قراءة تعبوية في وثيقة غير رسمية

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

أولاً: مضمون الوثيقة: 

كلف رئيس وزراء الكيان المؤقت "نتن ياهو" في مثل هذا الشهر من العام الفائت الجنرال المتقاعد "يعقوب ناجل"، المسؤول عن لجنة فحص ميزانية الأمن وبناء القوة المشكلة عام 2023، والتي ترفع توصياتها إلى وزارة دفاع الكيان فيما يخص جبهات قتال محتملة، كُلف هذا الجنرال بمهمة دراسة الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة، ووضع جيش الكيان المؤقت، على أن يقدم اقتراحات وتوصيات تتعلق بالأمن القومي ، مع عدم إغفال التطرق للميزانة الدفاعية، حيث خلصت اللجنة المشكلة إلى خلاصات، وقدمت اقتراحات جائت على النحو التالي: 

  1. يقظة مستمرة، واستراتيجية مرنة وقابلة للتكيف بدرجة كبيرة، لضمان الاستجابة السريعة للتهديدات الناشئة بغض النظر عن مصدرها. 
  2. إعادة تعريف مفهوم الردع، وتطوير مبدأ الإنذار المبكر. 
  3. إذا كانت الأولية سابقاً تعطى للاحتواء والدفاع، فمن الضروري الانتقال إلى الوقاية والهجوم. الوقاية تعني عدم اختراق العدو للحدود، والهجوم يعني العمل الاستباقي. 
  4. إعادة توزيع الجهد والوسائل بين الدفاع والهجوم بنسبة 70% هجوم، 30% دفاع . 
  5. إعادة تعريف كيفية حماية الحدود وتجنب 7 أكتوبر آخر. 

إن هذه المقالة ستحاول أن تحلل هذه الوثيقة غير الرسمية، وقد نعتناها باللارسمية لقناعتنا أن ما نُشر؛ هو ما سمحت الرقابة بنشره، وأن هناك نسخة أخرى بقية طي الكتمان، ما خفي فيها أعظم. 

ثانياً: القراءة التعبوية: 

سنحلل في هذا الجزء من المقالة ما ذكرته هذه الوثيقة غير الرسمية من توصيات واقتراحات، دون إطناب مملل، ولا إيجاز مخل. 

  1. الاستراتيجية المرنة: 

يتطلب امتلاك استراتيجية مرنة، وقابلة للانعطاف والتكيف مع تهديدات متعددة المصادر، أن تتوفر الظروف الذاتية والموضوعية الآتية: 

  • معرفة وفهم قوس التهديدات التي يواجهها الكيان المؤقت؛ موضوعياً، وجغرافياً. بحيث يتم موضوعياً تحديد مركز ثقل هذه التهديدات من حيث الصنف، بري و/أو بحري و/ أو جوي و/ أو سيبراني. جغرافياً، بحيث يحدد منشأ هذه التهديدات من حيث الجغرافيا، دون استثناء جغرافيا الداخل، المتمثلة بالمناطق المحتلة عام الثمانية وأربعين، أو الضفة الغربية، فضلاً عن غزة. 
  • ترتيب الأوليات بناء على خطورة وفورية هذه التهديدات. 
  • بناء تحالفات، وصداقات، إقليمية ودولية تساعد في تعزيز القدرة وزيادة بأسها. 
  1. إعادة تعريف الردع:

يُعرّف الردع في أبسط صوره على أنه حالة من السكون، تفرضها نتيجية قراءة وتحليل وتقدير الموقف، المبني على معادة الجدوى والأكلاف، بحيث يتحقق الردع عندما تكون أكلاف الفعل، أكبر بكثير من جدواه. مما يعني أن الخصوم والأعداء يميلون إلى مراكمة القدرات، وإظهار بأسها في التمارين والمناوارت، وعرض أجزءاً منها في المناسبات والاحتفالات، بحيث توصل عمليات التظاهر هذه رسائل مؤداها، أن العدوان سيجر مغارم أكبر بكثير مما سيحصّل مغانم. لذلك فإن مراجعة تعريف الردع تعني أموراً كثيرة، من أهمها ما يأتي: 

