الأراضي الغزية تحت إدارة أجنبية، المخاطر والتحديات "

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

أولاً: الموقف:

يُكثر العدو الصهيوني في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد دخول الحرب على غزة، البشر والحجر، وكما يدعي العدو جولتها الأخيرة، حيث يستهدف جيش الكيان المؤقت ما تبقى من حواضر سكنية في مدينة غزة والمناطق الوسطى منها، وهي الأماكن التي لم تناور فيها قواته برياً؛ وإن لم توفرها جوياً، يُكثر الحديث عن رغبته بدخول قوات أجنبية أو عربية، تتسلم منه ما تبقى من غزة، وبشرها وحجرها، لتعيد هندسته، والتعامل مع أهله ومتطلبات حياتهم اليومية، من ماء وغذاء ودواء. وهو أمرٌ ــ رغبة العدو بتسليم الأرض لغيره ــ جاء على خلفية الخلافات الداخلية في الكيان المؤقت، والناتجة عن عدم التوافق بين مختلف أصحاب القرار السياسي والعسكري على البقاء في غزة واحتلالها، لما سيرتبه هذا الخيار على الكيان المؤقت من تبعات سياسية وأمنية واقتصادية كبيرة جداً، ففي الشق السياسي سوف ينظر له على أنه قوة احتلال مطلوب منها تأمين كامل متطلبات حياة من هم تحت احتلاله. أما في الشق الأمني؛ فإن هذا سوف يرتب على المؤسسة العسكرية، المتعبة والتي تعاني من نقص شديد في العديد، سوف يرتب عليها أثماناً أمنية، وسيجبي منها أرواحاً وخسائر هي في غناً عنها. أما في الشق الاقتصادي، فإن تحمل أعباء المناطق المحتلة، سوف يضيف عبئاً مالياً على خزينة الكيان المؤقت، يثقل كاهلها، المثقل أصلاً بتكاليف الحرب الحالية. كما أن ما لدى القوى العربية وغير العربية المناهضة لخط المقاومة وخياراتها، من توجهات تقضي بعدم قبول ظهور حركات المقاومة في غزة، وعلى رأسها حركة حماس، عدم ظهورها في مشهد إدارة الحكم في غزة بعد انتهاء الحرب، وهو أمر لها ــ القوى المناهضة للمقاومة ــ فيه مصلحة ذاتية، فضلاً عن تماهيه مع الموقف الإسرائيلي، كل هذه الدوافع، شاركت في بقاء طرح مسألة حكم غزة من قبل قوى أجنبية أو عربية على طاولة البحث. الأمر الذي سيحاول تقدير الموقف هذا البحث في جزئياته، وصور تطبيقه، وما يمكن أن تؤول له الأمور على هذا المسار مستقبلاً.   

ثانياً: متطلبات التطبيق:

حتى ينجح هذا الخيار، ويخرج إلى حيز التنفيذ، لا بد أن تتوفر له مجموعة من المتطلبات والمقدمات التي تساعد على تطبيقة، والمضي به، ومن أهم هذه المتطلبات: 

  1. هزيمة المقاومة في غزة، والقضاء على قدارت فصائلها القتالية.
  2. قبول القيادة السياسية لفصائل المقاومة لهذا الطرح، وقدرتها على إقناع أجنحتها العسكرية به. 
  3. قبول أغلبية سكان غزة بهذا الخيار والترحيب به. 
  4. وجود دول عربية أو أجنبية قابلة بهذا الطرح، ومستعدة لإرسال قوات من طرفها للإدارة، أو المشاركة في إدارة الموقف في غزة، بعد انسحاب العدو منها.
  5. تأمين الحد الأدنى من الظروف الميدانية التي تضمن أمن وسلامة هذه القوات، وقدرتها على العمل، والحركة في بيئة غزة المدمرة والخطرة. 
  6. وجود (محفظة) مالية قادرة على تأمين متطلبات إدارة غزة، وما يترتب عليها من استحقاقات مرتبطة بتحسين الوضع المعاشي والإجتماعي لسكان القطاع، ووضع مسار إعادة البناء، والترميم، والنهوض بالواقع الصحي كأولوية عمل. 
  7. النجاح في تشكيل فرق عمل مدنية محلية، قادرة على إدارة القطاع، والخروج به من حالة الحرب، كذراع تنفيذي لأصل هدف وجود القوات العسكرية أو الأمنية التي ستتسلم القطاع من جيش الكيان المؤقت.    

ثالثا: سيناريوهات العمل:

هناك عدة صورة من طرق العمل الممكن أن يلجأ لها العدو، وشركاؤه؛ الظاهرين والمخفيين، في هذا العدوان، يمكن أن تختصر بأربعة سيناريوها عمل، يمكن أن تكون على النحو الآتي:   

  1. قوات أجنبية صرفة: 

تتكون هذه القوات قيادة وعديداً من جنسيات أجنبية صرفة ــ من ذوي العيون الزرق ــ، بحيث يكون هيكل هذه القوات من القوات النظامية التابعة لهذه الدول، أما جهازها التنفيذي، ويدها الضاربة، فتتكون من مرتزقة شركات الأمن المُستقدمين من مختلف أصقاع الأرض، وهنا تشكل تجربة مراكز توزيع الإغاثة التي تدريها شركات المرتزقة الحالية، تشكل تجربة قابلة للاستفادة منها، وتطويرها، بحيث تصبح قوات حكم عسكري تعمل بقرار وتفويض سياسي. إن خيار العمل هذا سوف يظهر هذه القوات على أنها استمراراً للاحتلال، الأمر الذي سيواجه بمقاومة مختلف فصائل المقاومة في غزة، فضلاً عن أهلها وعشائرها الشرفاء، الذين لم، ولن يحنوا رقاب الذل لمثل هذه القوات، بعد ما قدموه من كل هذه التضحيات. لذلك فهذا خيار عمل لا نرجحه.   

