مستوى التهديد من الضفة الغربية يذكّر بأيام الانتفاضة الثانية

بقلم: شالوم بن حنان

القناة ١٢ العبرية

حالة من الحزن الشديد لفّت البلد برمته مع عودة الإسرائيليين المخطوفين الذين قُتلوا في قطاع غزة. وبينما كنا نبكي على أمواتنا، ونشاهد صور أولاد عائلة بيباس، انفجرت عبوات شديدة الانفجار في 3 باصات في بيت يام، في هجوم كان يمكن أن ينتهي بمقتل عشرات الإسرائيليين. المعجزة وحدها منعت تكرار المشاهد، التي  عشناها في أيام الانتفاضة الثانية، للباصات المحترقة وعشرات القتلى والمصابين جرّاء انفجار عبوات ناسفة وهجمات انتحاريين. ويدل عدد العبوات، التي كانت معدّة للانفجار في وقت واحد في عدد من الساحات، على بنية "إرهابية"، لديها قدرة على التخطيط لهجوم معقّد وتنفيذه.

في ظل الحرب في غزة، وخصوصاً في ظل الانتظار المتوتر لتحرير المخطوفين، تدور حرب حقيقية في الضفة الغربية. ومنذ بداية الحرب، يواجه الشاباك والجيش الإسرائيلي مستوى "إرهابياً" غير مسبوق، يتطلب عمليات كبيرة، واستخداماً للقوة، مثل تلك المستخدمة في غزة ولبنان. وتشمل هذه النشاطات عمليات متكررة وأياماً قتالية، وخصوصاً في شمال الضفة، مع آلاف الاعتقالات، واغتيال عدد كبير من "المخربين"، وإنذارات كثيرة، وإحباط هجمات، قبل حدوثها، وفي قسم منها، كانت الخلايا في طريقها للقيام بالهجوم. لقد نجحت القوى الأمنية، إلى حد كبير، في منع تسلّل "الإرهاب" إلى ما وراء الجدار والتسبب بحرب داخل مخيمات اللاجئين والبلدات الفلسطينية، وذلك من خلال استخدام سياسة "جزّ العشب" بصورة مذهلة، وبنسب نجاح كبيرة.

العبوات التي وُضعت في باصات بيت يام تؤكد المخاوف من تصاعُد درجة "الإرهاب" في الضفة الغربية، وعودة المشاهد المريعة للهجمات الكبيرة ضد أماكن تزدحم بالناس في وسط البلد. ويمتاز الهجوم الذي جرى منعه بميزات مقلقة، بالإضافة إلى مكانه: فوجود عدد من العبوات، التي كان من المفترض أن تنفجر في وقت واحد في ساحات مختلفة، يدل على براعة نسبية ومستوى عالٍ من الأداء وبنية تحتية منظمة. في العامين الأخيرين، تعودنا على بنى "إرهابية" منظمة ومسلحة بقوة، وتحظى بالتمويل والدعم من إيران، مع سلاح متطور وعبوات عسكرية شديدة القوة، ومسيّرات، وأجهزة اتصال، وحوامات، ووسائل كثيرة أُخرى. وعلى الرغم من ذلك، فإن زرع عبوات في باصات في قلب المدينة، يتطلب بنية ذات قدرة متقدمة على تصنيع العبوات وجمع المعلومات والنقل وقدرة على التخطيط والقيادة.

فالتمويل والتأييد من إيران وتنظيمات "إرهابية"، والانتقال إلى استراتيجية "الإرهاب" اللامركزي، أمور خلقت بنى تحتية "إرهابية" مستقلة لا تنتمي، بالضرورة، إلى تنظيمات تقليدية، وتستند إلى علاقات عائلية ومحلية. هذا التحدّي مختلف عن تحدّي التنظيمات التقليدية التي تعمل جاهدةً لإعادة ترميم وبناء بناها التحتية التي تتعرض لضغط لا يتوقف لإحباط هجماتها. يجب أن نضيف إلى ذلك ضُعف السلطة الفلسطينية التي تسمح بنمو هذه الميليشيات المحلية.  ويطرح تراجُع فعالية السلطة الفلسطينية في التصدي للهجمات تساؤلات كبيرة عن مستقبل التعاون الأمني معها وقدرتها على الحوكمة.

بيْد أن تراخي السلطة الفلسطينية لا يمكن أن يغطي على الفشل الاستخباراتي والعملاني الذي برز في تفجير العبوات في الباصات. ويشمل هذا الفشل كل الدوائر الأمنية، بدءاً من الدائرة الاستخباراتية، في الكشف عن التنظيمات والبنى التحتية بشكل مسبق، مروراً بوجود ثغرات في السياج الحدودي، والحركة التي لا تتوقف إلى داخل مدينة بيت يام، وعدم وجود حراسة مناسبة للباصات ومواقفها. الافتراض الأساسي هو أن المعلومات الاستخباراتية، مهما كانت عالية ونوعية،  لا يمكن أن تقدّم رداً شاملاً على التهديدات والسيناريوهات. يمكن أن تشكّل دوائر أمنية أُخرى، مثل السياج الأمني وقوات عسكرية وحواجز وحراسة محلية، استكمالاً للرد. حقيقة أنه بعد 20 عاماً على انتهاء الانتفاضة الثانية، لا يزال السياج الأمني مليئاً بالفجوات التي تسمح بالعبور الحرّ "للمخربين" والمقيمين بصورة غير شرعية، هي فشل تنظمي. المعالجة المتساهلة  مع المقيمين غير الشرعيين من كل الأنواع، هي استمرار لهذا الفشل. لقد أعطى رئيس الأركان، بعد هجوم يوم الخميس، تعليماته بزيادة عدد القوات، وهذا الأمر يمكن أن يستمر عدة أيام، لكننا نعود بسرعة إلى واقع السياج المخترق والعبور الحر.

يجب أن نضيف إلى ذلك التغيير النظري المطلوب الذي يفرضه تصاعُد مستوى "الإرهاب" في الضفة الغربية. فبعد ظاهرة تفجير الباصات في الانتفاضة الثانية، وُضعت حماية مسلحة على الباصات، وكذلك، وُضع حراس على مداخل مراكز التسوق والمطاعم وأماكن اللهو. إن مستوى التهديد من الضفة الغربية، اليوم، مشابه لما حدث سابقاً، وقد يكون أعلى من نسبة التهديد في الانتفاضة الثانية.

  المطلوب تغيير النظرية  في الجبهة الداخلية من أجل تقديم ردّ شامل على كل التهديدات، بالإضافة إلى زيادة اليقظة وسط الجمهور، الأمر الذي أدى في الهجوم الأخير إلى إنقاذ حياة راكبة في أحد الباصات، وبهذه الطريقة، يمكن أن نواجه سلسلة هجمات التفجيرات بشكل أفضل.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023