نتائج الكابينت الاسرائيلي حول اتفاق التهدئة : تراجع سياسي أم تكتيك تفاوضي ؟
بقلم / ناصر ناصر
بعد ترقب و انتظار و بعد سلسلة من الاحداث المثيرة و اللافتة ، و منها إلغاء زيارته الهامة لكولومبيا – المتهمة البارحة بمحاولة اغتيال الرئيس الفزويلي – و السماح بدخول كبار قادة حماس في الخارج لغزة ، خرجت نتائج اجتماع الكابينت الاسرائيلي 5-8-2018 لتعلن ان اسرائيل مستعدة لوقف كامل لإطلاق النار بما في ذلك كل فعاليات مسيرة العودة مقابل تسهيلات محدودة على حصار غزة ، فهل هذا الاعلان الغريب بعض الشيء تكتيكا تفاوضيا أم انه يعكس حقيقة عجز نتنياهو عن اتخاذ قرارات ضرورية يتجاوز من خلالها العقبات الجدية في وجه التهدئة ، و على رأسها مسألة إعادة الجنود و المفقودين من غزة ، و استمرار رفض ابو مازن رفع عقوباته عن غزة أو المساهمة في رفع الحصار .
على الرغم من جدية العقبات التي تواجه اتفاق التهدئة مقابل فك الحصار ، إلا ان إعلان موافقة الكابينت على إعادة الامور كما كانت عليه قبل 30-3 لم تكن تحتاج الى كل هذه الاثارة و الضجة و الاجراءات الدراماتية كإلغاء زيارة كولومبيا و تصريحات كبار الوزراء بأننا على أبواب ساعات الحسم ، كما أن هذا الاعلان لن يكون مقبولا و بوضوح شديد على أي من الاطراف الفاعلة في محاولات التوصل الى التهدئة ، أي المقاومة و مصر و الامم المتحدة ، و مع ذلك يمكن القول و بنوع من الحذر ان هذا الاعلان ما هو إلا مناورة أو تكتيك تفاوضي له دوافعه و أسبابه .
و من أهم ذلك أولا : الابتزاز و المناورة حتى اللحظة الاخيرة هي أحد أهم سمات المفاوض الاسرائيلي و التي تعكس عقلية و نفسية المحتل المتعالي و المتعجرف ، و الذي يستصعب دفع ثمن سياساته الاحتلالية لشعب مستضعف ، لكنه مقاوم يأبى الخضوع ، لذا فإن نتنياهو و مجلسه الصغير على استعداد لاستخدام أرخص أنواع التكتيكات التفاوضية ليحقق ما يريد .
ثانيا : يتوقع نتنياهو ان إعلان الكابينت سيمتص على الارجح جزءا من غضب عائلات الجنود و الاسرى الاسرائيليين ، والتي أثبتت قدرة واضحة في إزعاج نتنياهو و ثنيه عن اتخاذ قرارات ضرورية تجاه غزة ، مما دعا أعضاء كبار في الكابينت للتوجه لنتنايهو بأن يكون أكثر وضوحا و حسما معهم ، فمصالح الدولة على حد تعبيرهم مقدمة على مصالحهم .
ثالثا : يراهن نتنياهو في مناوراته المستمرة على ما يعتبره عوامل كبح التصعيد و تهدئة الاوضاع في قطاع غزة ، و المتمثلة بالوسطاء و من أهمهم مصر و الامم المتحدة و قطر ، كما انه لا يتوقع ان يتخذ هؤلاء الوسطاء و تحديدا من قدموا اقتراح التهدئة الأخير موقفا سلبيا أو ضاغطا عليه بسبب ما يبدو كضرب بعرض الحائط لكل جهودهم و مساعيهم المستمرة منذ أشهر .
رابعا : من غير المستبعد ان يعتقد نتنياهو ان وجود وفد كبير لقادة حماس داخل قطاع غزة سيسهم
بشكل أو بآخر بكبح أي ردة فعل متوقعة من مناورات نتنياهو و استفزازاته ، و قد يبادر في قدرته
على تحويلهم لرهائن في القطاع – و إن لفترة محدودة – لاتخاذ قرارات تتناسب مع شروطه ،
و هي مراهنة خاطئة و في غير محلها ، فكل الشخصيات القيادية في حماس هم مقاتلون سابقون اعتادوا و جربوا العيش في اصعب و أقسى ظروف الحرب و الحصار .
يعلم نتنياهو على الأرجح ان مناورة إعلان الكابينت و محاولة الابتزاز المستمرة لن تنجح في تحقيق أهدافها الاساسية ، و لكنه سيبقى يحاول ما استطاع الى ذلك سبيلا ، و لن يقنعه بالكف عن ذلك إلا تدفيعه المزيد من الأثمان بواسطة أشكال و إبداعات المقاومة الفلسطينية المشروعة على حدود قطاع غزة و سائر أنحاء فلسطين .