بعد تجربة الإنقلابات العسكرية التي شهدتها المنطقة باسم فلسطين في سنوات الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، وتجربة أحداث الربيع العربي بداية العقد الماضي باسم الحرية والعدالة واستعّار الأحداث الدائرة رحاها الآن في كل من لبنان والعراق ضد فساد السلطة الحاكمة وتعفنها يتراءى لنا بوضوح لافت كيف ان هذه التجارب بمجموعها تشكل إزميلا ينحت بدم الشعوب وبنزيف مواردها توليفة الشرعية التي يجب ان تقوم عليها شرعية أي نظام عربي يسعى لتحقيق الاستقرار والاستمرار في الدولة ولسلطتها الحاكمة . وهذه الشرعية المستمدة من خصوصية المنطقة وثقافة شعوبها وتاريخها المعاصر تقوم على ثلاثة ركائز : الاولى موقف النظام من القضية الفلسطينية ومن الكيان الغاصب ، والثانية موقف النظام وعلاقته بشعبه والثالثة عفة النظام وورعه ،
وهذه الركائز تغذي بعضها بعضا واذا ما توافرت جميعها لدى أي نظام ، فهو يؤّمن الاستمرار لسلطته والاستقرار والازدهار لمجتمعه ، وأي تخلف عن واحدة منها تكون سبباً مشروعا لسلب النظام استمراره . واذا ما عدنا الى الركيزة الأولى فان سقوط فلسطين عام 48 كان سبباً مباشرا للانقلاب العسكري الذي قام به حسني الزعيم على الرئيس شكري القوتلي في سوريا عام 49 ، وكذلك ثورة الضباط الأحرار في مصر عام 52 ،
لذلك فان دعم القضية الفلسطينية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ومناهضة الكيان الغاصب ورفضه يعدّ شرط ضروري ولكنه غير كافي لشرعية النظام واستمراره ، وشرط ضروري آخر أي الركيزة الثانية لشرعية النظام وبقائه هو علاقة النظام بشعبه وحقوقه ، فاستبداد السلطة الحاكمة بالشعب ومصادرة حقوق المواطن السياسية والانسانية تفقده حيزاً كبيراً من شرعيته ، فعلاقة المصادرة لا المواطنة التي كانت تحكم علاقة الأنظمة بشعوبها هي التي أخرجت الجماهير لميادين التحرير مطالبة باسترجاع حقوقها المصادرة في حريتها وحقها في تقرير مصيرها على المستويين الفردي والعام . وتتحدد علاقة النظام بشعبه بمدى التزامه بالمبادىء الثلاثة التالية : الاول الكرامة وقوامها احترام حرية الأفراد في إطار القانون ، والثاني العدالة ،وهو ضمان عدالة التوزيع في السلطة وفي الثروة ، والثالث سيادة القانون وعمادها مساواة الجميع حاكم ومحكوم أمام نفس القانون العادل ،
وتبقى عفة النظام وورعه الشرط الضروري الأخير ، الركيزة الثالثة لاستكمال حلقات الشرعية والمقصود هنا بعفاف السلطة الحاكمة عن استغلال المال العام وامتناعها عن استغلال السلطة للمصالح الشخصية او لمصالح الاقرباء والمقربين ، وما تشهده الساحتان اللبنانية والعراقية هو فجور السلطتان الحاكمتان في كلا البلدين في المال العام ومزايا السلطة . فهذه المنحوتة ( شرعية النظام ) ثلاثية الأبعاد باتت من حق شعوبنا في المنطقة ، فقد تشكلت بأثمان باهظة دفعتها هذه الشعوب وهي الميزان المعمد بالدم ونزيف المورد ، به نقيس قرب أو بعد أي نظام عن الشرعية وبه نعرف آفاق ازدهاره واستمراره .