الطائرات والبالونات الحارقة بين الحسم والاستنزاف -
بقلم / ناصر ناصر
سيناريو يتكرر بين دولة الاحتلال والشعب الفلسطيني :فالفلسطينيون يطالبون بأبسط حقوقهم والمحتل يماطل ويستهين ويماطل حتى اذا ما نجح الفلسطيني بابداع وسيلة ضغط ناجعة عليه ثار وصاح قائلا :"سأعطيكم" ولكن بعد ان تتوقفوا وان لم تتوقفوا فسوف اعاقبكم الى درجة الحرب وعندها يحتدم النقاش بين الفلسطينيين انفسهم ما بين قائل :فلنتوقف لتجنب الاسوء ،وآخر يقول لنستمر حتى تحقيق اهدافنا وليكن ما يكون ،وثالث يبحث عن منزلة ما بين المنزلتين يضمن من خلالها حقه ويمنع على اثرها مآس محتملة لحرب متوقعة .
ثلاثة خيارات تكتيكية تقف امام الشعب الفلسطيني ومقاومته الشعبية الباسلة في قطاع غزة في موضوع تكتيكي بحت لا بد ان يخضع لاهداف الشعب الفلسطيني العامة واستراتيجيات مقاومته الكبرى .
اما الخيار الاول فهو التوقف الكامل عن البالونات والطائرات الحارقة مع الاستمرار في بقية فعاليات مسيرات العودة ،لاسكات طبول الحرب الاكيدة او شبه الاكيدة والقادمة من دولة الاحتلال ،وذلك على قاعدة "اهون الشرين واخف الضررين" .
يعاني هذا الخيار من اشكاليتين مركزيتين ،الاولى انه يسمح للاحتلال باستمرار سياسة المماطلة والتسويف والحصار فنتنياهو لا يعمل ولا يتخذ القرارات الا تحت ضغط احد ثلاثة عوامل وهي :الرأي العام ،زوجته سارة ،وخطر حرب زائدة ولا معنى لها .اما الاشكالية الثانية فهي الصعوبة النسبية في العودة الى نفس هذه الوسيلة وخاصة في حالة وقفها تحت الضغط .
اما الخيار الثاني - وهو الاستمرار في اطلاق الطائرات والبالونات الحارقة بنفس الدرجة او تصعيدها حتى تحقيق الاهداف المشروعة ،ولان ظهر ان هذا الخيار شجاع وبطولي ومتحد ويتمتع بدرجة من العدل ،"فالمحتل يقاوم والمظلوم ينتفض " الا انه يتجاهل حقيقة ضغط الرأي العام الاسرائيلي على نتنياهو ليتشدد عسكريا ضد غزة ، بسبب " البهدلة القومية " التي تعرضت لها " اسرائيل " نتيجة عجزها عن وقف اندلاع الحرائق في مستوطنات غلاف غزة ، فالشعبوية و المزايدات تنتظر ما تمتطيه من مواقف قد تظهر عقلانية من قبل الجيش و نتنياهو مما يرفع احتمالية الاندفاع نحو حرب لا تريدها غزة ، مع أنها لا تخشاها إن إغلقت الابواب ، كما أن هذا الخيار يحمل نسبة مخاطرة واضحة بتضييع فرصة معقولة لتخفيف الحصار عن الشعب الفلسطيني في غزة .
و إزاء هذه الاشكالات المركزية المصاحبة لخياري الحسم السابقين ، و بمعزل عن كل ما قد يقال من ضغوطات و تحذيرات ضد المقاومة ، فلم يبقى أمام الشعب الفلسطيني و مقاومته الباسلة في غزة إلا خيار المنزلة ما بين المنزلتين ، بمعنى ان لا يتم التوقف الواضح لأنه وصفة لاستمرار سياسة المماطلة و معها سياسة الحصار الخانق ، و ألا يتم الاستمرار بنفس الوتيرة السابقة من عمليات الاطلاق ، لأن هذا يرفع احتماليات حرب المزايدات ، و قد يمس بأحد أهم أصول و قواعد الاستنزاف ، أي عدم جر العدو و استفزازه لتفعيل كامل قدراته و طاقاته الهائلة .
المطلوب اذن هو المناورة بين درجات متفاوتة من تخفيف عمليات الاطلاق الى حين التأكد أن الحد الادنى من مطالب الشعب الفلسطيني في غزة على وشك التحقيق ، فعندها يمكن ايقاف هذا الاسلوب من أساليب المقاومة و الاستمرار في إبداع فعاليات و أشكال جديدة من المقاومة الشعبية ، و التي لا يمكن ان تتوقف إلا بزوال الاحتلال ، فإن لم تتحقق مطالب الحد الادنى فمن خفف " و بخلاف من توقف " يسهل عليه العودة و الاستئناف .