22 أكتوبر 2024, الثلاثاء 1:47 م
بتوقيت القدس المحتلة
المستجدات
كيف ينمو (الجَنين ) في جِنين ؟

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

كيف ينمو (الجَنين ) في جِنين ؟

ها قد بدأت إشارات جَنين المقاومة الآخذ في النمو والتطور تأتي وتسمع من أحشاء مدينة جِنين ومحيطها، الأمر الذي يتطلب من الجميع العمل بحذر ومسؤولية حتى لا يولد هذا المولود قبل أوانه أو يسقط قبل زمانه، أو أن يتعرض وعاؤه الحافظ له لأي ضربة تؤثر عليه ــ الجَنين ـــ فيُقتل في مهده ويسقط قبل انعقاد عقده؛ لذلك تأتي هذه الورقة لتحاول الإجابة على سؤال الكيفية التي تساعد في الحفاظ على هذا الحمل المبارك، فلا نستعجل قطافه قبل أوانه، فنعاقب بحرمانه، هذا السؤال الذي سنجيب عليه من خلال العناوين الأربعة الآتية: 

أولاً: تحديد المهمة: إن أهم ما يساعد على نمو هذا الجنين وولادته في وقته صحيحاً معافاً قادراً على تحمل ظروف البيئة وتغيرات المحيط، فَيَصلُبُ عوده وتقوى أطرافه وترتفع مناعته هو تحديد المهمة لهذا الجنين ، والتي نقترح أن تكون على النحو الآتي: تحويل جِنين ومحيطها إلى عقدة مقاومة صلبة قادرة على تدفيع العدو وعملائه ثمن أي إجراء عسكري أو أمني ضد المدينة، تمهيداً لإعلانها خارجة عن سيطرة ــــ ولو ظرفياً وليس بشكل دائم ــــــ العدو وأجهزة أمن السلطة عبر تحقيق الأهداف الآتية: 

ثانياً: الأهداف: 

  1. إدامة التماس مع العدو: كون بقاء التماس مع العدو يساعد على مواكبة تطور عمله الميداني وفهم كيفية قيامة بالإجراءات التعبوية والأمنية، على اعتبار أن العدو يغير من تكتيك عمله بين عملية وأخرى وفقاً لما يتطلبه الموقف، فبقاء التماس معه يساعد على المعرفة والفهم أكثر، وكشف نقاط قوت العدو وضعفه بشكل أفضل وأشمل، فيسهل استهدافه والتعامل معه، وتجنب التعرض لنقاط قوته فيصيب منا مقتلاً. 
  2. استنزاف العدو وأجهزة أمن السلطة المتعاونة معه: كما ينبني على إدامة التماس مع العدو ؛ استنزافه وارهاق قواته، وكذلك يتعب أجهزة السلطة التي تنسق معه، ويكشف عنهم الغطاء ويجعلهم محل انتقاد واستهجان من المحيط والبيئة الداخلية، مما ينعكس سلباً على كفاءتهم وكفاءته في أداء مهامهم العسكرية والأمنية والإدارية.   
  3. منع العدو وأجهزة السلطة المتعاونة معه من تحقيق أهدافهم من أي عمل تعبوي أو أمني داخل المدينة وفي محيطها: ومن الأهداف المهمة، منع العدو والمتعاونين معه من تحقيق هدفهم من أي عمل يتحركون من أجله، وهنا يأتي دور أهمية إدامة التماس مع العدو، حيث يستطيع المقاومون في المدنية ومحيطها معرفة نوايا العدو والمتعاونين معه، مما يشكل عاملاً مهماً في احباط مهامهم ويحول دون تحقيق أهدافهم.   
  4. كسر هيبة آلة العدو العسكرية والأمنية وأجهزة السلطة المتعاونة معها: إن كسر هيبة العدو وآلته الأمنية ومن يتعاونون معه من أجهزة السلطة ؛ هو هدف بحد ذاته، فكسر هيبتهم يعني كثرة التجرؤ عليهم والتعرض لهم، كما يفقدهم الثقة في أنفسهم، ويكشف نقاط ضعفهم، ولكي يحولون  دون ذلك فإنهم سيعمدون إلى زيادة حجم التشكيلات التي تقوم بتنفيذ الأعمال الأمنية والعسكرية داخل  المدنية ومحيطها، مما يعني زيادة بطيء حركة هذه التشكيلات وزيادة فرصة تسديد الضربات لها أثناء الحركة أو التوقف، إن كبر حجم التشكيل العامل على الأرض يعني زيادة عدد الأهداف الممكن ضربها وتنوعها، الأمر الذي يعني زيادة هامش مناورة المقاومين في اختيار الأنسب لهم من الأهداف. 
  5. كسر حاجز الخوف والرهبة من الآلة العسكرية والأمنية الإسرائيلية وأجهزة السلطة المتعاونة معها: إن كثرة التماس مع العدو وأجهزة السلطة العاملة معه وكسر هيبة آلتهم العسكري والأمنية، يعني كسر حاجز الخوف والرهبة التي تكونت في نفوس الناس على مدار السنوات الطويلة التي مارس فيها العدو بطشه عليهم، فقتل واعتقل وسجن، متى وكيف شاء، كما أن كسر حاجز الخوف هذا يعني إتاحة الفرصة لكثير من شباب المدينة ومحيطها للالتحاق في صفوف المقاومين وتقديم خدمات لهم، وتشكيل بيئة حاضنة تؤمن لهم ما ينقصهم من متطلبات الصمود والمقاومة.  
  6. تقديم النموذج الحي على الإمكانية والقدرة على فعل المقاومة بمختلف اشكالها خاصة العسكرية منها: إن جزءاً كبيراً من أهلنا في الداخل نشأوا على أدبيات من قبيل أن العين لا تقاوم المخرز، وأن الكف لا يمكن أن يصمد أمام وخزاته ـــ المخرز ـــ لذلك فإن التماس مع العدو وإدامة الاشتباك والتعرض له بشكل مدروس وفاعل، وعبر قيادة تعرف حدود القوة وما تملك هي من أسبابها، وما يملك عدوها في المقابل، سوف يقدم لعموم شعبنا في فلسطين، وأهلنا في جنين بشكل خاص نموذجاً عملياً يثبت لهم أننا يمكن أن نخوض مع هذا العدو وعملائه حرباً منخفضة الوتيرة، قليلة الخسائر في طرفنا، كثيرة الإزعاج لعدونا وللمتعاونين معه، مما يهئ الظروف والأجواء لنمو هذه المقاومة وبناء حاضنتها الشعبية التي تحتضنها وتقدم لها من سبل الحماية والرعاية ما يجعلها عصية على الاقتلاع أو الهزيمة. 