  1. قوات عربية صرفة: 

إن فرضية دخول هذه القوات قائمة على قبول دولها أولاً، ومن ثم قبول السلطة الفلسطينة ثانياً، كونها ــ السلطة ـــ في أعين مسؤولي هذه الدول هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني! وهنا؛ ستقبل السلطة بمثل هذه القوات، على أن تكون هي ـــ السلطة ــ في واجهة التعاطي معها، الأمر ــ ظهور السلطة في الواجهة ــ مرفوض صهيونياً، فالعدو لا يريد أي فلسطيني بديلاً عنه، لا سلطة الحكم الذاتي التي يجاهر بأنه يريد الخلاص منها، ولا غيرها من الأجسام والهياكل المحلية، ما لم تكن خاضعة بالكامل له. كما أن القيادات السياسية للمقاومة أعلنت مراراً وتكراراً أن أي قوات تدخل بديلاً عن الاحتلال، لإدارية القطاع، لا تنسق معها، ولا تأخذ موافقتها، سوف تتعامل معها على أنها قوة احتلال واجبة القتال. مما يجعلنا في الظروف الحالية نستبعد تطبيق مثل هذا الخيار.

  1. قوات مختلطة، عربية وأجنبية: 

بحيث تتشارك قوات عربية وأجنبية في عملية عسكرية مشتركة، الهدف منها السيطرة على القطاع، وسحب سلاح مقاومته، وإخراج فصائله المقاومة من المشهد السياسي والاجتماعي والأمني. مستكملة هذه القوات برامج عمل العدو التي لم يستطيع تنفيذها، من مداهمة حواري ومخيمات القطاع، بحثاً عن السلاح، وما تبقى من أصول للمقاومة، في فعل يشبه إلى حد كبير ما تقوم به قوات اليونفيل والجيش اللبناني الآن في جنوب نهر الليطاني. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مركز ثقل قرار هذه القوات في حال تشكلها، سوف يكون بيد (بني الأصفر)، ولن يكون سُمر البَشرة ورمادييها، إلّا أدوات تنفيذية، فمن يملك المال يملك القرار! وهنا أيضاً سوف تواجه هذه القوات من قوى المقاومة كقوات احتلال، حُكمها كحكمِها. وعليه فهذا خيار عمل صعب، وإن لم يكن مستحيل. 

  1. قوات مختلطة ،عربية ومحلية:

أخطر صور العمل، التي يمكن أن يذهب العدو، وحلفاؤه من عربان وعجمان باتجاهه كخيار عمل هو: تشكيل قوات، هيكلها القيادي وإمرتها من قوات نظامية عربية، حيث المرجح ــــ إن مضى هذا الخيارــــ أن تكون هذه القيادة من ضباط الجيش المصري، على أن يتشكل الجسم التنفيذي، والعديد العامل من قوات محلية، على شاكلة أبو الشباب وما لف لفه. إن مثل هذا السيناريو سيكون أخطر طرق العمل التي ستجعل يد المقاومة؛ الخشنة عسكرياً، والناعمة دبلوماسياً، مكبلة، وبخيارات عمل ضيقة، وهوامش حركة محدودة، لاعتبارات كثيرة؛ ليس أولها طبيعة علاقتها مع مصر، شعباً وإدارة سياسية، وليس آخرها التركيبة السكانية والعشائرية والعائلية التي ستتكون منها هذه القوة التنفيذية العاملة تحت إمرة القوات العربية النظامية. 

رابعاً: التقدير والتوصية: 

إن خيار العمل الأول، وفي حال إصرار العدو على تطبيق هذا التوجه، يشكل أفضل خيار عمل للمقاومة وفصائلها، كونه يوفر لها ــ للمقاومة ــ شرعية استهداف هذه القوات، والعمل ضدها، كاستمرار لقوات العدو المحتلة، جائت لتنهي ما بداه. كما أن خيار العمل الرابع يمثل أسوء خيار عمل يمكن أن تواجه به المقاومة، كونه سيكبل يدها، ويحد من هامش مناورتها، الأمر الذي نوصي معه بالآتي:

  1. إعادة تقييم الموقف الميداني والسياسي فيما يخص سيناروهات العمل الأربعة. 
  2. التوافق وطنياً على طرق عمل لمواجهة كل من هذه السيناريوها، إنطلاقاً من معادلة الجدوى والأكلاف؛ ليس فقط لقوى المقاومة وفصائلها، وإنما للحاضنة الشعبية، وقوى المجتمع المحلية. 
  3. إشراك العشائر والعوائل الغزية في هذه النقاشات المحورية، كونها ستتحمل العبئ الأكبر في التعامل مع أي من طرق العمل تلك وسيناروهاته المفترضة. 

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025