ما قوّى عين الغريب إلا القريب
وما شدّ على إيد العدو إلا الأخو
بقلم / عبد الله صادق
تلك حقيقة مشهد الساعات الأخيرة من معركة عض الأصابع والمفاوضات بين قطاع غزة وفصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس، والكيان الصهيوني.. والتي بدأت تنذر بعودة التصعيد بشكل تدريجي.. وتبدو الإرهاصات أنها وصلت لطريق مسدود.
فما سبب تغير الخطاب التفاوضي بين القاهرة وسلطات الاحتلال ودوافعه، بعدما كانا يهرولان لاسترضاء غزة والبحث عن التهدئة، إلا أن الأخ والقريب والشريك في الوطن السلطة الفلسطينية بدأت حراكا في الخفاء، يعبّر عنه التصريحات المتتالية في العلن.
فالسلطة الفلسطينية تضغط بمستوى عالٍ على أنها من ستستلم وتشرف على أموال ومسار الإعمار في غزة، وكذلك على المنحة القطرية، ومنها إلى إدارة المعابر، وقبل كل ذلك ماهية وشكل وقواعد التفاوض بين الجانب الإسرائيلي عبر القاهرة والفصائل الفلسطينية في غزة.. ومن ضمنها أية تطورات في ملف تبادل الأسرى.
كما وأن هذا الواقع المؤسف والغادر يؤكد أن هذا الضغط المشترك بين سلطة الاحتلال وسلطة رام الله يرميان به معا عن قوس واحدة.. وأن الذي دفع الكيان الصهيوني لرفع مستوى الضغط على غزة ليس ببعيد بمستوى الوعود المبطنة والاتفاقات التوافقية مع السلطة (محور الاعتدال) كما يسميها الإسرائيليون في التشارك في الرؤية والاستراتيجية تجاه غزة والمقاومة.. وهو ما عبر عنه وزير الحرب الصهيوني غانتس اليوم : " أن السلطة الفلسطينية هي عنصر" اعتدال" وما حدث بغزة لن يتكرر وإذا لم تفهم حماس ذلك فسنهتم بأن تفهم.. وسنعمل كل شيء لزيادة التعاون مع السلطة الفلسطينية وتقويتها.."
وهنا لا يمكن أن ينكر عاقل أن دوافع السلطة الفلسطينية لقهر غزة ليست بالجديدة، فسيرتها الذاتية عبر 14 عاما خلت تكفي لكل ذي عقل لبيب بأن يقرأ الإشارة باكرا.. منها ملفات إعمار بائسة أشرفت عليها في فترات سابقة، وكان أداؤها كارثيا ومؤسفا لشعب غزة الصامد، وأن سلاح المقاومة ونجاحاته أمسى يحرج خونة التنسيق الأمني، الذين ما فتئوا يوما عن ملاحقة المقاومين في الضفة الغربية، و وأد أي حراك ضد الاحتلال، واستمرار دور هذا التنسيق المشؤوم في تسهيل عمليات التنقل لقوات الاحتلال داخل مناطق الضفة، وتأمين المعلومات حول أية تحركات قد تؤثر بأمن ومصالح الكيان.
ليكون السؤال المتجدد لدى كل الشارع الفلسطيني إلى متى تبقى القضية الفلسطينية و واقع قطاع غزة والضفة الغربية رهينة للسلطة الفلسطينية؟!، وهو ما يحتاج لتفكير معمّق وآني بين كل الطيف الفلسطيني في الداخل والخارج لاستئصال هذه السرطان الذي يأكل الجسد الوطني الذي احتضنه مرغما منذ أوسلوا عام 1995م.
و ختاما.. إن كان يعتقد رئيس السلطة الفلسطينية ومن حوله و شركاءه في الكيان الصهيوني وحلفائهم الإقليميين و الدوليين أن غزة ومقاومتها ستتسوّل حقها، وتطلب إغاثتها منهم، فذلك لجهلهم بواقع الحياة وفلسفة التأريخ وتحولات التغيير، وسنن النّصر وأدواته.
لأن اليد التي تعرف كيف ومتى ولماذا تضرب.. لا يمكن لها أن تتسوّل وتطلب، وأن الذي جعل الكيان وحلفاءه في 11 يوما في الملاجئ وعلى قدم ونصف، لا يمكن أن يهدأ له بال حتى يأخذ حقوقه المشروعة بعزة المنتصر، لا بمنهجية التودد والطلب..
وأن المقاوم الذي يحقق بأفعاله آية (الرمي 17) في سورة الأنفال، يؤمن بيقين بمعاني ودلالات تتمة الأيات (18 - 19) في قوله سبحانه { ذَٰلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18)، إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) }.
والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل