الموقف الميداني في الضفة الغربية في الاسابيع الثلاثة الماضية ثم تحليليه للوقوف على على دلالاته ؛ نود تذكير القُراء الكرام أننا نسجل أهم المعطيات التي تطرأ على الموقف في ساحة المقاومة هذه ، ولا نعتني بتسجيل كل ما يجري من تطورات جزئية أو روتينية ، على اعتبار أن ميدان الضفة الغربية يسجل كل يوم عشرات المواقف التفصيلية الثانوية ، والتي تحتاج ملاحقتها إلى فرق عمل مختصة ومتفرغة ، كما أن التركيز عليها قد يؤثر في فهم المشهد الإستراتيجي والعملياتي لساحة العمليات هذه ، والذي يعد فهمه وتحليل دلالته ؛ أهم بكثير من الانشغال في متابعة الجزئيات الصغيرة .
أما في الموقف ؛ فقد اتسم الموقف الميداني في الأسابيع الثلاثة الماضية بمجموعة من السمات ، كما تخلله مجموعة من التطورات ، كان من أهمها ما يأتي :
- استمرار العدو في عمليات الاقتحام والمداهمة ، ومحاصرة القرى والمدن في الضفة الغربية ، خاصة الشمالية منها ، الأمر الذي نتج عنه ارتقاء عشرات الشهداء من أبناء المقاومة والمدنيين ، كما تم اعتقال وتوقيف الكثير من سكان القرى والمدن المُقتحمة .
- شهدت الأيام الماضية تطوراً نوعياً في عمليات المقاومة ؛ خاصة عمليات زرع العبوات واستهداف آليات العدو ـ عبوة جنين في 27 06 و عبوة نور شمس في 01 07 ـ ، الأمر الذي نجم عنه قتل ضابطين من ضباط العدو ، كما سقط له كثيرٌ من الجرحى في هذه العمليات .
- ذكرت المواقع الإخبارية المعادية أن العدو سوف يبدء بتزويد فرق طوارئ مستوطنات الضفة الغربية بأجهزة اتصال ذكية نظام " إيزي توك " ، حيث تعطى الأولية لهذه الأجهزة في حالات الطوارئ ، كما أنها قادرة على العمل بنظام اللاسلكي ، وإرسال إشارات استغاثة ذكية إلى النظام الأم.
- تعزيز أمن المستطونات في الضفة الغربية ، بالتنسيق مع وزارة دفاع العدو والمجالس المحلية بناء على برنامج أمني لعام 2024 بكلفة 75 مليون شيكل .
- تشكيل العدو فرقة جديدة من المجندين الاحتياط للعمل في الضفة الغربية .
- بدء حديث العدو عن إمكانية الشروع في إدخال ناقلات الجنود المدرعة للعمل في الضفة الغربية .
- إدامة استخدام العدو للطيران المسير ـ الوحدة 636 هي المسؤولة عن تشغيل الطيران المسير في الضفة الغربية حيث يعمل في ملاك هذه الوحدة 1400 مجند وضابط ، منهم 600 مجندة ـ والمأهول في استهداف المقاومين والعمل على تحييدهم .
- سحب العدو الصلاحيات التنفيذية لسلطة الحكم الذاتي التي كانت ممنوحة لها ، خاصة في شرق بيت لحم ، وجنوب شرق القدس .
- استمرار أجهزة أمن سلطة الحكم الذاتي بالتضييق على المقاومين ، وإعطاب وتعطيل بعض العبوات التي يقوم المقاومون بزرعها ، في حال حصلت هذه الأجهزة على معلومات عنها ، كما أقدمت هذه القوات على مصادرة أسلحة وأدوات قتالية للمقاومين ، خاصة في مدينة " طوباس " .
- اعتقال مقاوم من الخلية التي أطلقت النار من مخيم طول كرم على مستوطنة " حيفر " نهاية أيار 2024 .
- تزايد عمليات الهدم والتهجير للتجمعات السكانية بداعي عدم الترخيص ، أو بحجة وجودها في أماكن مصنفة ضمن مناطق النشاط العسكري .
- استشهاد مقاوم ـ موفق ضراغمة / 25 عام ـ أثناء زرعه عبوة ناسفة في طوباس .
