الهروب من غزة الى الشمال
بقلم / ناصر ناصر
بدت اسرائيل في الايام الأخيرة و تحديدا بعد انكشاف عورة سياسة حكومتها المستحيلة اتجاه غزة ، و القائمة على هدفين و تكتيكين متناقضين تماما ، أما الهدفين فهما إضعاف حماس و منع انفجار غزة بالتخفيف الانساني عنها ، أما التكتيكين فهما إستمرار القصف و الإعتداء من جهة و عدم الوصول الى تصعيد واسع من جهة أخرى ، بدت كمن يريد الفرار ، و على الاقل إعلاميا من الجنوب الى الشمال حيث برزت و ركزت تصريحات و مواقف القادة و من خلفهم معظم الاعلام المجند على مشكلة الشمال الأكبر و الأخطر ، حيث " البعبع " الايراني و أخيرا الخوف المفتعل من اندفاع اللاجئين من جنوب سوريا بسبب القصف الروسي و الاسدي اتجاه الحدود .
قد يكون أحد أهم دوافع هذا الهروب هو تبرير ضعف و قلة حيلة الجيش في الرد على وسائل المقاومة الشعبية التي أبدعها الشعب الفلسطيني على حدود غزة و على رأسها الطائرات الورقية الحارقة و المندفعة- "بتبختر" لا يخشى طائرات الF35 ، و لا أحدث ما توصلت اليه العقلية الأمريكية الاستعمارية من منظومات للدفاع الجوي – من سماء غزة الى حقول و أملاك المستوطنين في غلاف غزة ، و ذلك في ظل تزايد احتجاجات سكان المستوطنات على استمرار حالة الاستنزاف التي يمقتها الاسرائيليون ( على مر العصور ) ، تماما ككراهيتهم لظهور ضعف و قلة حيلة جيشهم ( المغوار ) أمام عدو حفرت الدعاية الاحتلالية صورته كبائس ضعيف ، و ذلك من خلال إقناع و تضليل سكان المستوطنات بأن ضعف الرد و الفشل في وقف " مقاومة غزة " لا ينبع من شلل الحكومة عن اتخاذ قرارات و دفع أثمان ضرورية و حتمية لغزة أو من عدم استعداد الجيش أصلا للحرب لأسباب سياسية و استراتيجية مهنية ، بل لأنه منشغل بتهديد أكبر و أعظم في الشمال من التهديد " البسيط " في غزة .
تتجنب حكومة اليمين في اسرائيل ان تصارح شعبها بأن سياساتها – إن كان لها سياسة أصلا – اتجاه غزة فاشلة ، و بأنه لا بد من التخلي عن شعارات و مناهج و أساليب و مواقف سابقة ثبت بشكل واضح عجزها عن وقف أو إخضاع مقاومة الشعب الفلسطيني في غزة . و من أهمها انكار حقيقة أن مسألة غزة هي جزء لا يتجزأ من مسألة تحرر وطني يخوضه شعب يصر على نيل حريته و استقلاله ، و ليست مسألة مجموعة من البشر تبحث عن الطعام و الشراب و الدواء ، فصراحة الحكومة تعني تهافت و انهيار أفكار و مواقف اليمين المتطرف المسيطر على الحكومة تماما كما تساقطت أفكار و أطروحات التيار المركزي للصهيونية الاحتلالية .
قد تنجح اسرائيل بالهروب - جزئيا و نسبيا – من غزة القوية رغم ضعفها الى الشمال الضعيف رغم قوته ، و ذلك فيما يبدو كتناقض واقعي و مثير للاهتمام لميزان القوى ، فساحة الشمال على خطورتها من حيث قدرات اللاعبين السياسية و العسكرية العالية هي أسهل لاسرائيل من ساحة الجنوب على ضعفها العسكري و هشاشتها .
فطبيعة العدو في الشمال تسمح ( لاسرائيل ) بالعمل و النشاط بحرية أكبر و بالتالي التأثير بصورة أكثر فاعلية ، فهي تستطيع كمثال تحقيق إمكانياتها الكامنة و تشغيل و استعراض قوتها الامريكية العالية من طائرات F35 ، ومرورا باستخباراتها العربية المتحالفة معها ، و انتهاءا بصواريخها الموجهة برا و بحرا .
كما ان تحالف الاسد-ايران-حزب الله هو عدو يسهل التحشيد و التحريض ضده عربيا و إقليميا و دوليا ، إضافة لتمتع اسرائيل بوجود عامل ضاغط للتصعيد و ضامن لأي تفاهمات و ترتيبات ، وهو التواجد أو العامل الروسي ، وهكذا ترى اسرائيل نفسها رابحة في كل الاحوال ، فلماذا لا ترغب في ساحة الشمال ؟
لن تستطيع اسرائيل و إن رغبت و حاولت الهروب من نتائج سياساتها الاحتلالية المتناقضة في غزة ، فستبقى المقاومة بكل أشكالها و على رأسها الطائرات الورقية الحارقة تقض مضاجع الحكومة والجيش و الشعب معا حتى تدفع ثمنا ما ، تحاول تجنبه ( و هو ثمن غير كافي ) بطبيعة الحال ، و قد يكون ذلك على شكل سقوط الحكومة مع كل سياساتها الغريبة ، حتى في مفاهيم الاحتلال و معها كل شعاراتها و أفكارها ، أو كسر وتآكل الحصارعن غزة بشكل مباشر أو غير مباشر ، و بهذا قد تكون المنطقة على وشك تحقيق إنجاز ما بمقاومة شعبية على محتل غاشم ، وذلك بتوقيع الفلسطيني في غزة