قناة N12
إيهود باراك
مرّ 17 شهراً تقريباً على السابع من أكتوبر، والهدف الأكثر إلحاحاً لا يزال تحرير جميع المخطوفين فوراً، ودفعة واحدة. لا يزال العشرات منهم في قيد الحياة، مقيدين بسلاسل على جدران الأنفاق. والقتلى الذين تُركوا لمصيرهم يمكن أن يتحولوا إلى "رون أراد" [الطيار الإسرائيلي الذي أُسقطت طائرته في عام 1986ووقع في الأسر في جنوب لبنان ثم فُقد أثره].
هذه الأيام، نتنياهو يخرق الاتفاق الذي وقّعه. والمرحلة (ب) من الصفقة لم تتوقف بسبب حسابات الدولة الأمنية، ولا لأن محور فيلادلفيا هو "أساس وجودنا"، بل لأن غولدكنوب [وزير الإسكان والبناء] وسموتريتش يهددان بقاء الحكومة ومستقبل نتنياهو السياسي الخاص. يخطط نتنياهو لتجميد كل شيء مدة شهر، ثم يعود إلى القتال الكثيف في قطاع غزة، والهدف هو تفكيك حُكم "حماس"، كأن هذا الهدف لم يكن هو نفسه منذ 17 شهراً. يمكن لخرق الاتفاق والتهديد بالعودة إلى القتال الكثيف فوراً، وخاصة في حالة تجديد القتال، أن يكون بمثابة حُكم إعدام بحق أغلبية المخطوفين الذين ما زالوا في قيد الحياة.
يبدو أننا أمام هدفين متناقضين: الأول، هو تحرير جميع المخطوفين فوراً، وهو ما سيقود إلى نهاية الحرب، بحسب الاتفاق؛ والثاني، هو تفكيك سلطة "حماس" في غزة، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلّا عبر العملية العسكرية الكثيفة، بحسب نتنياهو، وهذا ما يتجهز له الجيش. هنا يكمن الخطأ الاستراتيجي الكبير الذي يجرّ نتنياهو إليه أيضاً الرئيس دونالد ترامب ومستشاره ستيف ويتكوف. الحقيقة هي أن الطريقة الوحيدة لتفكيك حُكم "حماس" كلياً تكمن في استجلاب كيان شرعي آخر ليحكم مكانها في القطاع. هذه الحقيقة معروفة منذ 7 أكتوبر، ونتنياهو أفشل كلّ محاولة لنقاشها - بما معناه اليوم التالي- لمنع سقوط حكومته.
خلال هذه الأيام، تحديداً، تقترح مصر والسعودية الدخول في المفاوضات بخطة تقوم على التالي: تشكيل لجنة توجيهية لغزة برئاسة دول اتفاقيات السلام واتفاقات أبراهام، وضمنها السعودية. وستعمل هذه اللجنة بتكليف من الجامعة العربية، وبدعم من الولايات المتحدة، وبقرار من مجلس الأمن. وتحت رعايتها، سيكون هناك سلطة تكنوقراط فلسطينية تدير الشؤون المدنية في غزة. ستكون القاعدة أنه ممنوع على أيّ شخص، من بين الخمسين ألف شخص الذين سيعملون في المجال المدني البيروقراطي، سبق أن كان جزءاً من الذراع العسكرية لحركة "حماس"، أو شارك في هجمات 7 أكتوبر. وسيتم تدريب قوات الأمن الفلسطينية تحت مسؤولية مصر، وبتمويل من السعودية والإمارات، ثم تدخل للعمل في القطاع بالتدريج. هكذا يُخلق واقع لا تسيطر فيه "حماس" على غزة، ولا يمكنها تهديد إسرائيل من القطاع. هذه الخطة ليست مثالية، لكن كان يجب على إسرائيل تجنيد الولايات المتحدة منذ اليوم الأول، من أجل القيام بالتعديلات المطلوبة وجعلها أكثر ملاءمة. مثلاً: انسحاب إسرائيل إلى حدود المنطقة العازلة فقط، والانسحاب كلياً، فقط بعد أن تتأكد من نجاح عمل الخطة. أو على سبيل المثال، الطلب من قوات اللجنة التوجيهية الدخول إلى القطاع مدة تتراوح ما بين 9 و18 شهراً، وأكثر، وذلك لضمان عدم اندماج النواة المسلحة للذراع العسكرية لـ"حماس" سابقاً بالقوة لإحباط العملية، وهكذا دواليك.
وفي هذا السياق، من المهم التذكير بأن "حماس" تستطيع ضرب الجيش من الخلف على مدى سنوات، لكنها لا تستطيع فتح النار على مصر التي تسيطر على بوابة الحياة، بالنسبة إلى غزة، أو على السعوديين، أو الإماراتيين، الذين يسيطرون على الأموال لإعادة إعمار غزة، وخصوصاً أنهم يصلون برعاية الجامعة العربية، وبقرار من مجلس الأمن.
وأكثر من ذلك، إن خطة كهذه، مرفقة بتحسينات إجبارية، هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن يسمح بعودة جميع المخطوفين فوراً، وحتى قبل البدء بتطبيقها فعلياً، وهي تندمج بشكل طبيعي في طموح إدارة ترامب بشأن التطبيع مع السعودية، الذي يحتل مرتبة عالية في سلّم أولويات الإدارة.
إن رغبة نتنياهو في تجديد القتال الكثيف على طريق "النصر المطلق" على "حماس" مبالَغ فيها لأننا كنا في القطاع مع 5-6 ألوية. دخلنا إلى جباليا 4 مرات، وثلاث مرات أُخرى إلى دير البلح، ومن غير الواضح عن أي "انتصار مطلق" يتحدثون، ويتحقق هذه المرة. يجب التذكير بأنه: حتى بعد 3 أو 4 أشهر إضافية من القتال في القطاع، سيُقتل عدد كبير من "إرهابيي" حركة "حماس"، لكنها ستجنّد مكانهم؛ أيضاً سيُقتل عدد كبير من الضحايا المدنيين الأبرياء، ويُدمّر مزيد من المباني؛ وسيسقط عدد غير قليل من جنود الجيش بين قتلى ومصابين؛ وستزداد الأصوات التي تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب؛ ولا سمح الله، ستتزعزع اتفاقيات أبراهام، ويمكن أن نرى شقوقاً في اتفاقيات السلام مع مصر والأردن.
وبعد أن نتوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار ونسأل: لمن سننقل السلطة في القطاع كي لا تسيطر "حماس" وتهدد إسرائيل؟ لن نجد اقتراحاً أفضل من الموجود على الطاولة الآن، الشركاء في اتفاقات أبراهام واتفاقيات السلام.
وحدها السلطة المنشغلة بنفسها، والتي فقدت علاقتها بالواقع، يمكن أن تخرج إلى قتال كثيف من دون أن تستنفد، أولاً، إمكان التوصل إلى نتيجة أفضل، عبر المفاوضات، بدلاً من التورط باستمرار الحرب.
نتنياهو، المسؤول الرئيسي عن التخلي عن المخطوفين يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر،وهو الذي أفشل صفقات التبادل التي كانت ممكنة وثمنها هو أننا دفنّا وسندفن المزيد، لا يملك السلطة الأخلاقية (وفي نظري، القانونية أيضاً) للتضحية بحياة المخطوفين الأحياء من أجل الخروج إلى حرب، كان الهدف الوحيد الحقيقي منها بقاء سلطته وتأجيل مساءلته بشأن مسؤوليته الشاملة عن أخطر إخفاق في تاريخ إسرائيل. هذا في الوقت الذي يوجد بديل، عبر المفاوضات أولاً، أمامنا على الطاولة، ومكشوف أمام الجميع.
نتنياهو هو الذي قال عن رئيس حكومة آخر: "إن حياة الأمة ليست مسار بقاء شخصي لرئيس الحكومة". هذه الأقوال تنطبق أيضاً عليه، وهو لن يستنتج ذلك وحده. لكن يجب أن يعرف كل مواطن، ويعرف الرئيس ترامب وطاقمه أيضاً: أن نتنياهو ليس دولة إسرائيل. إنه إنسان منتخَب قانونياً، لكنه فقد قدرته على قراءة الواقع، ويعمل استناداً إلى مصالحه، وأصبح بقاؤه السياسي على رأس سلّم أولوياته، وهو لا يقوم بدوره وواجباته كقائد، وينتهك الثقة التي مُنحت له.