ثانيا : تحليل الموقف والدلالات :
- لا يزال العدو يمارس ضغطه على المقاومة في الضفة الغربية ، عبر عمليات الاقتحام والمداهمة اليومية ، مستثمراً ما يقوم بجمعه من معلومات عبر مختلف مصادر جمعه البشرية والفنية ، أو ما يقوم بتحصيله من المعتقلين ميدانياً ، أو في أقبية السجون وغرف التحقيق ، كما أنه يستفيد بشكل كبير جداً مما يتم نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي من مقاطع فيديو ، أو حوارات ونقاشات .
- لقد بدأ العدو يستشعر خطر تطور عمل المقاومة في مجال الهندسة وإعداد وتشغيل العبوات ، حيث رأى أثرها على آلياته وجنوده ، حيث تم تحييد ضابطين من ضباطه ، وإعطاب آليتين من آلياته أثناء عملها في طول كرم وجنين ، الأمر الذي سوف يدفع العدو :
- زيادة جهوده الهندسية الثقيلية عبر جرافات الـ D9 ، أو القصف الجوي ، والجهود التقنية والالكترونية بما يستخدمه من أجهزة التشويش )jammer(تساعد في إعطاب هذه العبوات ، أو تشغيلها عكسياً.
- مراجعة إجراءات عمله أثناء الاقتحامات والمداهمات ، بحيث يقضي على تهديد هذه العبوات قبل تشغيلها من قبل المقاومين .
- قد يلجأ العدو وعبر الهندسة العكسية إلى تصنيع مثل هذه العبوات ، وتشغيلها ضد المدنيين ، والبيئة الحاضنة للمقاومة ، في إجراء الهدف منه تأليب هذه الحاضنة على المقاومين . وفي نفس السياق ؛ قد يقوم العدو وعبر عملائه إلى تخزين المواد الأولية في أمكان مدنية ومن ثم تفجيرها ، تحقيقاً للهدف المشار له سابقاً .
- تكثيف الجهد المعلوماتي لملاحقة دائرة العمل الهندسي المقاوم ـ فنيين ، مُطورين ، مُعدين ، مؤمني الأدوات ، المشغلين ـ بحيث يقطع هذه السلسلة ويمنعها من الاكتمال ومداومة العمل . كما قد يحاول الدخول على هذه الدائرة لإحباط هذه العملية ، أو تفخيخ مسارها ـ مسار عملية التصنيع ـ ومنع انتشارها .
- تغير إجراءات الأمن الجاري التي يعتقد العدو أن المقاومين بدأوا بالتنبه لها ، ومعرفة مؤشرات بدئها ، وطرق إجرائها .
- الاستعانة بقدرات قتالية أكثر صلابة وتدريعاً أثناء عمليات المداهمة والاقتحامات ، حيث شوهد العدو ينقل ناقلات جنود مجنزرة إلى أماكن قريبة من طول كرم .
- كأحد دروس معركة " طوفان الأقصى " ؛ العدو في صدد تطوير عمل مستوطنيه ومستوطناته المنتشرة في الضفة الغربية ، بحيث يتم رفع منسوب أمن وتأمين هذه التجمعات والقاطنين فيها بهدف :
- الاستفادة منهم كعامل إنذار مبكر على أي تهديد من مدن وقرى الضفة الغربية .
- عامل إزعاج للمواطنين يفضي إلى تهجير سكان القرى والتجمعات المحيطة بمدن الضفة الغربية.
- قوات احتياط ومشاغلة في حالة حدوث أي خطر صادر عن قرى ومدن الضفة ، إلى حين تعبئة قوات الجيش النظامية لمواجهة المخاطر والتهديدات المتصورة من هذه القرى والمدن .
- عامل استنزاف وكشف حجم قدرات وخبرات المقاومة ، عبر شن هجمات إيذائية تدفع المقاومين للتصدي لهم ، فتُستنفذ ذخيرتهم ، ويُكشف مستوى خبرتهم .