  • عدم الاكتفاء بمراكمة القدرات لدرء المخاطر والتهديدات.
  • إدامة تشغيل القدرات، خارج التمارين والمناورات، لإثبات صدقية التهديدات. 
  • زيادة (مسافات) أمن الاقتراب من الخطوط الحمر و الــ( محرمات). 
  1. من الاحتواء والدفاع، إلى الوقاية والهجوم:

يقتضي التحول من استراتيجية الاحتواء والدفاع، إلى الوقاية والهجوم، مقتضيات عدة، من أكثرها أولوية ما يأتي: 

  • إمتلاك قدرات دفاعية يعتد بها، قادرة على امتصاص الضربة الجوابية على إجراءات المبادرة الهجومية.
  • إمتلاك قدرات أمنية وعسكرية يعتد بها قادرة على ضبط الجبهة الداخلية. 
  • إمتلاك شبكات معلومات ، تشمل مختلف وسائط الجمع البشري والتقني، تساعد على تشكيل فهم واضح عن العدو، وبناء بنك أهداف لمختلف صنوف النار، البرية والجوية والبحرية، فضلاً عن أهداف الأسلحة السيبرانية. 
  • إمتلاك قدرات هجومية، ثابتة ومتحركة، قادرة على المناورة القريبة والبعيدة في مسارح ومناطق العمليات. 
  • إمتلاك قدرات ردع نووي مطلق، الأمر الذي يعني حرية وقدرة الرد على الرد. 
  • إمتلاك سردية، ورواية تبرر المبادرة للهجوم.  
  1. تخصيص القدرات؛ هجوماً ودفاعاً الأمر الذي يتطلب:
  • ترتيب مسرح / مسارح العمليات وفقاً لجدية وفورية ومصداقية التهديدات. 
  • إمتلاك قدرات حفظ وحماية القدرات والأصول الهجومية. 
  • إيلاء الدفاع السلبي،  وإجراءات الوقاية المدنية الأهمية المناسبة. 
  1. كيفية تعزيز حماية الحدود من خلال: 
  • زيادة الاعتماد على الدفاع المحلي في (المغتصبات) الحدودية. 
  • تعزيز المناطق الحدودية بقدرات إنذار مبكر؛ تقنية وبشرية. 
  • تسليح المناطق (الميتة) في المناطق الحدودية بقدرات قتالية تأخيرية. 
  • بناء شبكات عملاء، ومصادر معلومات محلية على جانبي المناطق الحدودية. 
  • تعزيز وتوثيق العلاقات الرسمية مع الدول الحدودية. 

في الخلاصة

لقد فرضت معركة "طوفان الأقصى" على العدو الإسرائيلي مراجعة مجموعة من المفاهيم والأصول العسكرية والأمنية، الأمر الذي مكّنه من التعامل مع عدة جبهات قتال، شملت ثلاث مناطق عمليات في الداخل: غزة والضفة الغربية ومناطق الثمانية وأربعين، وخمس مناطق عمليات في الخارج ضمت: لبنان، سوريا، العراق، اليمن، إيران. الأمر الذي يفرض على قوى المقاومة؛ الشعبية منها والرسمية، التي تناصب هذا الكيان المؤقت العداء، كما يستهدفها هو بعدوانه، يفرض عليها أن تجلس معاً، لتفكر بعقل جمعي، وتعيد مراجعة وتعريف سلسلة من المفاهيم والأصول والتدابير، التي حكمت حتى هذه الساعة طرق معرفتها وفهمها وسلوكها مع هذا العدو الغاصب الذي يفسد الدين والدينا، وعلى رأس هذه المفاهيم، وفي المُقدّم منها مفهومي: الحلف و المحور، وما ينبني على هذين المفهومين من مقتضيات وإجراءات سياسية وعسكرية وإدارية. إلّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعملون. 

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025