22 أكتوبر 2024, الثلاثاء 1:26 م
بتوقيت القدس المحتلة
المستجدات
المقـ ـاومة الشعبية ملاحظات وقواعد تأصيلية

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

المقاومة الشعبية 

ملاحظات وقواعد تأصيلية

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن المقاومة الشعبية وأنها يجب أن تكون نهج العمل في المناطق المحتلة في الضفة الغربية، على اعتبار أن جزءاً من شركائنا في الوطن يرون أن المقاومة المسلحة بعد أن جُربت على مدار سنوات طويلة لم تجد نفعاً،  وأن تجييش الرأي العالمي خلف قضيتنا يقتضى التنازل عن المقاومة المسلحة والاتجاه باتجاه المقاومة الشعبية، ففيها ومن خلالها يمكن جني المكاسب وربح المعركة مع هذا العدو عن طريق مراكمة النقاط وليس بالضربة القاضية. وبغض النظر عن صحة هذا الرأي من عدمه، للإعتماد كطريق عمل مع مثل هذا العدو الذي يحتل أرضنا ولا يعترف بنا كأصحاب أرض أصيلين أُخرجنا وشردنا من ديارنا في غفلة من زمن، وأن المعادلة التي تحكم علاقتنا مع هذا المحتل إنما هي معادلة صفرية لا يمكن أن يكون كلا طرفيها رابح ما لم يخسر الآخر، وبغض النظر عن أن هذه المقولة ــ المقاومة الشعبية ــ تصلح ضد طرف في الحد الأدنى يعترف بك كشريك له في الأرض والمقدرات والخيرات، وأن المشكلة معه ــ مع الشريك الآخر ــ أنه لا يعترف بك كشريك كامل الشراكة، لك ما له وعليك ما عليه، مع كل ما تقدم من فرضيات، فإن هذه المقالة قائمة على فرضية أن المقاومة الشعبية لا تصلح في فلسطين المحتلة ومع مثل هذا المحتل كطريق عمل تمثل الجهد الرئيسي المفضي إلى تحرير الأرض والإنسان، مع أنها تصلح لأن تمثل الجهد الثانوي أو الجهد الخداعي المساعد في عملية التحرير ومراكمة عناصر القوة للمقاومة المسلحة التي تشكل الجهد الرئيسي في مسار التحرير وطرد المحتل. ومن هنا فإننا سنسجل في هذه المقالة مجموعة ملاحظات وقواعد تأصيلية حول المقاومة الشعبية بعد أن نعرّفها، ثم نأتي على ذكر الأهداف الممكن تحقيقها من خلالها؛حتى لا تُحمل الأمور أكثر مما تحتمل وينتظر النصر والتحرير من غير محله. 

ففي تعريف المقاومة الشعبية يمكن القول ــ ويحتمل المقام أقوال أخرى ــ أن المقاومة الشعبية هي حالة من الرفض الشعبي العام المصحوب بإجراءات وفعاليات غير خشنة التي لا تستدعي إجراءات قانوية أو تعبوية مضادة من قبل العدو تحرم المقاومة المسلحة من حرية الحركة أو الإسناد من قبل الحاضنة الشعبية التي تمثل البيئة الطبيعية لحركة عناصر المقاومة أثناء قيامهم بنشاطاتهم التعبوية أو الأمنية. 

الملاحظات والقواعد التأصلية:

في الملاحظات؛ تجب الإشارة إلى التالي من الملاحظات والأصول التي تساعد في فهم كنه عملية المقاومة أو الفعل المسلح وطبيعة توزيع الجهود وتخصيص القدرات فيه، ومن هذه الملاحظات والأصول: 

  1. الأصل الأول في طبيعة توزيع الجهود في العمل العسكري أو العمل المقاوم؛ أمنياً كان أو تعبوياً، حيث توزع الجهود إلى ثلاثة جهود بناءاً على طبيعة الهدف المراد تحقيقه والقدرات البشرية والمادية المملوكة من قبل جهة العمل والمهمة المراد تنفيذها، وهذه الجهود هي: 
  2. الجهد الرئيسي: هذا الجهد يمثل المكان الرئيسي الذي يتم خصه بالقدرات البشرية والمادية، حيث يتركز العمل فيه على ضرب مركز ثقل العدو الذي يمثل الإضرار به عن طريق الاحتلال أو السيطرة؛ تحقيقاً لمهمة الجهة التي تعمل ضد العدو في تلك البقعة الجغرافية أو الموضوعية، كما أن النجاح في هذا الاتجاه يمثل نجاحاً للمهمة، والإخفاق فيه إخفاقاً لها. 
  3. الجهد الثانوي: في هذا الجهد يتم تخصيص بعضاً من القدرات البشرية والمادية بهدف سحب وإشغال جزء من قدرات العدو المركزة والمحشودة للدفاع عن مراكز ثقله التي تتم مهاجمتها على مسار الجهد الرئيسي، بحيث يتم حرمان العدو أن يركز قواته وقدراته في مواجهة قوتنا العاملة على المسار الرئيسي للعمليات. كما أن جزءاً من أهداف العمل على هذا المسار؛ هو تحقيق أهداف وإنجاز مهام تساعد في تحقيق أصل الهدف الرئيسي من المهمة التعبوية لقوات المناورة بمختلف صنوفها. 
  4. الجهد الخداعي: الهدف الرئيسي للعمل على هذا المسار هو: خداع العدو عن أماكن الجهد الرئيسي والجهد الثانوي التي تعمل عليها القوات بحيث لا يستطيع العدو تحديد أصل الهدف من العمل التعبوي الجاري في منطقة العمليات والوجهة التي تتجه لها قوات المناورة، بهدف حرمانه من إعادة تعبئة وتنظيم قدراته القتالية والدفع بها في وجه قوات المناورة العاملة في مساري الجهد الرئيسي والجهد الثانوي. 

