ستة إنجازات لمقــ ـاومة 22 المستمرة

د. ناصر ناصر

كاتب وباحث سياسي

بقلم: ناصر ناصر


الميدان والمقــ ـاومة والشعب الفلسطيني، يفرض ما فشلت قيادة المقاطعة في فرضه، أو أسهمت بضعفها في عدم فرضه، إن لم نقل لم ترغب هذه القيادة في فرضه أصلاً، وهو أن قضية الشعب الفلسطيني المظلوم، هي قضية عادلة، ولا يمكن لأحد أن يتجاهلها، فقد شكلت هذه المقــ ـاومة لاعتــ ـداءات "إسرائيل" المستمرة، وخصوصاً على المسجد الأقصى، رافعةً متينةً للقضية الفلسطينية برمتها، وأجبرت "إسرائيل" والعالم على التعامل معها، فلا أمن ولا استقرار؛ بدون تحقيق الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني الجريح، حتى وإن طبّعت بعض الأنظمة العربية، وتعاونت قيادة المقاطعة أمنياً مع الاحتــ ـلال، واستمرت حركة عربية إسلامية في دعم ومساندة وحماية الائتلاف الحكومي في "إسرائيل"، فالشعب والمقاومة، هما من يقرر ويحدد الأجندة، وهذا هو النجاح الأول لمقــ ـاومة وهبّة 2022، والتي بدأت بعمليات طعــ ـن فردية، وتستمر بصورة أكثر تنظيما حالياً.

إسرائيلياً وإقليمياً احتــ ـلت أخبار المقــ ـاومة في القدس والضفة وكل أنحاء فلسطين، عناوين الأخبار بعد أن كان الموضوع الأوكراني في الطليعة، وهو أمر يضر بمصالح "إسرائيل"، ومصالح أمريكا في المنطقة والعالم، وقد يفيد بعض الشيء بوتين، وحملته على أوكرانيا، (ومصائب قوم عند قوم فوائد).

والأهم من ذلك كله هو أن تنجح قيادات الشعب الفلسطيني "المقــ ـاومة"، في استثمار هذه الأحداث لتحقيق إنجازات سياسية لمصلحة القضية الفلسطينية، ومقــ ـاومتها المشروعة ضد الاحتــ ـلال، خاصة في المسألة الأهم حالياً وهي: حماية المسجد الأقصى من تغول قطعان المستوطنين و(ابن غفير)، وقد حققت فعلاً إنجازاً على شكل تراجع مسار (مسيرة الأعلام)، وهذا إنجاز ثانٍ لهذه المقاومة.

أما ثالثاً: فقد فاجأت صواريخ غزة -20/4- قيادة الاحتــ ـلال، فبعد ما ظنوا أن مسألة (مسيرة الأعلام) الاستفزازية، قد مرت بفهم وإدراك فلسطيني وحمــ ـساوي، أنه تم تحقيق انتصار في الوعي على الأقل، من خلال إجبار مجموعات يهودية إرهــ ـابية ومتطرفة بتغيير المسيرة، جاء صاروخ واحد من غزة ليربك الاحتــ ـلال قيادةً وشعباً، فقيادة "إسرائيل" المتفاجئة في الفترة الأخيرة، لا ترغب أن تدرك بأن المشكلة ليست في مسار المسيرة فحسب؛ بل في كل ممارسات الحكومة الفاشية، ومعارضتها النازية في "إسرائيل"، وخصوصاً الاستيطان والاعتداء على مقدسات المسلمين، ومحاولة اقتسامها مع الإرهــ ـاب اليهودي.

رابعاً: نجح تكتيك المقــ ـاومة في قطاع غزة، في (التدخل الصاروخي المحدود والمعدود، وفي اللحظة المناسبة)، التي بدا فيها وكأن مقــ ـاومة الضفة والقدس، قد بدأت تستنفذ وسائلها في ظل بلوغ الاستفزاز الإسرائيلي حده، وتجاوز ضعف القيادة الفلسطينية الرسمية في المقاطعة، وفي ائتلاف حكومة "إسرائيل" التصور، نجح هذا التدخل المناسب على الأرجح، في تحطيم محاولات "إسرائيل"، للتفريق بين الساحات، وهي سياسة واستراتيجية مركزية للاحتــ ـلال في مواجهة الشعب الفلسطيني، فهي لا تريد أن يتكرر سيناريو (ســ ـيف القدس) السنة الماضية، ولا يعني ذلك بأن مصلحة الفلسطينيين الآن، هي أن تخوض غزة حــ ـرباً واسعة، وإنما أن تشارك ولو بالحد الأدنى، كما تم حتى الآن أي: (شكل محدود ومعدود) لتحافظ أيضاً على الردع، وهذا مصلحة تتقاطع حالياً مع مصلحة الاحتــ ـلال، والذي يخشى المزيد من التصــ ـعيد.

خامساً: لو سكت الفلسطينيون، أو واجهوا "إسرائيل" بضعف، لسكت العالم ومنه العربي والإقليمي؛ ولكن مشاهد الفلسطينيين، وهم يدافعون بصدورهم العارية عن مسجدهم المبارك، ويدفعون ثمناً لذلك دماءهم ومُقَل عيونهم، نيابة عن الأمة جميعها، أجبرت حكام وأنظمة على التدخل بقوة، خاصة التدخل الأردني المتميز في زمن التخاذل العربي، وقد وصل الأمر لاحتجاج إماراتي فاجئ "نفتالي بينيت" بنفسه، وصل لدرجة إلغاء المشاركة في احتفالات قيام دولة "إسرائيل"، على أنقاض الشعب العربي الفلسطيني في (نكبة 48)،  كذلك احتجاج وتحذير تركيا، فأدرك الإسرائيليون حينها أنهم قد وحدوا "بحماقاتهم" الساحات؛ بل وتم ضم ساحة إقليمية خارجية جديدة.

سادساً: كغيرها من الأحداث الجسام، شكلت هبّة الفلسطينيين للدفاع عن أنفسهم وعن مقدساتهم، أو ما يمكن تسميته (بانتفاضة 2022) كاشفًا للمواقف؛ ففضحت قوماً، وأظهرت أصالة وبطولة آخرين.

فعلى قمة الطرف الأول: تربعت القيادة الهرمة والهشة (لعباس – الشيخ) في المقاطعة، يليها منهج التأثير والمشاركة على نمط، (إن جيت على قوم بعبدوا عجل حِش وأطعمه)، الذي يتبناه "منصور عباس" وحركته الجنوبية، وعن ضعف المواقف الرسمية العربية والإسلامية، ونفاق حكومات الغرب الليبرالي فحدث ولا حرج.

أما الأصالة والبطولة: فقد تجسدت في نهج الفلسطينيين المتجدد والمتصاعد، رغم كل المؤامرات وهو الوحدة الوطنية الواسعة في مقــ ـاومة الاحتــ ـلال، وكذلك الحرص على تضامن إنساني واسع.

أخيراً: وطالما تنجح المقــ ـاومة الفلسطينية، في تحقيق نقاط رغم ضعفها وقلة إمكانياتها، طالما فشلت "إسرائيل" رغم عنجهيتها، ومساندتها من قبل أمريكا والغرب، فهي عملية تراكمية طويلة وشاقة، ولكنها الطريق الوحيد إنسانياً وقانونياً وأخلاقياً، ومن حيث النجاعة والفعالية أيضا.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023