كانت هذه بعض الأهداف المتصورة للعمل المقاوم الآخذ في التبلور في جنين ومحيطها في هذا الأيام، وهي أهداف يمكن الوصول لها عبر توفير متطلبات ووسائل العمل الآتية: 

ثالثاً: وسائل ومتطلبات عمل : 

  1. تفعيل عمليات الرصد والمتابعة المعلوماتية: إن أول لازمة لأي عمل ــــــــ مدني كان أو عسكري، عام كان أو شخصي ـــــــ هي المعلومات، وهي في حق العمل العسكري أوجب وأهم، فالمعلومات هي عين القوات، لا يمكن أن يخطط لمعركة أو تدار جولاتها في غيابها، لذلك نعتقد أن من أوجب الأعمال المطلوب القيام بها من قبل المقاومين في جنين هي: تشكيل خلايا رصد وجمع معلومات، تحصي على العدو والمتعاونين معه أنفاسهم، وهذا جهد يمكن أن يشارك فيه الصغير والكبير، الرجل والمرأة، العجوز والشاب، لذلك يجب أن توظف جميع الطاقات الممكنة من أجل جمع المعلومات ووضعها بين يدى المقاومين ليعرفوا من خلالها نوايا العدو ومقاصده، ثم يبنى على الشيء مقتضاه. 
  2. وضع منظومة قيادة وسيطرة C2 آمنة خارج نطاق المتعارف عليه: كما أنه من الأهمية بمكان أن يتم التعارف على منظومة قيادة وسيطرة آمنة تدير وتسيطر على الميدان والفعل المقاوم بشكل كامل، بحيث لا تتضارب الأعمال والجهود، ولا تزدحم منطقة العمليات بفائض من القدرات لا المكان مكانها ولا الزمان زمانها، على أن منظومة القيادة والسيطرة هذه يجب أن تكون خارج المتعارف عليه من أجهزة تواصل واتصال سهلة الاختراق والسيطرة عليها من قبل العدو، وهنا تجدر الإشارة إلى أن ساحة الفعل المقاوم الآن في جنين نعتقد أنها من المحدودة الجغرافية بمكان، بحيث يمكن وضع لها نظام قيادة وسيطرة تقليدي فاعل وآمن يحقق الهدف منه، وينهض بعبء تنظيم الجهود ومنعها من أن تتصادم أو تتضارب.
  3. فرض أرض المعركة على العدو: إن أسوء موقف يجد الجندي أو المقاوم فيه نفسه هو ذاك الموقف الذي يرى فيه نفسه مضطراً للقتال أو الاشتباك في أرض ليست أرضه وميداناً فُرض عليه فرضاً، فهو تدرب لبيئة معينة وميدان محدد، فإن تغيرت عليه المعالم والتضاريس ؛ بطؤت سرعته وقلة كفاءته، وطاش سهمه، لذلك على مجاميع المقاومة في جنين وغيرها من قرانا ومدننا أن تفرض أرض المعركة على العدو، وأن تتجنب القتال في المكان الذي هو يريد، والطريق إلى ذلك سهلة ميسورة، بشرط معرفة نوايا العدو ابتداءً، الأمر الذي يعيدنا إلى المعلومات وأهميتيها، في هذا الآن وفي كل آن. 
  4. تسليح الأرض: ومن الأهمية بمكان أيضاً أن يتم تسليح الأرض بما تيسر، وليس المقصود هنا التسليح الناري فقط عبر زرع مسارات تقرب العدو وخطوط حركته بالعبوات وأخواتها، وإنما قد تُسلح الأرض بكل ما يعيق تحرك العدو ويبطئ حركته ويفرض عليه مسيراً باتجاه أرض المعركة التي نريد أن نشتبك معه فيها وعليها، ووسائل التسليح هذه تبدأ من الحجارة التي تُقطع بها الشوارع، مروراً بمستوعبات النفايات والإطارات المشتعلة، وليس انتهاءً بزرع مجنبات الطرق وحوافها بالألعاب النارية التي تُشغل بوسائل ميكانيكية أو يدوية أو الكترونية لتكون ــ الألعاب النارية ــ هذه عامل انذار مبكر على وصول العدو أو سلوكه مساراً معيناً. 

