المسؤولية إيمان ومحاسبة
بقلم ناصر ناصر
11-12-2020
الشعور بالمسؤولية لدى الإنسان عموماً والمسلم خصوصاً " بلى "فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ " أي أنه سُيسأل عن خفايا وظواهر وتفاصيل أعماله في الدنيا، وهل قام بها بشكل من أشكال الجودة، أم قصّر وأهمل، أم تغافل؟
هذا الشعور هو سرّ التفوق والنجاح في الدنيا والآخرة، وهو مرتبط أولاً بمدى إيمان المرء بالله عزّ وجلّ واليوم الآخر، وثانياً بمدى حسابه في الدنيا ومؤسساتها الإجتماعية، فإن غاب أحد العاملين عوضّه الآخر نسبياً، وإن غاب كلاهما تراجعت المسؤولية، وحلّ بدلاً منها الهوى أي التصرف والسلوك على غير علمٍ وبينّة أو خطة معقولة ومدروسة تخضع فيها الوسائل والأهداف- وأحياناً العكس- بل وفق الرغبات أو النزوات أو المصلحة الضيقة لمتخذ القرار، وعندها يصبح الفشل والتخبط هو سيّد الموقف .
تبدو المسؤولية أكثر أهمية في مواقع المكانة العالية والجاه والقوة والغنى "كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ، أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى"، فمدى المسؤولية هنا تؤثر على مصير وحياة قدر كبير من الناس، أو قل الشعب كله، في المقابل فإنّ الجماعة أو المجتمع أيضاً مسؤول عن منع الطغيان "فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِين"، وذلك من خلال تعزيز المسؤولية على المدى القريب والبعيد، أما البعيد فبالتعليم والتربية على المسؤولية، ومن ذلك "فإن كان عمر لا يرانا فرب عمر يرانا" وأما في المدى القريب وتحديداً في مجال الحكم والقيادة فتقييد القائد بالشورى، والشورى بالنظام، والنظام بالتشريع والقانون في منظومة من إجراءات التوازن والكبح، وهنا لا يمكن الوصول للكمال، بل التسديد والمقاربة والبناء على ما وصلت إليه الحضارة البشرية في مجال الإدارة والسياسة ونظام الحكم.
ولخطورة الطغيان الناتج عن شعور الإنسان المسؤول " الاستغناء " نتيجة لانعدام التربية على المسؤولية أو وجود منظومات التوازن والكبح داخل الجماعة، لهذا ولغيره من الحكم فقد ورد لفظ الطغيان 72 مرة، وجزء منها يترافق مع فرعون، وكأن الطغيان درجات من أعلاها " التفرعون " وسلب حقوق الناس في الملكية والحركة والتعبير عن الرأي.
كما أن المسؤولية تصبح أكثر تعقيداً في فترات الضعف أو الملاحقة والمطاردة من قبل الاحتلال أو الاستبداد "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ" ، فالإستضعاف إذن لا ينبغي أن يكون سببا لتراجع المسؤولية على مستوى الفرد والجماعة ، وتحديدا بحجة السريّة والأسباب الأمنية ، وهي عوامل معتبرة في تقييد الشورى وليس المسؤولية والمحاسبة ، فحتى قضايا الأمن القومي الخطيرة تخضع لتصنيفات ودرجات من الرقابة والإشراف والمحاسبة ، فالتفرد في القرار مظنة الفساد والطغيان، خاصة إن رأى القائد نفسه قد استغنى ( مالاً أوجاهاً أو سلطاناً ).
من الواضح بأنّ الإسلام قد ركز على المسؤولية أكثر مما ركّز على الحقوق، أي افعل واجبك أيها المسلم حتى لو قصّر الآخرون أو لم يقوموا بواجبهم تجاهك (اسمعوا وأطيعوا ، فإنّما عليهم ما حُمّلوا وعليكم ما حملتم) صحيح مسلم.
هكذا يصبح القيام بالواجب غير مرتبط كلياً بتلقي الحقوق، وهكذا تسود روح البذل والتقديم والعطاء، والتي من المفترض أن تؤدي إلى حرص المجموع على إيصال الحقوق لأصحابها، بمعنى آخر فإن المدخل في الإسلام للحفاظ على حقوق الأفراد هو مدخل ( قم بالواجب أولا ولا تنتظر، فإن لم يلتزم المجموع بواجبه " إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبير ) وهو ما لا يريده الإسلام بحال .