وهنا نود الإشارة إلى أن هذا ــ بحث الجهود ـــ بحث تعبويٌ تفصيليٌ لا يتسع المكان له ليبسط الحديث فيه من حيث طرق ومحددات تحديد الجهود وآليات تخصيص القدرات البشرية والمادية لكل منها وسبل القيادة والسيطرة التي يتم إعمالها لضبط تلك الجهود لتثمر وتحقق أهدافها. 

  1. الأصل الثاني الذي نود الإشارة له هو طبيعة أهداف المقاومة المسلحة وما يتوقع منها من أهداف، فمن خلال تحديد أهداف المقاومة المسلحة وتعريفها؛ يمكن تحديد أهم أهداف المقاومة الشعبية والمطلوب منها إنجازه والتي سنذكرها دون إسهاب أو شرح لوضوحها، وكوننا قد تحدثنا عنها في مقالات سابقة، والأهداف هي: 
  2. إيقاع أكبر كم من الخسائر البشرية والمادية في صفوف المحتل. 
  3. فرض حالة من عدم الاستقرار على العدو. 
  4. فرض حالة من الاستنفار الدائم على العدو. 
  5. بناء معادلة رعب تفضي إلى حالة ردع مؤقت. 
  6. تحرير الأرض والإنسان. 

فإن كانت تلك هي أهداف المقاومة المسلحة وحرب التحرير التي يجب أن تمثل الجهد الرئيسي الذي تخصص له القدرات وتوجه له الطاقات، وتذلل في سبيل تحقيق أهدافه العقبات، ومن أجله توضع الضوابط والسياسات، وتعقد الأحلاف وتبنى الصداقات، فما هي أهداف المقاومة الشعبية التي تمثل في مسار التحرير جهداً ثانوياً مساعداً أو خداعياً مشتتاً ؟ وهنا وبشكل سريع نورد مجموعة من أهداف المقاومة الشعبية التي لا يجب أن يُغض الطرف عنها؛ ولكن يجب أن لا تُحمّل أكثر مما تحتمل أو أن يرجى منها ما هو خارجٌ عن طاقتها وقدرتها، فمن أهدافها على سبيل المثال لا الحصر: 

