تركيا قلق إسرئيل
بقلم / ناصر ناصر
تزايدت في الآونة الأخيرة التقارير و الأخبار التي تشير الى قلق اسرائيلي متصاعد من النشاط التركي الداعم للفلسطينيين بشكل عام ، و لفلسطينيي القدس بشكل خاص ، و أشارت التقارير أيضا الى وجود تحريض من بعض الأطراف العربية ، و حتى الفلسطينية لما أصبح يسمى بالتأثير التركي في القدس و فلسطين ، فما هي أسباب هذا القلق ؟
تشكل تركيا بقيادة الرئيس الصاعد رجب طيب أردوغان معضلة للسياسة الاسرائيلية ، فلإسرائيل مصالح سياسية و اقتصادية في بقاء العلاقة العلنية مع تركيا مستقرة نسبيا على الأقل في هذه المرحلة ، حيث تقتضي الحنكة السياسية عدم فتح جبهة علنية إضافية ضد الأتراك في وقت تبذل اسرائيل و حلفائها العرب جهودا جبارة لمواجهة الوجود الايراني في المنطقة .
ومن جهة أخرى فقد تزايدت التقديرات الاسرائيلية المهنية التي تشير الى ثبات و رسوخ السياسة التركية في توجهها التدريجي المبتعد عن أمريكا و اسرائيل بوجه خاص ،وقد انعكس هذا الأمر في إجماع اسرائيلي نادر بين اليمين و اليسار على رفض أردوغان الى درجة الكراهية ، و ظهرهذا من خلال تصريحات أو مقالات لشخصيات اسرائيلية مؤثرة ، كوزير الدفاع الاسبق موشيه يعالون ، و التي ترى بتزايد النفوذ التركي خطرا لا يقل عن ذاك الايراني ، و قد يكمن الفرق في عيونهم بقدرة اسرائيل على إثبات ذلك ، و بالتالي سهولة مساعيها لتجنيد الرأي العام العالمي الشعبي و الرسمي لمواجهة النفوذ التركي ، فالمشروع التركي يعتمد بالاساس على أساليب و مقاربات و معايير حديثة و مقبولة في التفكير و المنهج الغربي ، كالديموقراطية و الاقتصاد و حقوق الانسان ، فكيف تعاملت اسرائيل مع هذه المعضلة التركية ؟
يبدو أن واقع السياسة الاسرائيلية تجاه تركيا يشير الى ازدواجية معينة ، و ذلك في محاولة لمواجهة تلك المعضلة ، ففي العلن تظهر اسرائيل خطابا منضبطا و ممتصا في كثير من الاحيان لمواقف و تصريحات الرئيس أردوغان ضدها ،على أمل تراجع قوة أردوغان و حزبه الإسلامي ، و على قاعدة التفريق بين الدولة التركية و بين الرئيس أردوغان و حزبه ، أما في السرفقد عملت على إضعاف قوة الرئيس أردوغان بكل وسيلة هادئة و ماكرة ممكنة و ذلك بالاعتماد على حلفائها الامريكان و بعض الانظمة العربية ، و قد تتضاعف و تتطور هذه السياسة بعد نجاح أردوغان في تجاوز سياسة التفريق بينه كرئيس و بين تركيا كدولة من خلال نجاحه الواضح في الانتخابات الاخيرة . و يبدو أنها تستعد وقد تكون أعدت نفسها لمرحلة جديدة قد تنتهي بالقطيعة السياسية بين البلدين ،و التي ترجو اسرائيل ان لا تكون قريبة ، و هي تعمل من أجل ذلك من خلال وضع المزيد من العقبات و تحديدا الاقتصادية في وجه مشروع الرئيس أردوغان لإعادة تركيا الى مصاف الدول العظمى .
اسرائيل تدرك أنها ليست أولوية في مشروع الرئيس أردوغان ، و على الارجح أنها ستتحول كذلك بعد ثبات و تقدم مشروع أردوغان الحديث ، لأنها تعلم بأن القطيعة مرتبطة بثبات و استقرار النظام ، لذا فهي تستغل هذه الفرصة مستعينة بحلفائها لاضعاف المشروع التركي بالوسائل الناعمة ، فهل ستنجح ؟
التجربة تقول أن محاولاتها القادمة لإحباط أو إعاقة المشروع التركي بقيادة الرئيس أردوغان ستبوء بالفشل ، فعوامل النجاح للمشروع التركي متينة و راسخة ، و على رأسها قيادة ذكية وشعب واعٍ و مثابر.