مقدمة :
لا شك أن المتابع لتطور عمل المقاومة في الضفة الغربية ما قبل وما بعد معركة "طوفان الأقصى " يرى أنها تتطور وتقطع أشواطاً مهمة ؛ تنجح مرة ، وتخفق أخرى ، وهذا من طبيعة الأمور ، وما في ذلك من ضير ؛ فهي تواجه عدواً يملك من القدرات والخبرات ، وحرية المناورة ، ما يجعله يتوفق عليها في البعد المادي والأدواتي بمراتب كثيرة . كما أن هذا العدو يخوض معاركه على أرض المقاومة وفي بيئتها ، فيبادر بالتعرض عليها ، واقتحام معاقلها ، فارضا ً عليها معركة دفاعية تخوضها بين أهلها وناسها وبيئتها الحاضنة ، الأمر ـ وقوع المعركة في بيئة المقاومة ـ يشكل في حد ذاته نقطة قوة للمقاومة إن تم الاستفادة من هذا الظرف الموضوعي بالشكل المطلوب ، ونقطة ضعف إن لم ينتبه لهذه البيئة ومتطلباتها ، وما تفرضه على المقاومة والمقاومين من محددات وضوابط عمل عند تفعيل القدرة وتشغيلها . ففي الوقت الذي يمكن أن تشكل هذه البيئة الحاضنة درعاً واقية للمقاومة من بأس عدوها ؛ فإنها تشكل عنصر ضغط نفسي ومعنوي يضغط عليها ؛ كنتيجة طبيعية لما تتحمله هذه الحاضنة من ضرر في أصولها البشرية والمادية ، مما يجعلها ـ الحاضنة ـ تنشغل في نفسها وترميم ما تضرر ، وتعويض ما تدمر ، بدل أن تفكر في كيفية تطوير دورها في حماية المقاومة والمقاومين ، وحماية ظهرهم .
إلّا أن هذه النظرة المتفائلة لعمل المقاومة وتطورها في الضفة الغربية ، لا يجب أن يحملنا على التعامي عن رؤية ما تشهده ساحة العمل هذه من حالة استنزاف للقدرات البشرية والمادية ، يفرض على العاملين فيها والمراقبين لسير تطورها طرح الأفكار ، وإجتراح السبل والوسائل الكفيلة بوقف حالة الاستنزاف هذه ، قبل أن تخرج عن السيطرة ؛ خاصة وأن جغرافيا الضفة الغربية هي ساحة الصراع الأساسية ، وصاحبة الدور الأهم في رسم معالم معركتنا مع هذا العدو الصائل ، الذي يفسد الدين والدنيا .
إن مثل هذا الموقف ، يدفعنا إلى النظر في إعادة التفكير في كيفية تشغل ما تملكه المقاومة من قدرات بشرية ومادية في الضفة الغربية ، بحيث تحقق أفضل النتائج ، بأقل الخسائر ، ومن ثم تتحول إلى عنصر ضغط حقيقي ، وتهديد ذا مصداقية على أصل مشروع العدو ، وسبب بقائه في الضفة الغربية ، ونشره لما لا يقل عن 24 كتيبة قتالية في هذه المنطقة الجغرافية والمتمثل ـ أصل مشروع العدو ـ بــ :
وهو وما ستحاول أن تجيب عليه هذه الورقة ، بما يسمح به المجال والمقال ، على أمل أن تسد هذه الورقة ثغرة إن وجدت ، وتعزز وتدعم وتساهم في حماية ثغر موجود .
