قراءة تعبوية في مناورة القوات الإسرائيلية في المناطق الجنوبية السورية

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

أولاً: الموقف: 

استغل العدو الإسرائيلي سقوط النظام السوري في 08 12 2024 للتوغل في المناطق الجنوبية السورية، حيث اندفعت قواته المرابطة على مرتفعات جبل الشيخ، وفقاً لاتفاقة الهدنة الموقع مع الحكومة السورية عام 1974، اندفعت شرقاً مسيطرة على كامل مرتفعات الجولان. ثم توغلت وعلى مراحل في قرى ومدن محافظة القنيطرة ودرعا، حيث وصلت قوات العدو إلى مدينة "قطنا" والتي تبعد عن العاصمة دمشق حوالي الـ 20 كلم. كما أقام العدو تحصينات، ومواقع ثابتة في " قرص النفل" شمال غرب حضر، مقيماً مهبطاً للمروحيات في هذه القاعدة. كما حَوّل العدو " تل أحمر غربي" إلى مركز قيادة لقواته العاملة في منطقة العمليات هذه. وفي سياق نفسه؛ أقام العدو في منطقة جبل "بربر" نقطة ارتكاز عملياته، كما شوهدت قواته متوغلة في قرية " قلعة جندل"، الأمر الذي يرجح معه أن يديم العدو توغله في هذه المناطق، وصولاً إلى احتلال التلال الإستراتيجية المتواجدة في منطقة العمليات مثل: " تل المقتول" و " التل الفرنسي" القريبين من بلدة " بيت جن". 

في خلاصة الموقف؛ بات العدو يسيطر على ما يقرب من 600 كلم مربع من جنوب سوريا، تتضمن القرى والبلدات والمناطق الآتية: قمة جبل الشيخ، التي ترتفع عن سطح البحر قرابة 2800 متر، وقرية صيدا الجولان، قرى "عابدين"  و"معريا" و "كويا" في ريف محافظة درعا الغربي، قرية " نافعة " في حوض اليرموك، و" الدرعيات" و " البصالي" و" عين القاضي" و "الرفيد" في ريف القنيطرة، وقرى " المقرز" و " أم باطنة" و "جملة" و" سوسة". كما يسيطر العدو في منطقة العمليات على المسطحات المائية التالية: سد الشيخ حسين، سد سحم، سد الوحدة، سد كودنا، سد رويحينة، سد بريقة. هذا وقد صاحب توغل العدو، وسبقه، غارات جوية، وقصف مدفعي، ناهز الــ 450 طلعة وغارة جوية، طالت معظم المدن والمحافظات السورية، مدمرة وبشكل شبه كامل، القدرات الجوية والبرية والبحرية للجيش السوري.    

ثانياً: قوات مناورة العدو: 

تقع منطقة العمليات هذه، ضمن مناطق مسؤولية المنطقة العسكرية الشمالية للعدو. حيث يناور العدو في هذا المنطقة بالفرقة المناطقية 210 ، التي تتضمن في تشكيلاتها ألوية القتال التالية: 

1.اللواء التاسع مشاة(عوديد) احتياطي، والذي يضم في تشكيله الكتائب التالية

  • الكتيبة 7006 مشاة.
  • الكتيبة 9204 مشاة
  • الكتيبة 9211 مشاة
  • كتيبة 6724 استطلاع
  1. اللواء 679 مدرع «يفتاح» (احتياط) المشكل من الكتائب التالية: 
  • الكتيبة 8108 مدرعة. 
  • الكتيبة 8112 مدرعة.
  • الكتيبة 8232 مدرعة.
  • الكتيبة 9227 مهندسين مدرعة.
  1. اللواء الإقليمي 474 «جولان» - قطاع هضبة الجولان والذي يتضمن الكتائب التالية: 
  • الكتيبة 7490 مشاة.
  • الكتيبة 7491 مشاة.
  1. اللواء الإقليمي 810 «حرمون» – قطاع جبل الشيخ والذي يتضمن الكتائب التالية: 
  • الكتيبة 9307 مشاة.
  • الكتيبة 1810 مشاة.
  • وحدة جبال الألب.
  1. لواء احتياط 209 مدفعية (كيدون). 
  2. كتيبة إشارة الفرقة (شنير).
  3. كتيبة 595 استخبارات ميدان (النسر).
  4. اللواء اللوجستي. 
  5. السرية 210 هندسة. 

ثالثاً: أهداف العدو من مناورته واحتلاله

  1. تقسيم سوريا

الهدف الأسمى للعدو من تدخله في سوريا، والتوغل في جنوبها؛ تهيئة الظروف لتقسيم سوريا، تحت ذرعية (حماية) الأقليات والدفاع عنها، ومنع تواجد أي قوات عسكرية، أو أمنية في هذه المناطق، قد تتحول إلى بؤرة تهديد مستقبلي لقواته العاملة منطقة مسؤولية الفرقة 210. 

  1. ضمان حرية مناورة قواته في منطقة عمليات معادية:

ضمان حرية المناورة والعمل لقواته في منطقة معادية، كانت قبل سقوط النظام منطقة نشاط ، للمقاومة الإسلامية اللبنانية(حزب الله) وقوى محلية أخرى، الأمر الذي يكسبها ــ قوات العدو ـــ خبرة ، ومعرفة بالبيئة العملياته، مما يسهل عليها التعامل مع أي تهديد مستقبلي في هذه المنطقة. 