كانت هذه بعض أهم متطلبات ووسائل العمل التي نعتقد أنها ترفع من كفاءة الفعل المقاوم في جنين ــــــ كونها محل الحديث ـــــــ وتزيد من أكلافه على العدو، وتقلل الخسائر في صفوف المقاومين، وتشجع البيئة الداخلية للانضام إلى هذا الفعل المبارك والمشاركة فيه، انطلاقاً من أن الجميع له دور، وأن كلٌّ ميسر لما خلق له. ونختم بالحديث عن بعض السياسات والضوابط التي تساعد في إدمة هذا الفعل ورفع جدواه وجعله يشكل مع الأيام تهديداً ذو مصداقية على العدو. 

رابعاً: السياسات والضوابط: 

  1. حفظ الذات والمقدرات: إن أهم ضابط في هذه المرحلة هو الحفاظ على الذات والمقدرات، وتقليل الخسائر في صفوف الكوادر والأفراد والبيئة الحاضنة إلى أقل مستوى، فليست المعركة هذه هي الأخيرة، وليس مطلوباً أن يدفع فيها بأفضل ما لدينا من عقول وقدرات، وإنما المطلوب المحافظة على قدراتنا البشرية والمادية، والضن بها أن تهدر في غير مكنها ولا زمانها، وأن لا يتعرض الكوادر للقتل لأقل الأسباب وأبسطها، بل إن شعار هذه المرحلة يجب أن يكون " تَقتلون وتُقتلون " فلا يُقتل منا أحد قبل أن يَقتل منهم ما تيسر، وهذا ــ حفظ الذات ــ يجب أن توليه القيادة ـــــ القريبة والبعيدة ــــــ الأهمية وتضعه في سلم الأوليات. 
  2. تجنب الاشتباك الحاسم: إن حفظ الذات والمقدرات في هذه المعركة يتطلب عدم الاشتباك الحاسم مع العدو، وعدم التعرض لنقاط قوته، وتجنب الاشتباك معه حيث يريد ويخطط، فما في ذلك من جبنٍ ولا خور، وإنما هي معركة تدار بناء على نظرية ومبادئ الحرب غير المتكافئة والتي أحد أهم أصولها تجنب الاشتباك الحاسم مع عدو أقوى منك ليس بالمقدور القضاء عليه في هذه المرحلة، لذلك فالقاعدة التي تحكم الفعل الميداني هنا يمكن تحديدها بالمحددات الآتية: تراجع إذا تقدم العدو، أزعجه إذا استقر في مكان وسكن، طارده بحكمة وبصيرة وحذر إن هو ولى الأدبار هارباً. 
  3. حماية البيئة والحاضنة الشعبية وتجنيبها الخسائر ما أمكن: كما يجب إيلاء البيئة الحاضنة للمقاومة أهمة كبيرة، بحث لا يتم تعريضها للخطر بدون طائل أو فائدة، فمرة أخرى معركتنا طويلة، وفصول كتابها ما زالت مفتوحة، والحاضنة الشعبية هي بعد الله سبحانة الحصن الحصين الذي تلجئ له المقاومة، لذلك فإن هي رأتنا غير مكترثين بها، نعرضها للمخاطر بدون طائل ؛ انفضت عنا وكشفت ظهرنا وتحولت إلى نقطة ضعف تقتل فعلنا وتجهض جَنينا في جِنينا. 

كانت هذه بعض الافكار والمبدئ التي يمكن أن تساعد في نمو هذا الجَنين وتهئ له ظروف الولادة السليمة في بيئة حاضنة ترعاه وتسهر على نموه، فيشُب بعد صِغر، ويقوى بعض ضعف، فيثخن في العدو،" والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ". 

عبد الله أمين 

18-  08 - 2021

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023