  1. إشغال العدو عن مهمته الرئيسية: إن العدو عندما يدخل مدننا وقرانا ويحرك أدواته العسكرية أو الأمنية ويدفع بها إلى داخل المناطق؛ إنما يفعل ذلك تحقيقاً لهدف رئيسي ومهمة محددة، وهنا يأتي دور المقاومة الشعبية وإجراءاتها لإشغال العدو عن تنفيذ المهمة الأصلية التي تحرك من أجلها، وفي هذا مصلحة لاستنزاف قدراته وإضاعة وقته. 
  2. توجيه العدو إلى الاتجاه الخطأ: كما يقع على عاتق المقاومة الشعبية والجهات القائمة عليها؛ توجيه العدو إلى الاتجاه الخاطئ الذي يبعده عن مسار الجهد الرئيسي لأي عمل تعبوي أو أمني للمقاومة في المناطق، فتنفذ المقاومة مهامها في أسرع وقت وبأقل الخسائر. 
  3. تشتيت جهود العدو: كما يمكن أن تؤدي إجراءات المقاومة الشعبية إلى تشتيت جهود العدو ومنع تركيزها وحشدها باتجاه واحد لضرب القدرات الصلبة للمقاومة، كما أن في عملية التشتيت هذه زيادة فرص عمليات استهداف وضرب تشكيلات العدو، إنطلاقاً من زيادة عدد الأهداف المعادية الناتج عن التشتيت والإنتشار في البقعة الجغرافية محل العمل. 
  4. إراحة المقاومة المسلحة ومنحها الوقت: كما أن تفعيل عمليات المقاومة الشعبية تمنح المقاومة المسلحة الوقت اللازم للاستراحة والتقاط الأنفاس وشحذ الهمة وكسب الخبرة ومراكمة القدرات والتخطيط لعلميات عسكرية مؤثرة تستهدف العدو وتفت في عضده. 
  5. تليين الأهداف والقدرات الصلبة المعادية: كما أن المقاومة الشعبية تقوم بعمل مهم يهدف إلى تليين أهداف العدو الصلبة ليتسنى للمقاومة المسلحة ضربها في مقتل، فالعدو من خلال تركيز جهوده وحشد قدراته في مكان ما؛ إنما يقوم بعمليات تصليب وتقوية لقدرات قتالية سوف تُدفع في وجه المقاومة ككتلة نار يصعب ضربها أو استهدافها أو الحد من خطورتها، لكن إجراءات المقاومة الشعبية الفاعلة تُليّن هذه القدرات والأهداف الصلبة فيسهل ضربها وتدميرها أو السيطرة عليها واحتلالها. 
  6. الاستطلاع (بالقوة) وكشف إجراءات العدو: ومن الأهداف المهمة للمقاومة الشعبية؛ ما تقوم به من عمليات استطلاع (بالقوة) لكشف نقاط قوة وضعف العدو وطبيعة انتشاره ونوع إجراءاته في مقابل إجراءات المقاومة المسلحة، فتوفر ــ المقاومة الشعبية ــ بعملها هذا فرصة كبيرة جداً للمقاومة المسلحة لتجنب تهديدات العدو ونقاط قوته، وضربه في نقاط ضعفه، وتحويل تهديداته ضدنا إلى فرص نستثمرها ومغانم نغتنمها. 
  7. التعرف على و/ أو تجنيد الكوادر الصلبة القادرة على تحمل أكلاف المقاومة المسلحة: كما توفر المقاومة الشعبية لقيادة المقاومة المسلحة فرصة لا تقدر بثمن تتمثل في تكوينها بيئة عمل يمكن من خلالها الاقتراب للتعرف على وتجنيد كوادر وعناصر للعمل قادرين على تحمل أكلاف المقاومة المسلحة ومستعدين للذهاب في شوطها إلى آخره، كما أنها توفر بيئة عمل تدريبية تُصقل وتتطور فيها ومن خلالها الخبرات والمعارف والقدرات، كمسار طبيعي ينتقل بقدرات المقاومة البشرية والمادية من مستوى إلى آخر ومن مرحلة إلى أخرى. 
  8. كسر حاجز الخوف لدى المواطنين: كما أن المقاومة الشعبية ومن خلال إجراءاتها وفعالياتها توفر ميدان عمل واحتاك يومي مع العدو وجنوده وإجراءاته، الأمر الذي يؤدي إلى كسر حاجز الخوف من نفوس عوام الناس، وتحول رؤية الجنود وآلياتهم والتعود على إجراءاتهم إلى فعل يومي عادي لا يُهاب منه ولا تُخشى عواقبه، وفي هذا مصلحة لكسر هيبة جندي العدو وإجراءاته. 
  9. فرض ثمن ( تسعيرة ) على تجاوزات العدو على المدنيين: كما أن المقاومة الشعبية ومن خلال إجراءاتها تفرض على العدو تسعيرة ثمن ــ حتى لو كانت زهيدة ــ لأي إجراء يقوم به، فلا يصبح تردده إلى المناطق وخروجه منها أمراً روتينياً لا يتطلب التفكير أو أخذ الحيطة والحذر أو أي مستتبعات نفسيه وبدنية، فبمجرد أن يصبح هناك تسعيرة لأي إجراء يقوم به العدو؛ فهذا يعني أن هناك عبئا نفسياً ومادياً يجب أن يُدفع؛ وفي هذا مصلحة متمثلة في استنزاف قدرات العدو وطاقته. 
  10. إبقاء نار المقاومة وأوارها مشتعل: وفي الختام فإن أهم ما تقوم به المقاومة الشعبية من أعمال هو إبقاء جذوة المقاومة وأوارها مشتعل في نفوس الناس والشعب، فالمقاومة المسلحة ضد المحتل ليست عملاً يومياً يمارس بأريحية وهدوء، وإنما هي أعمال مخطط لها تتطلب أوقات ومقدرات قد لا تتوفر بشكل دائم وفوري ويومي، مما يتطلب إبقاء ما هو قادر على إدامة شعلة المقاومة حتى لا تنطفئ؛ الأمر الذي تقوم به المقاومة الشعبية باقتدار وجدارة.

في الختام لا بد أن نعيد التذكير بأن فعل التحرير الرئيسي للأرض كل الأرض والإنسان كل الإنسان، وكنتيجة منطقية لضيق ذات اليد الذاتي والموضوعي؛ يجب أن يقسم ــ الفعل ــ إلى مجموعة تلك الجهود التي ذكرنا سابقاً وبناء على ذلك التقسيم تُراكم وتُخصص القدرات وتوضع الخطط والمسارات، على أن تتحرك تلك الجهود بشكل متناغم؛ يكمل بعضها بعضاً ويسند أحدها الآخر، في مسار معروف الإتجاه محدد الأهداف؛ لا يحاد ولا يصرف النظر عنه، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، يراه البعض بعيداً ونراه قريباً، "والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ". 

عبد الله أمين 

08 03 2021



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023