بقلم: ناصر ناصر
23-3-2022
يلاحظ أن الفلسطينيين، لا يستطيعون الاستفادة الحقيقية، من كثير من التغيرات والتطورات، المحلية والإقليمية والدولية، وبعضها كان من المفترض أن يصب في صالحهم، بصورة واضحة ومباشرة، أما أدوات دولية حاسمة، كأزمة أوكرانيا، فلا يعتقد أنها يمكن أن تصب في صالح الفلسطينيين، ولا يكمن السبب هنا، بعوامل خارجية؛ بل بعوامل وعناصر داخلية، فهل هو الانقسام الفلسطيني الداخلي، الذي يمنع استثمار الفلسطينيين، للأحداث الراهنة، أم أنها قوة العــ ـدو الإسرائيلي المحــ ـتل، أم ظروف إقليمية ودولية قاهرة أم كل تلك الأسباب؟.
يعتقد كاتب السطور، بأن السبب الرئيس، هو ضعف وعجز القيادة الفلسطينية الرسمية، عن تجديد نفسها، والتصالح مع شعبها، ومواجهة التحديات، وتقرير سياساتها بنفسها، بما يخدم القضية الوطنية الفلسطينية، فالقيادة الفلسطينية الراهنة، هي عبارة عن ثقب أسود، يمتص كل إمكانات وطاقات الفلسطينيين، واحتمالات استفادتهم من التطورات، والأحداث المحلية كمعركة سيف القــ ـدس، والدولية كأزمة أوكرانيا، وغيرها.
تبدو القيادة الفلسطينية الرسمية، ممثلة بالرئيس أبو مازن، والدائرة المقربة منه، حريصة في بعض الأحيان، على إفشال إمكانات استفادة الفلسطينيين، من مقــ ـاومتهم الباسلة، وذلك لأسباب حزبية ضيقة، أو بالأحرى أسباب شخصية غريبة، وتتقاطع مع مصالح الاحتــ ـلال الغاشم، وقد يكون المثل الأبرز لذلك، هو معركة سيــ ـف القدس 2021، والتي ظهر فيها الشعب الفلسطيني، موحدًا كما لم يكن منذ فترات طويلة، وبدت فيها "إسرائيل"، كدولة مرتبكة وضعيفة، في مواجهة هبة الفلسطينيين في كل مكان، في الضفة الغربية، والقدس، والداخل، وقطاع غزة، وتضامن عالمي إنساني كبير، إلا أن الثقب الأسود الفلسطيني، امتص كل هذه الإمكانات والاحتمالات، ولم ينجح حتى، في نيل بعض أبسط الحقوق الفلسطينية، وعمل على منع غزة المحاصرة، بشكل خاص، من الاستفادة منها أيضًا.
في شهر شباط من العام 2021، أصدرت محكمة الجنايات الدولية، قرارًا يعتبر الأراضي الفلسطينية، أنها أراضٍ تقع ضمن اختصاصها، مما يعني التمهيد لاحتمالية التحقيق، مع "إسرائيل"، بتهم ارتكابها لجرائم حــ ـرب، وخاصة في حروبها ضد غزة، وأيضًا في سياساتها الاستيطانية الغاشمة، في الضفة والقدس، فماذا فعلت السلطة، لاستثمار هذا القرار الهام والتاريخي؟
من الواضح أنها لم تقم بواجبها، في ملاحقة "إسرائيل"؛ بل وتشير تقارير إلى توافقات بين أبو مازن، ووزير الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، تقضي بإعطاء السلطة تسهيلات معينة، تمكنها من السيطرة على أبناء شعبها، في الضفة وغزة، مقابل تخليها عن ملاحقات "إسرائيل" دوليًا، وبالتالي تفريغ قرار محكمة الجنايات، من معانيه الكبيرة، لصالح القضية الفلسطينية.
نجح الثقب الأسود الفلسطيني أيضًا، في امتصاص أو تضييع، أو على الأقل عدم الاستفادة بالشكل المناسب، من تقارير دولية هامة أدانت "إسرائيل"، ومن أهمها تقرير منظمة أمنستي الدولية،الدولية، في فبراير 2022، والذي حدد بأن "إسرائيل"، تدير نظام أبرتايد، في كل أنحاء فلسطين، بما في ذلك الأراضي الفلسطينية المحــ ـتلة، في العام 1948، فماذا فعلت قيادة السلطة الفلسطينية، وعلى رأسها أبو مازن، في هذا المجال؟
فعلت ما فعلت مع تقرير هيومن رايس ووتش، الصادر في ديسمبر 2021، والذي أكد بأن "إسرائيل"، تمارس جرائم ضد الإنسانية، بحق الشعب الفلسطيني، في كل أنحاء فلسطين، ومنها العنصرية والاضطهاد؛ للحفاظ على الهيمنة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، في كل مكان.
من الجدير الإشارة، أن الثقب الأسود الفلسطيني، لا يعمل في فراغ، وهناك ثقوب سوداء عربية أيضًا، ومن خلال الاستعراض السابق، لبعض الأحداث، وبعض الأمثلة المحدودة، والتي كان من الممكن أن تؤدي بالضرورة، أو تصب بوضوح وبشكل مباشر، لصالح الشعب الفلسطيني، ونضاله ضد الاحتــ ـلال والاستعمار الإسرائيلي، إلّا أن أمرًا من هذا لم يحصل، ولو بصورة محدودة، ويمكننا أن نستنتج أمرين رئيسيين صعبين، في آن واحد:
الأمر الأول: أن الشعب الفلسطيني المناضل، لن يستطيع استثمار نضاله ومقــ ـاومته الباسلة، أو أي تفاعلات محلية وإقليمية ودولية؛ طالما بقي الثقب الأسود موجودًا ومستمرًا، وما جهود المصالحة الوطنية الفلسطينية السابقة؛ إلا ضحية لهذا الثقب الأسود.
الأمر الثاني: أن الأولية للشعب الفلسطيني، هي التخلص من هذا الثقب، من خلال الضغط والعمل بكل الوسائل المشروعة،المشروعة، لعقد انتخابات ديموقراطية وشفافة، لكل مؤسسات الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية، بما في ذلك مؤسسة الرئاسة والتشريعي والوطني، وقد يكون تعزيز وتطوير المقــ ـاومة الشعبية، وغير الشعبية، مقدمة ضرورية لتحقيق ذلك.