في بناء التحالفات ... الثوابت والمتغييرات
1/2
الدول كما الأفراد ؛ كيف لا وهم المكون الرئيسي لهذه الدول ، وكما أن الأفراد فيهم القوي وفيهم الضعيف ، وفيهم المحب وفيهم الكاره ، وفيهم الطامح الطامع وفيهم المسامح ؛ فإن الدول تشبههم في صفاتهم ؛ فمنها الكبير والصغير ، والقوي والضعيف والطامح الطامع والمسامح المتجاوز . وكما أن الأفراد يعمدون لسد نقصهم وتقوية ذواتهم بالارتباط والصداقة مع من يرون أنه يسد عوزهم ويجبر كسرهم ؛ فإن الدول تفعل فعلهم ــ الأفراد ـ وتسلك سلوكهم . إلا أن البعض يعتقد أن عقد الصداقات والتحالفات على مستوى الدول والأفراد قد لا يعتريه ما يعكر صفوه ويقطع ما اتصل منه ، ظانين أن هذه الصداقات وتلك التحالفات إن تم عقدها ؛ فإنها لن تنفك ولن تنقض ولن تفتر ، فهي تشبه الزواج الكاثولكي الذي لا طلاق فيه ، الأمر الذي لا يستقيم فهماً ولا يعقل ، كون هذه التحالفات والصداقات إنما هي علاقات تخادمية وظيفية تدوم ما دامت الوظيفة أو الخدمة التي من أجلها عقدت وعلى أساسها بنيت . وما لم يفهم ويقتنع كلا طرفي العلاقة أو التحالف أن هناك ما يقوي من أواصر هذا التحالف وتلك الصداقة ، وأن هناك ما يضعفها ويفت في عضدها ، بل وما يقضي عليها وينسف الأسس التي قامت عليها ؛ فإنهما ــ طرفي العلاقة ــ سيبقيان متوجسان من أي حركة أو سكنة تصدر عن أي منهما يفهم منها على أنها لا تصب في مصلحة تلك العلاقة وذاك التحالف . الأمر الذي كان سبباً في كتابة هذه المقالة والتي تقوم على فرضية هي : أن العلاقات والتحالفات إنما هي أواصر وروابط لها مسبباتها والبواعث على إيجادها ، وأن هذه المسببات فيها ثوابت ومتغيرات وأنها علاقة تخادمية وظيفية ، تدوم ما دامت الوظيفة التي لأجلها عقدت هذه التحالفات وتقوى بقوة هذه الوظيفة وتضعف إن ضعف الطلب عليها أو انتهت مدة صلاحيتها .
فما هي الثوابت والمتغيرات في بناء التحالفات ؟ وكيف يؤثر أحدها على الآخر ؟ وكيف يمكن أن تمد بأسباب القوة وتبعد عما يعكر صفوها وينهي أثرها ؟
الثوابت في بناء التحالفات :
إن علاقات الصداقة وعقد التحالفات بين الدول والكيانات إنما تتم من أجل تحقيق أهم الأهداف التي على أساسها تقوم الدول والكيانات والتي يؤثر ، ويتأثر أحدها بالآخر ، وهذه الأهداف لا تعدو هدفين اثنين لا ثالث لهما ، ومنهما يشتق باقي الأهداف والغايات ، وبالاستناد لهما يستنتج ويفهم سلوك الدول والكيانات ، وهما :
هذه المصالح تضم طيفاً واسعاً من الأمور التي لا تبدأ بالحصول على الموارد الأولية من غذاء ودواء وماء ووقود فقط ، ولا تنتهي عند نشر فكرة أو عقيدة أو أيدلوجية سياسية أو دينية أو اقتصادية ، بل إنها قد تمتد لتشمل التوسع الجغرافي بحثاً عن الموارد للسيطرة عليها ، ولا أدل على ذلك من الحرب العالمية الثانية ، عندما وسعت ألمانيا جغرافيتها بحثاً عما تعتبره (مصلحة) لها ؛ هذا في أربعينيات القرن المنصرم ، وهو السبب نفسه ما يدفع أمريكا للقدوم من خلف البحار والمحيطات للاستقرار وبناء القواعد وشن الحروب حيث تعتقد أن لها (مصلحة) يجب أن تحصل أو تحمى ويدافع عنها .
كان هاذان أهم أصلين في بناء التحالفات وعقد الصداقات ، ويقوى هاذان الأصلان عندما يعمد كل طرف من أطراف هذه العلاقة لإظهار مدى عمق تشاركه وتقاطعه وتوافقه مع مصالح شريك الآخر ، وما يمكن أن يقدمه من دور مهم في كبح التهديدات التي تعترض سبيل تأمين شريكه لمصادر القوة والعيش الكريم لأبناء جلدته ، الأمر ــ البحث عن المشتركات في جلب المصالح ودفع التهديدات ـــ الذي يجب مراقبته وعدم الاستهانة فيما يضعفه من أعمال وإجراءات ، وإن صغر حجمها وضعف أثرها ، حتى لا تنفرج الزاوية الصغيرة مسببةً مع طول الأيام تباعداً لا يمكن تقريبه وصدعاً لا يمكن رأبه .
وحيث أن الدول لا يمكن أن تكون مطلقة القوة من أجل مواجهة كل ما يعترض سبيلها من تهديدات أو مخاطر ، ومن أجل حشد وتخصص طاقاتها في المكان والزمان المناسب لمواجهة تلك المخاطر ؛ فإنها تعمد إلى تصنيف المخاطر حسب التهديدات الناتجة عنها من حيث الخطورة والأهمية حسب سلم أولويات يخضع للمعايير الآتية :
كان هذا في الثوابت التي على أساسها يتم بناء التحالفات ونسج العلاقات بين الدول والهيئات ، على أن نتحدث في الجزء الثاني عن المتغييرات التي قد تطرأ فتترك أثرها على العلاقة أو التحالف .
عبد الله أمين
29 12 2020