  1. منع نشوء تهديدات مستقبلية

حيث أن المنطقة كانت منطقة نشاط معادي للعدو، فإن توغل قواته، وتمركزه في مناطق حاكمة ضمن منطقة العمليات هذه، وسيطرته على شبكة المواصلات فيها، تمكنه من منع نشوء بؤر تهديد مستقبلية، بغض النظر عن مكونات هذه البؤر، أكانت محلية، أو وافدة. 

  1. استخدام المناطق المحتلة كورقة مساومة مستقبلية:

كما يمكن أن يتم استخدام هذه المناطق المحتلة كورقة مساومة بين العدو والنظام السوري الجديد، فلا ينسحب منها إلّا بعد تأمين مصالح له، ليس أقلها، نزع سلاح هذه المناطق، وتجريد أهلها من أسباب القوة، ووسائل الدفاع. 

  1. تثبيت وجوده على كامل مرتفعات جبل الشيخ:

إن بقاء العدو محتلاً لكامل مرتفعات الجولان، يشكل هدفاً إستراتيجياً له، لذلك فإن احتلال المناطق السورية الحالية، قد تشكل ورقة مهمة بيد العدو، يستخدمها في أي مفاوضات مستقبلية مع النظام السوري، بحيث يُثّبت العدو بقاءه في مرتفعات الجولان، مقابل الانسحاب مما يحتله من مناطق في الجنوب السوري، الأمر الذي يعد مكسباً استراتيجياً للعدو، لا يقدر بثمن. 

  1. تهديد المناطق اللبنانية: 

إن مناورة العدو في هذه المناطق، يؤمن له فرصة لتشكيل تهديد جدّي على مناطق لبنانية محاذية لها، فهو يستطيع أن يهدد مرجعيون، وحاصبا، وراشيا، وصولاً إلى منطقة المصنع اللبناني، وما في هذه المساحة من قرى وضيع ودساكر.

  1. قطع خط إمداد حزب الله من البقاع الشرقي بالتجاه البقاع الغربي فالجنوب اللبناني:

يعد محور بعلبك زحلة راشيا حصابيا مرجعيون، أحد محاور وطرق وصول (حزب الله ) إلى الجنوب البناني في حال قطع طريق بيروت صيدا صور، لذلك فإن تواجد العدو في المناطق الجنوبية السورية، يهدد هذا المحور، ويجعل الحركة عليه غير آمنة، مما يعني قطع طريق إمداد الجنوب عبر البقاعين الأوسط والغربي. 

  1. حماية جناح تشكيله المناور على محور، المطلة مرجعون حاصبيا راشيا المصنع اللبناني:

إن العدو في حالة أي حرب شاملة على لبنان، وتوغل بري، سوف يسلك ثلاثة محاور تقدم بتجاه العمق اللبناني، أحد هذه المحاور هو المحور الشرقي: المطلة حاصبيا راشيا المصنع اللبناني، وهذا المحور حتى تكون الحركة عليه آمنة، لا بد من تأمين جناحيه: الغربي عبر قوات تعمل على الحافة الشرقية لسلسلة جبال لبنان الغربية، والجناح الشرقي، والذي كان إلى ما قبل سقوط النظام السوري غير مؤمن، وحيث أن العدو الأن يسيطر على مناطق واسعة من الجنوب السوري، فإن هذه السيطرة أمنت الجناح الشرقي لقوات العدو العاملة على محور المطلة حاصبيا راشيا. 

رابعاً: إجراءات العدو في منطقة العمليات: 

يقوم العدو بسلسلة من الإجراءات التعبوية في منطقة العمليات، من أهمها ما يأتي: 

  1. الدوريات القتالية. 
  2. بناء نقاط ارتكاز عملياتة، وخطوط دفاع موضعية. 
  3. احتلال المناطق الحاكمة والمشرفة على منطقة العمليات. 
  4. اعتقالات ومداهمات وتحقيقات ميدانية، يتطور بعضها، بحيث يتم نقل معتقلين إلى الأرض المحتلة كأسرى وموقوفين. 
  5. تفتيش منازل ومزارع المواطنين والسكان. 
  6. عمل حواجز ثابتة وظرفية في منطقة العمليات. 
  7. بناء شبكات من المصادر والعملاء.
  8. زرع أجهزة تنصت ومراقبة، مرئية وغير مرئية، توفر له عنصر إنذار مبكر على المخاطر والتهديدات. 

خامساً: التهديدات والتحديات الناتجة عن احتلال العدو ومناورته: 

  1. تهديد العاصمة السورية دمشق.
  2. تسهيل احتلال مناطق و/أو سرعة عمليات الإلحاق لقوات المناورة في مناطق عمليات لبنانية.
  3. تسهيل محاصرة وعزل العاصمة اللبنانية بيروت. 
  4. زيادة النزعات الانفصالية لدى بعض الأقليات الدينية والعرقية السورية. 
  5. إعاقة  قيام حالة مقاومة في المناطق الجنوبية السورية.
  6. السيطرة على المسطحات المائية في منطقة تشهد حالة شديدة من شح وندرة المياه، الأمر الذي يشكل تهديداً على الأمن المائي للأردن وسوريا. 

سادساً: الخلاصة: 

إن بقاء القوات الإسرائيلية في مناطق الجنوب السورية، يشكل تهديداً ذا مصداقية، على أنظمة الحكم في الأردن ولبنان وسوريا، فضلاً عن قوى المقاومة الشعبية في هذا المنطقة، الأمر الذي يتطلب تفكيراً جدياً لمواجهة هذا التهديد، قبل أن يُثبّت وجوده، وتستقر قواته في المنطقة، بحيث يصبح التعامل معها في المستقبل، شديد التعقيد والصعوبة. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. 

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025