لقد بدا قيام سلطات الاحتلال الاسرائيلي لأبواب المسجد الاقصى المبارك بعد طرد كل من فيه من المصلين منذ صلاة مغرب 17-8 و حتى فجر 18-8 ، بحجة البحث عن وسائل قتالية بعد حادث إطلاق النار على الشهيد المظلوم أحمد محاميد من أم الفحم ، خارج أسوار المسجد لإتهامه بمحاولة طعن الشرطي الاسرائيلي ، لقد بدا ذلك جزءا لا يتجزأ من سياسة حكومة اسرائيل المتطرفة اتجاه المسجد الاقصى المبارك و القدس و القاضية باستغلال أبسط الأحداث الامنية و غير الأمنية ، أو تلك المتعلقة أو غير المتعلقة بالمسجد الاقصى من أجل تعزيز سياسة التحكم و السيطرة في المسجد لتهويده مستقبلا ، و تحقيق الانتصار النهائي للمشروع الصهيوني في المسجد الاقصى و كامل القدس متجاهلة ما يحمله ذلك من تهديد حقيقي على أمنها .
ان إغلاق الاقصى كليا على يد قوات الاحتلال يشبع أيضا رغبة حكومة اسرائيل المحمومة و المدعومة برأي عام متطرف في إثبات و إظهار و إبراز بل و الاحتفاء بالسيطرة الكاملة على المسجد الاقصى ، فها هي " شرطة اسرائيل " تمنع و تسمح و تعطي و تأخذ و تتحكم بتحركات كل من يدخل و يخرج من المسجد الاقصى المبارك ، و هو أمر تحتاجه حكومة اليمين باستمرار ، و خاصة في هذه الأيام للتغطية على فشلها و تراجعها و ظهورها أمام الرأي العام الاسرائيلي كمن خضع أمام المقاومة الفلسطينية الثابتة في قطاع غزة ، و كمن تخلى عن كافة شعاراته و قواعده السابقة و التي تنص على ضرورة إسقاط المقاومة الارهابية في قطاع غزة .
يظهر إغلاق المسجد الاقصى أن حكومة اليمين في اسرائيل لم تعد تهتم بالتظاهر و التملق للرأي العام الدولي و العالمي ، و كأنها تحافظ على الحرية الدينية في اسرائيل الديموقراطية ، كما لم تعد تعبأ بتوصيات المستويات المهنية فيها بضرورة تجنب الرموز الدينية و على رأسها المسجد الاقصى و عدم تحويل الصراع من قومي الى ديني ، لما يحمله ذلك من مخاطر جمة على ما حققته اسرائيل من إنجازات من خلال احتلالها حتى الآن ، و قد يكون أحد أهم أسباب ذلك بالإضافة الى انزياح المجتمع الاسرائيلي نحو اليمين و اليمين القومي الديني المتطرف . هو التغير الكبير في البيئة الاقليمية و الدولية لصالح اسرائيل ، فسياسات الرئيس الغريب دونالد ترامب ، و إعلانه القدس عاصمة لدولة الاحتلال منحت اسرائيل جائزة و دعما إضافيا غير مسبوق لمواقفها و سياساتها العنصرية و المتطرفة و تحديدا في كل ما يتعلق في القدس و المسجد الاقصى المبارك .
كما ان التغيرات الحاصلة في مواقف بعض الدول العربية من اسرائيل على قاعدة الحلف المشترك لمواجهة ما يسمى بالخطر الايراني ، قد شجعت و زادت من جرأة اسرائيل على المس بأقدس مقدسات المسلمين لعلمها أو لتقديراتها أن ردود الفعل على عدوانها ستكون محدودة و لن تتجاوز ، كما حصل فعلا ، سقف التنديد و الاستنكار . و إن حصل و انفجر الشعب الفلسطيني في القدس فإن كوابح التحالف ستنجح في ضبط الأوضاع و إعادتها للسابق ، و لا بد هنا من القول ان تقديرات و حسابات الاحتلال تنجح حينا و لكنها تفشل في كثير من الأحيان .
ان إغلاق المسجد الاقصى المبارك هو ذروة جديدة من ذروات سياسة إقصاء المسلمين عن المسجد ، و التي تشمل أيضا استهدافها المستمر للمرابطين و المرابطات من خلال الاعتداء عليهم أو ملاحقتهم و اعتقالهم أو تسليمهم أوامر أمنية بإبعادهم عن المسجد ، و ذلك بحجج و مبررات واهية و أيانا لا أصل لها . إضافى الى استهداف موظفي الاوقاف الاسلامية و حراس المسجد و موظفي لجنة الاعمار، الامر الذي يضع العقبات أيضا في طريق متابعة أعمال إعمار الاقصى .
تحاول اسرائيل و من خلال إغلاقها الاخير و الذي يبدو لن يكون آخرا للمسجد الاقصى من جهة ، و السماح بالمزيد من اقتحامات المستوطنين له غض الطرف عن صلاتهم فيه ، تعويد الرأي العام الفلسطيني على قبول فكرة تحكمها و سيطرتها على حركة و مواعيد المصلين و ذلك كنوع من المقدمة و التمهيد بتمرير التقسيم الزماني و المكاني للمسجد الاقصى المبارك ، و هي محاولة مكشوفة على الأرجح ، و لن تنطلي على الشعب الفلسطيني في القدس و كل أنحاء فلسطين .
و هكذا تبدو سكرة القوة الغاشمة قد أعمت بصر و بصيرة " اسرائيل " من حقيقة كون المسجد الاقصى سببا لكل أو معظم الانتفاضات الفلسطينية العاصفة ، و التي ستتكرر كما علمت التجربة أيضا بسبب استمرار الاعتداءات على المسجد الاقصى ، و المسألة هي وقت لا أكثر.
https://arabi21.com/Story/1117022