في المباني والأصول :
قبل أن نبدأ الحديث في أصل هذه الورقة ، والتفصيل في هذه ( الرؤية ) ، لا بد لنا من التطرق إلى مجموعة من الأصول والمباني التأصيلية والمفاهيمية ، لما لهذا الأمر من آثار إيجابية في فهم الفكرة المرد طرحها ، وهنا لن نثقل على القارئ ، وسنكتفي بالتطرق إلى ثلاثة مرتكزات كلية ، تتفرع منها بعض الأوصول الفرعية ؛ هذه المرتكزات هي :
أولا ً: أسباب بناء القدرات العسكرية ومراكمتها ونشرها :
أولى هذه المرتكزات هي الأسباب التي تدفع الدول ، أو الهيئات السياسية والحركية لبناء ومراكمة قدرات عسكرية ، ومن ثم نشرها وتشغيلها ، وهنا نَذكر وبدون تفصيل وشرح ، أن أهم الأسباب الداعية لبناء القدرات ومراكمتها ونشرها ما يأتي :
ثانياً : أهداف حرب العصابات ومهام المقاومين :
نقطة الإرتكاز الثانية المُشكّلة لأرضية بحث هذه ( الرؤية ) المقترحة هي : الهدف من حرب العصابات ، والمهام الملقاة على عاتق المقاومين والثائرين ، وأيضاً نذكرها دون شرح وتفصل ، فقد تحدثنا عنها في أكثر من مقال ومقام ، حيث أن الهدف من حرب العصابات ، ومهام الثائرين لا يعدو :
ثالثا : مرتكزات تخصيص القدرات وتحديد الجهود :
أما فيما يتعلق بنقطة البحث الثالثة كبعد تأصيلي في هذه الورقة ، فهو ما يرتبط في محددات ومرتكزات تخصيص القدرات ، وتحديد الجهود ، وهنا فإن أهم ما يحضر عند الحديث عن تخصيص القدرة وتحديد الجهود أربعة عناوين رئيسية ، تتبعها شروحٌ تفصيلية وفنية ، نغض الطرف عنها حتى لا نطيل البحث ، هذه العناوين الكلية هي :
فالمناط الرئيسي لتخصيص القدرات البشرية والمادية يرجع أولاً وأخيراً إلى الهدف الكلي من بناء هذه القدرات ومراكمتها ، وهنا يحضر الحديث السياسي قبل الحديث الفني والمهني ، ويختلط في تحديد هذا الهدف جهد رجال السياسية مع رجال الاختصاص .
وبناء على تحديد الهدف الكلي ، تظهر إلى العلن المهام الرئيسية ، التي توصل إلى تحقيق الأهداف أو الهدف الكلي ، مما يعني أن القدرات سوف تخصص لتلك الجهات التي يناط بها تنفيذ أهم المهمات في المسار نحو تحقيق تلك الغيات .
ومن الأمور التي تدخل في عملية تخصيص القدرات ، وتحديد الجهود ، فتترك أثراً عليها ؛ الجغرافيا التي ستشغل فيها هذه القدرات لتحقيق تلك الغايات ، فرب جغرافيا تطلبت مزيد من القدارت والإمكانات ، ليتمكن العاملين فيها من تحقيق ما يسند لهم من مهام وواجبات ، في مسير تحقيق ما تحدثنا عنه من أهداف كلية وغايات ، وهذا بحث تفصيل يطول الحديث فيه .
العامل الرابع الذي يدخل في عملية تخصيص القدرات ، وتحديد الجهود ، ويؤثر عليها ، ما يصطلح عليه عند أهل ( الكار ) بالتدبير القيادي الصادر عن الهيئة القيادية التي تقود مسار بناء القوات وتشغيل القدرات ، فهي التي ترى الصورة الكلية لمسرح أو منطقة العمليات ، وهي من يدير المعركة مع العدو ، وهم من يعرفون المآلات النهائية من تشغيل القدرات القتالية ، وعليهم يقع عاتق تنسيق الجهود المختلفة لتحقيق تلك المهام الكالية ، لذلك هم من يقع على عاتقهم تحديد كيفية تخصيص القدرات ، وكيف وأين تحدد الجهود .
الرؤية التشغيلية :
نصل الآن على ( الرؤية ) التشغيلية المقترحة لما هو متوفر من قدرات للمقاومة في الضفة الغربية ، الأمر الذي سنعرض له من خلال عنوانين رئيسيين :
العنوان الأول هو أهداف الرؤية والمتمثل بـ :
أما العنوان الثاني فهو مضمون الرؤية :
تقضى ( الرؤية ) المقترحة بـ : قطع التماس القتالي مؤقتاً مع قوات العدو النظامية ، مع بقاء التماس المعلوماتي معه ، وتركيز الجهود على ضرب مشروع الاستيطان في الضفة الغربية بجميع مكوناته البشرية والمادية والخدمية بحيث يتحول إلى عبيء على صانع القرار الصهيوني ، يبحث عن سبل التخفيف منه ، والحد من أضراره ، في ظروف سياسية وعسكرية هو في أشد الحاجة فيها لتحسين صورته ، وتحرير قدراته العسكرية للتفرغ لمواجهة تهديدات أكثر جدية يواجهها في الجنوب والشمال .
خامساً : الوسائل وطرق العمل التنفيذية :
لتحقيق هذه الرؤية لا بد من أن تنصب الجهود على بناء القدرات ومراكمة الخبرات فيما يُمكّن المقاومين من الاستخدام الأمثل لــ :
وتحقيقاً لهذه الرؤية لا بد من رعاية مجموعة من التدابير والضوابط من أهمها :
يزعم كاتب هذه السطور أن هذه الرؤية بحاجة إلى مزيد من النقاش التخصصي من أهل الفن والكار ، فيزاد عليها أو ينقص منها ، حتى تتوائم مع ما نواجهه من تحديات عسكرية وأمنية في الضفة الغربية . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .