بقلم: ناصر ناصر
19-4-2022
لم يعقد المتابعون بشأن الحركة الإسلامية الجنوبية، وقيادتها المتنفذة حاليًا، برئاسة السيد "منصور عباس" الكثير من الآمال على اتخاذها موقفاً جاداً اتجاه العدوان الإسرائيلي على المسجد الأقصى، والذي شمل ضرب واعتقال المصلين داخل المسجد القبلي، سيما وهي تمتلك أوراق ضغط حقيقية على حكومة (بينت -لابيد) الهشة، ولكنهم تفهموا بعض آمال الجماهير تجاه حركة تعتبر نفسها "إسلامية" في ظل اعتداء إسرائيلي غير مبرر على أقدس مقدسات هذه الحركة، فلماذا إذًا لا يمكن التعويل على القائمة الموحدة وتحديدًا بعد موقفها الأخير من الاعتداء على المسجد الأقصى؟.
بداية لابد من الإشارة إلى أن الموقف الذي اتخذته الحركة الجنوبية وجناحها السياسي القائمة العربية الموحدة والمسمى باللغة العبرية "راعام" وهو مختصر لجملة (ريشيماة عرافيت ميؤوحيديت) من الاعتداء على الأقصى والذي يقضي بتعليق عضويتها في الائتلاف الحكومي والكنيست الإسرائيلي، وهو موقف شكلي، وجاء فيما يبدو لذر الرماد في العيون، أو لتخفيف ضغوطات المجتمع العربي عمومًا، وجماهير الحركة الإسلامية خصوصًا، بضرورة اتخاذ قيادة القائمة موقفًا وطنيًا وإسلاميًا، جادًا تجاه انتهاك حرمة المقدسات الدينية والوطنية في الأقصى، وقد حدث ما يشبه الإجماع على ضعف موقف الحركة التي فضلت -فيما يبدو- البقاء في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي على اتخاذ موقف يمنع استمرار الاعتداء على الأقصى، وأكثر من ذلك فقد أشارت مصادر إسرائيلية مطلعة بأن موقف "عباس" جاء بعد التنسيق والتشاور مع شركائه "بينت ولابيد"، واللذان تفهما تمامًا حاجة "منصور عباس" لتنفيس الغضب الفلسطيني والضغط الداخلي لجماهير الحركة الإسلامية، وقد حظي "عباس" حتى اللحظة برضى زملائه في الائتلاف وتثمينهم عالياً قدرته على إدارة الأزمة، دون التسبب بوقف سياسة الحكومة اليمينية تجاه الأقصى، أو سقوط هذه الحكومة لأجل ذلك، وقد أدرك "عباس" (بمنهجه الإسلامي الجديد) أن هناك أمورًا أهم من الاعتداء على الأقصى، وهي استمرار الانتظار لميزانيات تسمح له بعرض إنجازات معينة أمام ناخبيه من الجمهور العربي، ومنافسيه في القائمة العربية المشتركة وذلك قبل التوجه لانتخابات جديدة ومحتملة خلال أشهر.
هكذا يمكن الاستنتاج إذًا بأن احتمالات قيام "عباس"، باتخاذ أي موقف ضد الائتلاف نتيجة لسياساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني بما في ذلك حرب عدوانية على غزة هي احتمالات محدودة للغاية.
إن السبب الأول والمركزي في ضرورة عدم المراهنة على القائمة الموحدة هو ما أظهره بوضوح موقف الحركة الأخير من الاعتداء على الأقصى وهو سبب منهجي عميق لا يتعلق بالتجربة والخطأ، بل يتعلق بتبني هذه الحركة موقف التأثير تقريبًا بكل ثمن، فالحركة تقدم الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية، على الحقوق الوطنية والإسلامية للشعب الفلسطيني، فمن أجل استمرارها في الائتلاف الحكومي لتحقيق ميزانيات وإنجازات داخلية تنازلت"راعم" عن امكاناتها الكبيرة في التأثير على قضية وطنية إسلامية عليا، وهي قضية المسجد الأقصى، والذي انعدم تقريبًا تأثيرها عليها، ومع هذا لا يستبعد أن تتم مناورة شكلية من قبل حلفاء "عباس"، وهم "بينت ولابيد" لإظهاره كمن حقق شيئًا بخصوص الأقصى.
تسمى طريقة الحركة الجنوبية هذه ( بالنهج الجديد) وقد أعلن عنه "منصور عباس" في يناير 2021، وقد تمت تغطيته بشعارات جذابة كاستقلالية الحركة وحريتها في تقرير أولويات المصالح الخاصة بالشعب الفلسطيني داخل الخط الأخضر، "فعباس" غير تابع لرام الله ولا لغزة ولا للعواصم العربية -على حد قوله- لكنه لم يذكر شيئًا عن تبعيته لتل أبيب، بقيادة نتنياهو أوبينت بغض النظر، ولكنه وللأمانة العلمية أشار أنه ليس في جيب أحد ولا فرق عنده بين يمين ويسار، ولكن سلوكه يعني بالضرورة أنه في جيب أوسع، وهو جيب الحكومة الإسرائيلية عمومًا أو أيًا كانت توجهاتها حتى لو كانت من أقصى اليمين الإسرائيلي المتطرف.
نهج "منصور عباس" الجديد، هو نهج أكده عبد المالك دهامشة عندما قال: (ما حاولنا أن نفعله سابقًا، أنجزه منصور، وأنا فخور به) يسمح له بالتركيز على قضايا دينية معينة، وبالتأكيد أقل أهمية من قضية العرب والمسلمين الأولى، وهي المسجد الأقصى المبارك كي يحافظ -فيما يبدو- على سمت إسلامي معين يداعب به مشاعر وعواطف المؤيدين للتيار الإسلامي، مثل الموقف من قضية المثليين والمثليات جنسيًا، سواء من حيث مشاريع قانون تدعمهم أو من خلال قضية طحينة الأرز والمثليين وغيرها من قضايا اجتماعية، ولا شك بأنها قضية مهمة بالنسبة للمسلمين، فأخلاق وقيم وشريعة المسلمين ترفض ذلك وتعتبره انحرافًا وانهيارًا أخلاقيًا.
أما السبب والمبرر الثاني لضرورة عدم المراهنة على القائمة الموحدة، فهو سبب شخصي يتعلق بطبيعة شخصية "منصور عباس"، والأسباب المتعلقة بشخصية القائد مهمة لمعرفة توجهات المؤسسة وقراراتها الهامة، "فدهامشة" على سبيل المثال امتنع عن التصويت لسبب سياسي وطني فلسطيني، فسمح "لشارون" بتحقيق أغلبية بسيطة للانسحاب من غزة، أما السيد "منصور عباس" فيبدو كمن تجاهل بصورة كبيرة القضية الوطنية الفلسطينية، انسجامًا مع ظروف ومواقف الحكومة الحالية، أو أنه يشترك مع السيد "عبد المالك دهامشة" في مبدأ التوافق مع الحكومة أيًا كان موقفها، فإن اهتمت كما فعل "شارون" اهتم هو بدوره، وإن تجاهلت، هو تجاهل، وقد يكون هذا أنسب للنهج الجديد المبني على الواقعية اللامحدودة بثوابت، والذي يبدو مرفوضًا في كل معايير الشعب الفلسطيني ، ذو الطبيعة المقاومة للطغيان.
من الصعب اعتبار "منصور عباس" استمرار لنهج الشيخ "عبد الله درويش"، واضع أسس النهج الجديد؛ لأن القائمة الموحدة في ظل منصور عباس قد تجاوزت خطوطاً حمراء كثيرة، ومنها السكوت على الاعتداء على المسجد الأقصى المبارك، فذهبت بعيدا جدَا في واقعية درويش اللامحدودة، وقد أشار الدكتور المشرف على رسالة "عباس" الجامعية وهو "دورون نبوت" من جامعة حيفا، بأن الرجل معتدل حتى تجاه المثليين جنسيًا، ولكن هناك في الغرف المغلقة، وقد يتناسب هذا مع بعض شهادات زملائه الذين ذكروا بأن شخصيته بعيدة عن الأيدولوجية والثوابت، وكان يعرض نفسه للطلاب قديمًا من منطلق المصلحة لا غير.
هل حقق النهج الجديد أو مشاركة "عباس" في الائتلاف الحكومي انجازات واضحة ومتميزة للمجتمع العربي، بعد أن دفع ثمنها وهو التنازل والابتعاد عن القضية الوطنية الفلسطينية سلفًا؟
يبدو -وحتى اللحظة- أن محاولات "بينت" لدعم "عباس" وتقويته في المجتمع الفلسطيني لم تتجاوز الخطاب الإعلامي الفارغ من المضمون فسياسة الحكومة تجاه المجتمع العربي لم تتغير بصورة حقيقية، وعلى سبيل المثال فقد تم تطبيق 36% فقط لا غير من خطة تطوير المجتمع العربي من العام 2015 وحتى 2021 ورقمها(922)، أما الخطة الخماسية الجديدة 2022-2026 وهي بقيمة (30 مليار) شيكل فما زالت حبرًا على ورق والنتائج ستظهر لاحقًا، وقد لا تظهر قبل سقوط ائتلاف (عباس_بينت_لابيد) الهش، بمعنى يدفع عباس سلفًا، ويتلقى وعودًا تحتمل المناورة والمماطلة مما يعني عدم تحقيق انجازات مدنية بعد أن تم التخلي عن الإنجازات الوطنية.