قراءة تعبوية في وثائق غير رسمية

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

أولاً : توطئة : 

يغض البعض الطرف عن قراءة ما ينشره العدو من أخبار ودراسات ومقالات وتحليلات ، ويتجنب ذلك ، على اعتبار أن ما ينشر من قبل العدو قد يكون في سياق عملية تضليل يمارسها ضدنا ، الأمر ـ عملية تضليل ـ الذي يجب الانتباه له عند مطالعة كل ما ينشر من طرف العدو ؛ خاصة إن كان المنشور مرتبطاً بالشؤون العسكرية أو الأمنية ؛ كيف لا ومقص الرقابة العسكرية هو صاحب صلاحية النشر أو الوقف في كل ما يرتبط بالأمن (القومي) لهذا الكيان المؤقت . إلّا أننا نزعم أن المطالع والمتابع لشؤون العدو ، إن كان من أصحاب الاختصاص ومن المتابعين الدقيقين ، والموكبين الدائمين ، فإنه يستطيع أن يستخلص كثيراً من الأمور المفيدة التي تساعد في فهم العدو وبيئته ، ومن ثم توقع توجهاته المستقبلية وفهمها . فنحن نعيش في عصر المعلومات ، وعصر وسائل التواصل الاجتماعي التي لم تترك (ستر مغطى) على شيء ، بحيث وصل الأمر بأجهزة المعلومات ومن أجل منع الأعداء والخصوم من الاستفادة مما ينشر ويُتداول ويتسرب ـ عن قصد أو بدون قصد ـ من معلومات ، لجأت هذه الأجهزة إلى عمليات الإغراق المعلوماتي ؛ بحيث يستفيق الواحد منا كل صباح على (طوفان) من الأخبار والمعلومات والدراسات ، إلى الدرجة التي لا يستطيع تميز غثها من السمين . إلّا أن أهم ما يمكن أن يساعد في اقتناص المفيد والسمين مما ينشر ويذاع ، ويُجنب الانشغال في الغث هو ، ليس فقط معرفة ما نريد وما نبحث عنه من معلومات في هذه الجبال من المعطيات ، وهو ما يعبر عنه في عالم الاستخبارات بـ "الاحتياج المعلوماتي" ، بل الأهم من ذلك كله هو معرفة ما لا نريد مما يتدفق بين أيدنا من أخبار ومعلومات ودراسات وفتات معطيات ، عندها فقط تسهل عمليات الاستخلاص والانتقاء ، ولا تُضيّع الأوقات ، وتهدر الموارد في غير فائدة . 

كانت هذه المقدمة من أجل القول أننا في هذه الورقة التي بين أيدينا نستند إلى ما نشر في إعلام العدو من أوراق ، هي خلاصات وثائق مرتبطة بعمليات المراجعة الداخلية التي يقوم بها العدو لأحداث السابع من أكتوبر 2023 ، سمح مقص الرقيب العسكري بنشرها ، كما نعتقد أنه سيسمح بنشر غيرها ، الأمر الذي يتطلب المتابعة والتحليل ، بهدف فهم الاتجاهات الكلية المقبل عليها هذا الكيان المؤقت فيما يخص ترميم قدراته ، وإعادة صياغة استراتيجياته ، لما لهذا الفهم من أهمية في عملية تطوير وترميم قدرات المقاومة ، كون مسار بناء القوات وتطويرها ، فضلاً عن ترميمها ، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور شكل التهديد والمخاطر الناتجة عنه . 

ثانيا : مضامين الوثائق : 

سنحاول تحت هذا العنوان استخلاص أهم مضامين (الوثائق) التي نريد أن نعيد قراءتها وتحليلها ، حيث حملت (الوثيقة) الأولى أهم الخلاصات التي توصل لها جيش الكيان المؤقت في تحقيقه الأولي ، والتي عرضها على سكان (مغتصبات) غلاف غزة ، حيث كانت تلك الخلاصات على النحو الآتي : 

  1. لم يأخذ جيش الدفاع الإسرائيلي في الحسبان على الإطلاق سيناريو الهجوم المفاجئ الواسع النطاق ؛ فقد كان ينظر إليه باعتباره سيناريو غير محتمل، بل وحتى ليس سيناريو قريباً منه .
  2. هُزمت فرقة غزة لعدة ساعات . بين الساعة 6:30 و12:30 لم تتمكن قوات (الدفاع) الإسرائيلية من السيطرة على المنطقة المحيطة بغزة .
  3. فوجئ جيش (الدفاع) الإسرائيلي بالهجوم نفسه .
  4. يعتمد جيش (الدفاع) الإسرائيلي في فهمه للعدو ( إقرأ قوى المقاومة ) على مجموعة من المفاهيم الخاطئة التي انهارت في السابع من أكتبور 2023 .
  5. سمح جيش (الدفاع) الإسرائيلي بوجود تهديد جدي وخطير على (حدوده) . 
  6. كان الجيش واثقاً تماماً من أنه سيكون هناك تحذيراً استخباراتياً مبكراً قبل أي هجوم.

وفي نفس (الوثيقة) جاء أن رئيس هيئة الأركان المستقيل "هرتسي هليفي " قد استخلص لنفسه عشرة دروس من الحرب ، هي على النحو الآتي : 

  1. تغيير في مفهوم الأمن ، يجب ألا نسمح بعد الآن لأي عدو ببناء قوة على (حدودنا) . 
  2. من الخطأ "خوض صراع" مع عدو يريد تدميرك ـ يمنع الدفع بهدوء - حتى لا تكبر المشاكل .
  3. يتعين على جيش (الدفاع) الإسرائيلي أن يكون أكثر استعداداً لهجوم مفاجئ واسع النطاق . وهناك حاجة إلى خلية تحذيرية تابعة لهيئة الأركان العامة تتولى التحقق من الأمر باستمرار، وخلية لبناء صورة الموقف في هيئة الأركان العامة ، هي المسؤولة عن بناء الصورة عندما ينهار كل شيء.
  4. يتعين على جيش (الدفاع) الإسرائيلي أن ينمو، وأن يحتفظ بعدد أكبر من القوات على الحدود. مزيد من قدرات التجميع ، ومزيد من النيران الأرضية ، والمزيد من الأدوات الجوية المتاحة للانتشار الفوري .
  5. من الضروري تعزيز أسس الاستخبارات ، ولكن أيضا عدم الاعتماد على الاستخبارات كثيراً . 
  6. هناك حاجة إلى مزيد من الاحترافية في الدفاع المدني في المحليات .
  7. من الضروري تعزيز الأساسيات القتالية لكل جندي في جيش (الدفاع) الإسرائيلي ، ليس فقط في الدوريات ، بل وفي الكتائب أيضًا.
  8. مطلوب من جيش (الدفاع) الإسرائيلي بناء المزيد من البؤر الاستيطانية على الحدود . 
  9. مطلوب إنشاء إدارة مراقبة لهيئة الأركان العامة . 
  10. يجب تعزيز القيم في القتال . 

أما فيما يخص (الوثيقة) الثانية فهي عبارة عن مقال للكاتب "رون بن شاي "  قال فيها أن أحد الدروس التي استفادها العدو من الحرب هو : وجوب أن يمتلك الكيان المؤقت جهازاًدفاعياً مكوناً من ثلاث منظومات ، تبدأ من داخل فلسطين المحتلة ، وتنتشر على حدود غزة ولبنان وسوريا ، وتكون على النحو الآتي : 

منظومة الدفاع الأولى : داخل أراضي فلسطين المحتلة، وستتضمن استحكامات دائمة ، وعائقاً برياً يتضمن جداراً و/ أو سوراً ومجسات مختلفة لضبط الحدود، وكذا منظومة محاور سير سريعة ، وقوات كثيرة وعناصر دفاع جوي ومدفعية . 

منظومة الدفاع الثانية :ستكون داخل أرض العدو، وستشكل مدماك “دفاع متقدم”، كما كان قائماً في الحزام الأمني في لبنان قبل عام 2000 . 

منظومة الدفاع الثالثة :قائمة على تجريد المناطق التي يمكن أن تشكل تهديداً على الكيان المؤقت من أي نوع من السلاح ، أو من نوع معين من الأسلحة . 

أما فيما يخص الحدود مع مصر والأردن فإن الـ ( وثيقة ) تتحدث عن بناء جهاز دفاعي داخل أراضي فلسطين المحتلة مكون من استحكامات وعوائق ووسائط رصد وجمع معلومات من مختلف الأنواع. 

ثالث : تحليل الـ (وثائق) : 

يُستنتج من قراءة الـ (وثائق) وتحليل مضامينها ، أن العدو قد خلص إلى مجموعة خلاصات يمكن إجمال أهمها بما يأتي : 

  1. عدم الاستخفاف بالعدو أو التقليل من شأنه . 
  2. مراجعة المفاهيم التي تبنى عليها الخطط العسكرية في شقيها الدفاعي والهجومي ، والتي من أهمها :
  • مفهوم الدفاع . 
  • مفهوم الهجوم والعمل التعرضي . 
  • مفهوم العمل على الخطوط الداخلية ، والعمل على الخطوط الخارجية . 
  • مفهوم الاستخبارات ، والذي يشمل جزئيات كثيرة من أهمها : بناء القدرات الاستخبارية ، تشغيل المصادر الاستخبارية البشرية والفنية ، استثمار المعلومات الاستخبارية .   
  • مفهوم التهديد . 
  • مفهوم نقل المعركة إلى أرض العدو ، شكلاً ومضموناً . 
  1. مفهوم الردع ومقتضى تحققه ووسائل قياسه . 
  2. التواضع وتجنب الثقة زائدة عن الحد بالنفس والقدرات . 
  3. معرفة نوايا العدو أهم بكثير من معرفة قدراته ؛ حيث أن معرفة النوايا مرتبط بمقدار فهم بيئة العدو ومنظومة قيمه الاجتماعية والدينية والأخلاقية ، ودينميات تفكيره . 
  4. أهمية الاستفادة من القدرات الرديفة ـ الداخلية أو الخارجية ـ في عمليات الاسناد والدعم والسيطرة على الموقف القتالي واحتواء ارتداداته ، في مختلف مناطق المسؤولية أو العمليات ، إلى حين تعبئة وحشد القدرات العسكرية النظامية . 
  5. أهمية عدم ترك التهديد يخرج إلى حيز التنفيذ ، والمبادرة إلى التعامل معه مجرد نشوئه ، والقضاء عليه في مهده.
  6. تعزيز دور الرقابة على الأعمال والإجراءات ، وعدم الحجر على الرأي الآخر ، وتعزيز عمل الفريق الأحمر في أعمال هيئة الأركان على المستوى المركزي والمناطقي . 

رابعاً : الإجراءات المستقبلة المتصورة بناء على الخلاصات المستنتجة : 

  1. ترميم القدرات ـ البرية والجوية  والبحرية ـ بما يحقق الردع . 
  2. تشغيل القدرات بما يثبت فاعليتها القتالية تحقيقاً للرعب كمقدمة للردع . 
  3. إيلاء العامل البشري مزيداً من الأهمية في دورة المعلومات الاستخبارية . 
  4. مواجهة التهديد خارج مناطق المسؤولية بعمليات استباقية . 
  5. تعزيز وسائط الإنذار المبكر عبر إدامة السيطرة البصرية والنارية على مناطق انطلاق التهديدات المستقبلية . 
  6. تعزيز قدرات نقل المعركة إلى أرض العدو بامتلاك منظومات نارية أرضية ، لما لها من دور في تعزيز عامل الرعب المفضي إلى الردع . 
  7. تعزيز قدرات السيطرة على فضاء المعركة ، الالكتروني والسيابراني . 
  8. إدامة التماس مع التهديدات القريبة ، منعاً لتطور مخاطرها وإبقائها ضمن الحد المقبول والمُتحمل .
  9. تسليح الأرض وتجهيزها ؛ من الحافة الأمامية لمنطقة القتال ، وحتى عمق منطقة المسؤولية . 

خامساً : فيما يعني قوى المقاومة ، مقتضيات المواجهة ومتطلباتها : 

  1. متابعة تطور الموقف المعادي ورصد وتحليل متغيراته ، ليبنى على الشيء مقتضاه . 
  2. مراجعة مجموعة المفاهيم الحاكمة ، والموجهة للعمل المقاوم ، بمختلف أوجهه ؛ السياسية والعسكرية والتنظيمية. 
  3. توفير متطلبات صمود الحاضنة الشعبية ؛ ولو بحدها الأدنى .
  4. رعاية أصل التأمين الشامل ـ أفراد ، مقرات ، معلومات ـ في كافة الأعمال والإجراءات . 
  5. سلب العدو ( مبررات ) و(دوافع) التواصل و / أو التعمل معه من قبل الأشخاص الحقيقيين أو الحقوقيين . 
  6. اعتماد أصول ومبادئ الحرب غير المتكافئة واستراتيجياتها ؛ خاصة في وسائط القيادة والسيطرة (C4I). 
  7. تعزيز مفاهيم ومقتضيات الدفاع السلبي ومتطلباته . 
  8. تفعيل دور المقاومة الشعبية ، كرديف مهم في استنزاف العدو ، وفرض واقع لا آمن له ولقطعان مستوطنيه . 

كانت هذه جولة سريعة في هاتين الـ (وثيقتين) غيرالرسميتين ، حرصنا أن نقرأ ما بين سطورها ، وفهم دلالات ما جاء في بنودها ، بهدف تحصيل المزيد من الفهم لهذا العدو الذي يفسد الدين والدنيا . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . 

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023