- هناك مؤشرات وقرائن على نجاعة متابعة العدو الأمنية لنشطاء المقاومة والفاعلين فيها ، حيث استطاع أن يلقي القبض على عنصر في خلية طول كرم ، كما أنه في تصريحه أمس بعد عملية "حرش السعادة " في جنين ، ذكر ـ العدو ـ أن المستهدف فيها هو من قام بتفجير أو شارك في تفجير عبوة جنين التي قتلت أحد جنوده ، الأمر الذي يعني :
- أن مصادر العدو البشرية العاملة في منطقة العمليات ، نشطة إلى الحد الذي تستطيع أن تحضر فيه المعلومة الذهبية التي يتحرك على إثرها العدو نحو تنفيذ إجراء التحييد بشكل فوري ومباشر.
- إن استفادة المقاومين من وسائل التواصل الاجتماعي في التصوير ، ونقل الأخبار ، وتوثيق الأعمال ونشرها ، تفضي إلى كشف طرق عملهم ، وشخوصهم الحقيقية ، الأمر الذي يساعد في تتبع حركتهم ، ومن ثم العمل على تحييدهم ، حتى ولو بعد حين .
- لا يزال العدو يعمل ، ويراهن على تأليب الحاضنة الشعبة على المقاومة عبر ممارسة المزيد من عمليات التدمير للبنى التحتية والخدمية في الأماكن التي يدخلها ، حيث تفيد المعلومات أن 40% من مخيم جنين أصبح غير قابل للعيش ، كما غادره كثيرٌ من أهله ، الأمر الذي ينطبق على مخيمي "نور شمس " في طول كرم ، و " الفارعة " في طوباس .
- إن الدخول الفاعل لأجهزة أمن سلطة الحكم الذاتي على خط مواجهة المقاومين ، يعد أحد الجهود الرئيسية التي يستفيد منها العدو الإسرائيلي في تحييد المقاومين ، أو الحد من فاعلية إجراءاتهم والسيطرة عليها ، فالعدو يستفيد من هذه الأجهزة في :
- تأمين معلومات ومعطيات صلبة عن المقاومة والمقاومين .
- تحييد الأصول البشرية والمادية للمقاومة ، في المكان الذي لا يستطيع العدو الوصول له .
- تأليب الحاضنة الشعبية على المقاومة عبر بث الإشاعات المغرضة والمحرضة عليها وعلى المقاومين .
الخلاصة والتوصيات :
لا شك أن هناك تطوراً نوعياً في عمل المقاومة ، ظهر في إجراءاتها الهندسية ، عبر القدرة على إعداد وتشغيل عبوات بدأت تجبي أثماناً بشرية ومادية من العدو ، إلا أن المحصلة الكلية لمسير حركات المقاومة ، وما يجبيه العدو من أثمان بشرية من كوادرها والعاملين فيها ، فضلاً عن الأثمان المادية ، يجعلنا نقول أن المقاومة في الضفة الغربية تشهد حالة من الاستنزاف البشري والمادي الذي يحرمها من مراكمة الخبرات والقدرات التي يمكن أن تُشكل تهديداً ذا مصداقية على العدو الأمر الذي يتطلب :
- عمل وقفة تعبوية متفق عليها بين جميع قوى المقاومة لمراجعة استراتيجية عملها ، على أن لا يُغفل عن نشاط العدو ومتابعة حركته أثناء هذه الوقفة ، وفي هذا تفصيل ليس مكانه هنا .
- تحديد أهداف محددة لأعمال المقاومة قابلة للتحقيق ضمن ما تملكه في هذا الوقت من قدرات بشرية ومادية ، وما لديها من خبرات فنية .
- توثيق ومراجعة أعمال العدو واستخلاص العبر والدروسالعملية والأمنية منها .
- مراجعة آليات ووسائل وإجراءات القيادة والسيطرة الميدانية للمقاومة ؛ الداخلية منها والخارجية .
- مراجعة آليات ووسائل وإجراءات توثيق ونشر أعمال المقاومة وإنجازاتها ، واخضاعها لمعيار الجدوى والأكلاف .
- الاستثمار في العامل البشري ورفع كفاءته وسويته الأمنية والفنية والقيادية .
- التخفف من الأعمال ذات الجدوى المعنوي ، والتركيز على الأعمال ذات البعد والأثر التعبوي .
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .